سورة   الفاتحة
 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة بدا( ية ) الكتاب ، ومفاتحة الأحباب بالخطاب ، والكتاب منه أجل النعمى ، وأكرم الحسنى إذ هي ( . . . ) وابتداء .

وفي معناه قيل :

أفديكِ بل أيامُ دهري كلها *** تفدين أياما عرفتُكِ فيها

( . . . . . . . )

سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن *** ما كان قلبي للصبابة معهدا

ولقد كان صلى الله عليه وسلم غير مرتقب لهذا الشأن ، وما كان هذا الحديث منه على بال ، وحينما نزل عليه جبريل صلوات الله عليه وسلامه أخذ في الفرار ، وآثر التباعد لهذا الأمر آوى ( . . . ) قائلا : " دثروني دثروني ، زملوني زملوني " ، وكان يحنث في حراء ، ويخلو هنالك ( . . . ) فجأة ، وصادفته القصة بغتة كما قيل :

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى *** فصادف قلبي فارغا فتمكنا

وكان صلوات الله عليه وسلم رضي بأن يقال له أجير خديجة ؛ ولكن ( الحق سبحانه وتعالى أراده لأن ) يكون سيد الأولين والآخرين حيث قال : { يس والقرآن الحكيم } ( يس :2 ) ( رفعه إلى ) أشرف المنازل وإن لم يسم إليه بطرف التأميل سنة منه تعالى وتقدس ( . . . ) إلا عند من تقاصرت الأوهام عن استحقاقه ، ولذلك ما قصوا العجب من شأنه ( . . . ) يتيم أبي طالب من بين البرية ، ولقد كان صلوات الله عليه وسلم في سابق ( علمه ) سبحانه وتعالى مقدما على الكافة من أشكاله وأضرابه ، وفي معناه قيل :

هذا ( . . . ) أطمار *** وكان في فقر من اليسار

آثر عندي ( بالإكبار ) *** من أخي ومن جاري

وصاحب الدرهم ( والدينار ) *** فإن صاحب الأمر مع الإكثار

ولقد كان صلى الله عليه وسلم قبل النبوة حميد الشأن ، ( محمود ) الذكر ، ممدوح الاسم ، أمينا لكل واحد ، وكانوا يسمونه محمدا الأمين ، ولكن ( الكافرين ) ( . . . ) حالته ، بدلوا اسمه ، وحرفوا وصفه ، وهجنوا ذكره ، فواحد كان يقول ساحر ، وآخر يقول ( . . . ) وثالث يقول كاذب ، ورابع يقول شاعر :

أشاعوا لنا في الحي أشنع قصة *** وكانوا لنا سلما فصاروا لنا حربا .

وهكذا صفة المحب ، لا ينفك عن الملام ولكن كما قيل :

أجد الملامة في هواك لذيذة *** حبا لذكرك فليلمني اللوم

وماذا عليه من قبيح قالة ( من ) يقول ، ( والحق سبحانه يقول ) :{ ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك } ( الحجر : 97 ) أي استمع إلى ما يقول فيك بحسن الثناء علينا .

فصل : وتسمى هذه السورة أيضا أم الكتاب ، وأمُّ الشيء أصلُه ، وإمام كل شيء مقدمه ، وهذه السورة لما تشتمل عليه من الأمر بالعبودية ، والثناء على الله بجمال الربوبية ، ثم كمالها من الفضائل- لا تصح الفرائض إلا بها . وقوله صلى الله عليه وسلم مخبرا عنه سبحانه وتعالى : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " يعني قراءة هذه السورة ، فصارت أم الكتاب ، وأصلا لما تنبني عليه من لطائف الكرامات وبدائع التقريب والإيجاب .

الباء في بسم الله حرف التضمين ؛ أي بالله ظهرت الحادثات ، وبه وجدت المخلوقات ، فما من حادث مخلوق ، وحاصل منسوق ، من عين وأثر وغبر ، وغيرٍ من حجر ومدر ، ونجم وشجر ، ورسم وطلل ، وحكم وعلل - إلا بالحق وجوده ، والحق مَلِكُه ، ومن الحق بدؤه ، وإلى الحق عوده ، فبه وَجَدَ من وَحَّد ، وبه جحد من الحد ، وبه عرف من اعترف ، وبه تخلَّف من اقترف .

وقال : { بسم الله } ولم يقل بالله على وجه التبرك بذكر اسمه عند قوم ، وللفَرْقِ بين هذا وبين القَسَم عند الآخرين ، ولأن الاسم هو المسمى عند العلماء ، ولاستصفاء القلوب من العلائق ولاستخلاص الأسرار عن العوائق عند أهل العرفان ، ليكون ورود قوله { الله } على قلبٍ مُنقَّىً وسرٍ مُصَفَّىً . وقوم عند ذكر هذه الآية يتذكرون من الباء ( بره ) بأوليائه ومن السين سره مع أصفيائه ومن الميم منته على أهل ولايته ، فيعلمون أنهم ببره عرفوا سرّه ، وبمنته عليهم حفظوا أمره ، وبه سبحانه وتعالى عرفوا قدره . وقوم عند سماع بسم الله تذكروا بالباء براءة الله سبحانه وتعالى من كل سوء ، وبالسين سلامته سبحانه عن كل عيب ، وبالميم مجده سبحانه بعز وصفه ، وآخرون يذكرون عند الباء بهاءه ، وعند السين سناءه ، وعند الميم ملكه ، فلما أعاد الله سبحانه وتعالى هذه الآية أعني بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة وثبت أنها منها أردنا أن نذكر في كل سورة من إشارات هذه الآية كلمات غير مكررة ، وإشارات غير معادة ، فلذلك نستقصي القول ها هنا وبه الثقة .