من فضائل الاستعاذة انها تدفع الوسوسة كما في قوله تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم }{[1]} . فأمر الله تعالى ان يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه والاستعاذة به .
ومن فضائلها انها تذهب الغضب ، روى الشيخان في صحيحيهما عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال : " استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب احدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد ، فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي صلى الله عليه وسلم وقال : تعوذ بالله من الشيطان . فقال أترى بي بأس ، أمجنون انا ؟ اذهب " {[2]} .
وقد أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة للقرآن الكريم فقال تعالى{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }{[3]} .
وهذا الأمر على الندب ولا يأثم تاركها وهو قول جمهور اهل العلم{[4]} .
والمراد من الشيطان : شياطين الإنس والجن . قال تعالى{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم على بعض زخرف القول غرورا }{[5]} .
وروى الإمام احمد عن يزيد ، أنا المسعودي ، عن أبي عمرو الشامي ، عن عبيد بن الخشخاش ، عن ابي ذر قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست غليه فقال : يا أبا ذر هل صليت ؟ قلت : لا . قال : قم فصل . قال : فقمت فصليت ثم أتيته فجلست إليه ، فقال لي : يا ابا ذر استعذ بالله من شر شياطين الإنس والجن . قال : قلت : يا رسول الله وهل للإنس من شياطين ؟ قال : نعم . . . الحديث{[6]} .
وقد صحح الألباني هذا الحديث بعد ان ذكر جزء منه{[7]} . ويشهد لبعضه الآية المتقدمة . وذكره ابن كثير من عدة طرق ثم قال : ومجموعهما يفيد قوته وصحته{[8]} .
كما تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان ومن همزه ونفخه ونفثه . روى الإمام احمد عن محمد بن الحسن بن انس ، ثنا جعفر يعني : ابن سليمان ، عن علي بن علي اليشكري ، عن ابي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل واستفتح صلاته وكبر قال : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، ثم يقول : لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ، ثم يقول : الله اكبر ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه{[9]} .
وأخرجه أبو داود{[10]}وابن ماجة{[11]}من طريق عمرو بن مرة عن عاصم العنزي ، عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه نحوه .
قال عمرو : همزه : الموته ، ونفثه : الشعر ، ونفخه : الكبر .
وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة{[12]}وحسنه مقبل الوادعي في تحقيقه لتفسير ابن كثير{[13]} .
ونقل القرطبي عن ابن ماجة قال : المؤته يعني : الجنون ، والنفث : نفخ الرجل من فيه من غير ان يخرج ريقه ، والكبر : التيه{[14]} .
ومعنى الشيطان : قال الطبري : والشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شئ . ثم استشهد بالآية السابقة ثم بالرواية الآتية{[15]} .
قال ابن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب برذونا فجعل يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه ؛ و قال : ما حملتوني إلا على شيطان ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي . ذكره ابن كثير وصحح إسناده{[16]} .
ومعنى الرجيم : قال ابن كثير : والرجيم فعيل بمعنى مفعول أي : انه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين }{[17]} . وقال تعالى : { غنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد ليسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب }{[18]} وقال أيضا : { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين }{[19]} . إلى غير ذلك من الآيات{[20]} .
أخرج مسلم بسنده عن ابن عباس ، قال : بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم . سمع نقيضا من فوقه . فرفع رأسه ، فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم ، لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم . فسلم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك . فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته{[21]} .
وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد بن المعلى قال مر بي النبي صلى الله عليه وسلم و أنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت ، ثم أتيت فقال ما منعك ان تأتي ، فقلت : كنت أصلي ، فقال ألم يقل الله : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ، ثم قال : ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج من المسجد فذكره فقال : الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته {[22]} .
وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال : كنا في مسير لنا ، فنزلنا فجاءت جارية فقالت : إن سيد سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نؤبنه برقية ، فرقاه فبرأ ، فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا فلما رجع قلنا له أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي ؟ قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم {[23]} .
أخرج البخاري في صحيحه بإسناده على قتادة قال : سئل انس كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كانت مدا ، ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ببسم الله ، ويمد بالرحمن ، ويمد بالرحيم{[198]} .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقطع قراءته آية آية ومنها البسملة .
قال أبو داود : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثني ابي ، ثنا ابن جريج ، عن عبد الله بن ابي مليكة ، عن ام سلمة( انها )ذكرت ، او كلمة غيرها ، قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم{ بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، ملك يوم الدين }يقطع قراءته آية آية{[199]} .
وأخرجه أبو عمرو الداني من طريق ابي عبيد-وهو القاسم بن سلام-عن يحيى بن سعيد به ، وأخرجه أيضا من طريق محمد بن سعدان عن يحيى بن سعيد به وزيادة( ثم يقف )بعد كل آية ، ثم قال : ولهذا الحديث طرق كثيرة وهو أصل في هذا الباب{[200]}وفي زيادة قوله : ثم يقف بيان لمعنى التقطيع . وقال ابن الجزري : وهو حديث حسن وسنده صحيح{[201]} .
