أي فاتحة الكتاب معناها أول ما من شأنه أن يفتتح به الكتاب ، ثم أطبقت على أول كل شيء كالكلام ، والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية أو هي مصدر بمعنى الفتح أطلقت عليه تسمية للمفعول باسم المصدر ، وإشعارا بأصالته كأنه نفس الفتح والإضافة بمعنى اللام كما في جزء الشيء لا بمعنى { من } كما في خاتم فضة ، لما عرفت أن المضاف جزء من المضاف إليه لا جزئي له ، وسميت بذلك لأن القرآن افتتح بها إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف ، وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز ، وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن ، وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة ، قيل أنها مكية وهو قول أكثر العلماء ، وقيل مدنية وهو قول مجاهد ، وقيل أنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلوات الخمس ، ومرة بالمدينة حين حولت القبلة جمعا بين الروايات ، والأول أصح قاله البغوي ، ورجحه البيضاوي .
وأسماء السور توقيفية وكذا ترتيب السور والآيات أي تتوقف على نقلها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقيل غير ذلك ، وإنما هذا على الأرجح ، والسورة طائفة من القرآن لها أول وآخر وترجمة باسم خاص بها بتوقيف ، والسورة قد يكون لها اسم واحد ، وقد يكون اسمان أو أكثر .
وأسماء السور في المصاحف لم يثبتها الصحابة في مصاحفهم ، وإنما هو شيء ابتدعه الحجاج كما ابتدع إثبات الأعشار والأسباع ، وسميت هذه أم القرآن لكونها أصلا ومنشأ له إما لمبدئيتها له وإما لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله عز وجل ، والتعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده ، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم ، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء ، والمراد بالقرآن هو المراد بالكتاب ، وسميت أيضا أم الكتاب لأنه يبدأ بقرائتها في الصلاة ، قاله البخاري في الصحيح .
وقال أبو السعود مناط التسمية ما ذكر في أم القرآن لا ما أورده البخاري ، فإنه مما لا تعلق له بالتسمية كما أشير إليه ، قال ابن كثير وصحيح تسميتها بالسبع المثاني لأنها سبع آيات وتثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة أو لتكرر نزولها وأخرج أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( هي أم القرآن وهي السبع المثاني ، وهي القرآن العظيم ) {[1]} وأخرج ابن جرير عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( قال هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني ) {[2]} ؛ وأخرج نحوه ابن مردوديه والدارقطني من حديثه : " وقال كلهم ثقات .
ومن أسمائها كما حكاه في الكشاف سورة الكنز والوافية ، وسورة الحمد ، وسورة الصلاة ، وتسمى الكافية لأنها تكفي عن سواها في الصلاة ولا يكفي سواها عنها ، وسورة الشفاء والشافية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( هي الشفاء من كل داء ) وأخرج الثعلبي أن رجلا اشتكى إليه وجع الخاصرة فقال عليك بأساس القرآن{[3]} .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( إن الله أعطاني فيما من به علي فيما من به علي فاتحة الكتاب وقال : هي كنز من كنوز عرشي ) {[4]} ، وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن علي نحوه مرفوعا ، وذكر القرطبي للفاتحة اثني عشر اسما ، وقد ذكر السيوطي في الإتقان خمسة وعشرين اسما للفاتحة .
وهي سبع آيات بلا خلاف كما حكاه ابن كثير في تفسيره ، قال القرطبي : أجمعت الأمة على أنها سبع آيات إلا ما روى عن حسين الجعفي أنها ست وهو شاذ ، وعن عمرو بن عبيد أنه جعل { إياك نعبد } آية فهي عنده ثمان وهو شاذ انتهى ، وإنما اختلفوا في البسملة كما سيأتي :
وقد أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ، ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن ، وقد خالف في ذلك إجماع الصحابة وسائر أهل البيت ومن بعدهم ، وأخرج ابن حميد عن إبراهيم قال كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف ، وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء .
وقد ورد في فضل هذه السورة أحاديث : منها ما أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود النسائي من حديث أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ( لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ، قال فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال نعم : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) {[5]} .
وأخرج أحمد والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها{[6]} ؟ ثم أخبره أنها الفاتحة .
وأخرج أحمد في المسند من حديث عبد الله بن جابر : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ألا أخبرك بآخر سورة في القرآن ؟ قلت بلى يا رسول الله ، قال : اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها ) {[7]} وفي سنده ابن عقيل ، وقد احتج به كبار الأئمة وبقية رجاله ثقات ، وابن جابر هذا هو العبدي كما قال ابن الجوزي وقيل الأنصاري البياضي كما قال ابن عساكر .
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أخبره بأن رجلا رقى سليما بفاتحة الكتاب : ( وما كان يدريه أنها رقية ) {[8]} الحديث .
وأخرج مسلم ونسائي عن ابن عباس قال ( بينما النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبرائيل بصره إلى السماء فقال : هذا باب قد فتح من السماء ما فتح لنبي قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته ) {[9]} .
وأخرج مسلم والنسائي والترمذي وصححه عن أبي هريرة ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداع ثلاثا غير تمام ) {[10]} وأخرج البزار في مسنده بسند ضعيف عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت ) {[11]} .
وأخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم ) {[12]} ، وأخرج أبو الشيخ نحوه من حديثه وحديث أبي هريرة مرفوعا ، وأخرج الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان بسند رجاله ثقات عن عبد الملك ابن عمير قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم في فاتحة الكتاب ( شفاء من كل داء ) {[13]} .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن جرير والحاكم وصححه عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل راجعا من عنده ، فمر على قوم وعندهم رجل مجنون موثق بالحديد ، فقال أهله أعندك ما تداوي به هذا فإن صاحبكم قد جاء بخير ، قال فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية أجمع بناني ثم أتفل فبرأ فأعطاني مائة شاة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال ( كل فمن أكل برقية باطلة فقد أكلت برقية حق ) {[14]} .
وعن أبي عباس قال : فاتحة الكتاب ثلثا القرآن{[15]} ، وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ أم القرآن وقل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن ) ، وأخرج عبد بن حميد في مسنده بسند ضعيف عن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( فاتحة الكتاب تعدل بثلث القرآن ) {[16]} وأخرج الحاكم وصححه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جنبه ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ألا أخبرك بأفضل القرآن فتلا عليه الحمد لله رب العالمين ) {[17]} .
وأخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فاتحة الكتاب تجزئ ما لا يجزئ من القرآن في الكفة ، ولو أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات ) {[18]} .
وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحسن مرسلا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ) ، إلى غير ذلك من الأحاديث .
ثم الاستعاذة قبل القراءة سنة عند الجمهور لقوله تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } واختلفوا في لفظها المختار ، ولا يأتي بكثير فائدة ، ومعنى أعوذ بالله ألتجئ إليه وأمتنع به مما أخشاه ، من عاذ يعوذ والشيطان أصله من شطن أي تباعد من الرحمة أو من شاط إذا هلك واحترق ، والأول أولى .
والشيطان اسم لكل عات من الجن والإنس ، والرجيم من يرجم بالوسوسة أو مرجوم بالشهب عند استراق السمع أو بالعذاب أو مطرود عن الرحمة .
والاستعاذة تطهر القلب عن كل شيء شاغل عن الله .
ومن لطائفها أن قوله { أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } إقرار من العبد بعجزه وضعفه وبقدرة الباري على دفع جميع المضرات .
اختلف أهل العلم في البسملة : هل هي آية مستقلة في أول كل سورة كتبت في أولها ، أو هي بعض آية من أول كل سورة أو هي كذلك في الفاتحة فقط دون غيرها أو أنها ليست بآية في الجميع وإنما كتبت للفصل ؟ والأقوال وأدلتها مبسوطة في موضع الكلام على ذلك وقد اتفقوا على أنها بعض آي في سورة النمل ، وقد جزم قراء مكة والكوفة وفقهاؤهما بأنها آية من الفاتحة ومن كل سورة ، وخالفهم قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها فلم يجعلوها آية فذة من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها .
وبالأول قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير وعطاء وابن المبارك وأحمد في أحد قوليه ، وإسحق وعلي بن أبي طالب والزهري ومحمد ابن كعب والثوري ، وهو القول الجديد للشافعي ، ولذلك يجهر بها عنده .
وبالثاني قال الأوزعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه ، قال أبو السعود وهو الصحيح من مذهب الحنفية .
وقد أثبتها السلف في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن عما ايس منه ، ولذا لم يكتبوا آمين . وقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة ، وفي رواية انقضاء السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمان الرحيم ، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين .
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، وفي إسناده عمر بن هارون البلخي وفيه ضعف . وروى نحوه الدارقطني مرفوعا عن أبي هريرة ، وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمان الرحيم فإنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني{[41]} ، وبسم الله الرحمان الرحيم إحدى آياتها ) ، رواه الدارقطني وقال رجال إسناده كلهم ثقات ، ورواه البخاري في تاريخه ، وروي موقوفا أيضا .
وأخرج مسلم عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنزلت علي آنفا سورة فقرأ : بسم الله الرحمان الرحيم إنا أعطيناك الكوثر ) {[42]} الحديث .
قال البيهقي أسحن ما احتج به أصحابنا في أن البسملة من القرآن وأنها من فواتح السور سوى سورة براءة ما روينا في جمع الصحابة كتاب الله عز وجل في المصحف ، وأنهم كتبوا فيها البسملة على رأس كل سورة سوى سورة براءة فكيف يتوهم أنهم كتبوا فيها مائة وثلاث عشرة آية ليست من القرآن ، وقد علمنا بالروايات الصحيحة عن ابن عباس أنه كان يعد البسملة آية من الفاتحة ويقول انتزع الشيطان منهم خير آية في القرآن ، رواه الشافعي .
وكما وقع الخلاف في إثباتها وقع الخلاف في الجهر بها في الصلاة وقد أخرج النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة وقال بعد أن فرغ إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم ، وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمان الرحيم ، قال الترمذي وليس إسناده بذلك ، وقد أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمان الرحيم{[43]} ، ثم قال صحيح .
وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كانت قرائته مدا ثم قرأ بسم الله الرحمان الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمان ويمد الرحيم ، وأخرج أحمد في المسند وأبو داود في السنن وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه ، عن أم سلمة أنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قرائته بسم الله الرحمان الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمان الرحيم ، مالك يوم الدين " {[44]} ، وقال الدارقطني إسناده صحيح .
وبهذا قال من الصحابة أبو هريرة وابن عباس وابن عمر وابن الزبير ، ومن التابعين فمن بعدهم سعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وعكرمة وعطاء وطاوس ومجاهد وعلي بن الحسين وسالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي وابن سيرين وابن المنكدر ونافع مولى ابن عمر وزيد بن اسلم ومكحول وغيرهم ، وإليه ذهب الشافعي .
واحتج من قال إنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة بما في صحيح مسلم عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ، وفي الصحيحين عن أنس قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ، ولمسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمان الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها{[45]} ، وأخرج أهل السنن نحوه عن عبد الله بن مغفل ، وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة كابن مسعود وعمار بن ياسر وابن مغفل وغيرهم ، ومن التابعين الحسن والشعبي وإبراهيم النخعي وقتادة والأعمش والثوري ، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وغيهم .
وأحاديث الترك وإن كانت أصح . ولكن الإثبات أرجح مع كونه خارجا من مخرجه صحيح فالأخذ به أوفى ولا سيما مع إمكان تأويل الترك ، وهذا يقتضي الإثبات الذاتي أعني كونها قرآنا ، والوصفي أعني الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة .
والحاصل أن البسملة آية من الفاتحة ومن غيرها من السور ، وحكمها من الجهر والإسرار حكم الفاتحة فيجهر بها مع الفاتحة في الصلاة الجهرية ، ويسر بها مع الفاتحة في الصلاة السرية ، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات .
ولتنقيح البحث والكلام على أطرافه استدلالا وردا وتعقبا ودفعا ، ورواية ودراية موضع غير هذا ، وقد استوفاه الشوكاني في شرحه للمنتقي ، وله جواب عن سؤال نظما ونثرا .
ومتعلق الباء محذوف وهو اقرأ أو أتلو ، وتقديم المعمول للاعتناء به والقصد إلى التخصيص ، ويظهر رجحان تقدير الفعل متأخرا في مثل هذا المقام ولا يعارضه قوله تعالى { اقرأ باسم ربك } لأن المقام القراءة فكان الأمر بها أهم ، وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسما أو فعلا فلا يتعلق بذلك كثير فائدة ، والباء للاستعانة أو للمصاحبة تبركا ، ورجح الثاني الزمخشري ، والإسم هو اللفظ الدال على المسمى ، ومن زعم أن الإسم هو المسمى كما قاله أبو عبيد وسيبويه والباقلاني وابن الفورك " وحكاه الرازي عن الحشوية والكرامية والأشعرية ، فقد غلط غلطا بينا ، وجاء بما لا يعقل مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من لغة العرب ، بل العلم الضروري حاصل بأن الإسم الذي هو أصوات منقطعة وحروف مؤلفة غير المسمى الذي هو مدلوله ، والبحث مبسوط في علم الكلام وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة{[46]} ، وقال الله عز وجل { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } وقال تعالى : { قل ادعوا الله أو ادعو الرحمان أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } .
{ الله } علم عربي مرتجل جامد عند الأكثر ، خاص لذات الواجب الوجود تفرد به الباري سبحانه لم يطلق على غيره ، ولا يشركه فيه أحد ، وعند الزمخشري اسم جنس صار علما بالغلبة ، والأول هو الصحيح ، ولم يقل بالله للفرق بين اليمين والتيمن ، أو لتحقيق ما هو المقصود بالاستعانة هنا فإنها تكون تارة بذاته تعالى وتارة باسمه الأعظم ، وقد ذكره الله تعالى في ألفين وثلاثمائة وستين موضعا من القرآن .
{ الرحمان } من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عز وجل ، وقال أبو علي الفارسي الرحمان اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى { الرحيم } إنما هو في جهة المؤمنين قال تعالى { وكان بالمؤمنين رحيما } وعن ابن عباس قال هما إسمان أحدهما أرق من الآخر ، وقيل معناهما ذو الرحمة جمع بينهما للتأكيد وقيل غير ذلك ، والأول أولى ، وفي الرحمان من المبالغة ما ليس في الرحيم .
والرحمة إرادة الخير والإحسان لأهله ، وقيل ترك عقوبة من يستحق العقاب : وإسداد الخير والإحسان إلى من لا يستحق ، فهو على الأول صفة ذات وعلى الثاني صفة فعل ، وأسماء الله تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعالات ، وإفراد الوصفين الشريفين بالذكر لتحريك سلسلة الرحمة ، وهل الرحمان مصروف أو لا ، فيه قولان ، مال التفتازاني إلى جواز الأمرين ، وقد ورد في فضلها أحاديث ينبغي البحث عن أسانيدها والكلام عليها ، وقد شرعت التسمية في مواطن كثيرة قد بينها الشارع منها عند الوضوء ، وعند الذبيحة ، وعند الأكل وعند الجماع وغير ذلك .