وأخرجه الحاكم من طريق حفص بن غياث عن ابن جريج به بلفظ : يقطعها حرفا حرفا . وصححه وسكت عنه الذهبي{[202]} .
أخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد ، أن جبريل اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ! اشتكيت ؟ فقال : نعم ، قال : بسم الله أرقيك ، من كل شئ يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك . باسم الله أرقيك{[203]} .
قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن عاصم ، عن أبي تميمة الهجيمي ، عمن كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت رديفه على حمار فعثر الحمار ، فقلت : تعس الشيطان ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقل تعس الشيطان ، فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم الشيطان في نفسه وقال : صرعته بقوتي ، فإذا قلت باسم الله ، تصاغرت إليه نفسه حتى يكون أصغر من ذباب{[204]} .
وأخرجه الإمام احمد من طرق أخرى عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم{[205]} . وذكره ابن كثير وقال : تفرد به احمد وهو إسناد جيد{[206]} .
وأخرجه النسائي{[207]} والحاكم من طريق خالد الحذاء عن ابي تميمة عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي{[208]} ، وصححه محقق عمل اليوم والليلة ، وصححه أيضا الشيخ الألباني{[209]} .
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن : ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ، الليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : آية من كتاب الله أغفلها الناس{ بسم الله الرحمن الرحيم } .
ذكره الحافظ ابن كثير ثم قال : إسناده جيد{[210]} . وذكره الحافظ ابن حجر وحسنه ثم قال : أخرجه ابن مردويه عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن ناجيه عن خلاد بن أسلم . . . وليث هو ابن أبي سليم فيه مقال لكن الأثر يعتضد بما تقدم{[211]} .
وقد روى عن مجاهد : جعفر بن إياس بن أبي وحشية وتقدم ذكره عند طريق أبي بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .
قال أبو داود : حدثنا قتيبة بن سعيد واحمد بن محمد المروزي وابن السرح ، قالوا : ثنا سفيان ، عن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، قال قتيبة( فيه ) : عن ابن عباس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه{ بسم الله الرحمن الرحيم } .
وهذا لفظ ابن السرح{[212]} . وصححه ابن كثير{[213]} .
وأخرجه الواحدي{[214]} ، والحاكم من طريق سفيان بن عيينة به وصححه ، وقال الذهبي : أما هذا فثابت{[215]} .
وأخرجه البزار من طريق سفيان بن عيينة به{[216]} . قال الهيثمي : رواه البزار بإسنادين رجال احدهما رجال الصحيح{[217]} والإسناد على شرط الشيخين .
قال التجيبي مختصر تفسير الطبري{ بسم الله }بمعنى : بذكر الله وتسمية أبدأ وأقرأ{[218]} .
أخرج الشيخان بإسناديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش ان رحمتي تغلب غضبي " . وفي رواية لمسلم : " إن رحمتي سبقت غضبي " {[219]} . واللفظان لمسلم .
واخرج مسلم أيضا بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحوش على ولدها ، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة " {[220]} . وأخرجه البخاري بنحوه وزيادة قوله : " حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية ان تصيبه " {[221]} .
واخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ، ما قنط من جنته احد " {[222]} . وأخرجه البخاري بنحوه وأطول{[223]} .
والرحمن مشتق من الرحمة ، وهو قول الجمهور{[224]} .
والدليل ما أخرجه أحمد قال : ثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض فقال له عبد الرحمن : وصلتك رحم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن يصلها أصله ، ومن يقطعها أقطعه فأثابته ، أو قال من يبتها أبته{[225]} .
وأخرجه أيضا من حديث أبي هريرة بنحوه{[226]} . وصححه احمد شاكر والألباني{[227]} .
وأخرجه الحاكم من طريق يزيد بن هارون به ، وسكت عنه هو والذهبي{[228]} .
وأخرجه احمد{[229]} وأبو داود{[230]} والترمذي{[231]} والحاكم{[232]} كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن رداد الليثي عن عبد الرحمن بن عوف بنحوه .
قال الترمذي : حديث سفيان عن الزهري حديث صحيح . وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
والرحمن اسم من أسماء الله التي منع التسمي بها العباد .
كما روى الطبري عن الحسن فقال : حدثنا محمد بن بشار ، قال حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : " الرحمن " اسم ممنوع{[233]} .
وعوف هو ابن أبي جميلة الأعرابي ثقة وباقي رجاله ثقات أيضا فالإسناد صحيح إلى الحسن البصري .
وانظر الروايات عند قوله تعالى في سورة الفاتحة { الرحمن الرحيم } .