سورة   الفاتحة
 
جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفاتحة

مكية وهي سبع آيات .

{ بِسْمِ اللهِ } ، أي : متبركاً باسم مسمى لهذا اللفظ الجامع لجميع صفات الكمال أقرأ أو مستعينا به كما في : كتبت بالقلم ، { الرَّحْمنِ }{[28]} . الموصوف بصفة إرادة الخير لجميع الخلائق ولا يطلق إلا على الله تعالى ، { الرَّحِيمِ } : بالمؤمنين ويطلق على غيره .


[28]:- اعلم أن الرحمة صفة من صفات الله أثبتها الله تعالى لنفسه في كتابه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم وأما قول القائل: الرحمة ضعف وخور في الطبيعة وتألم على المرحوم. فهذا باطل أما أولا فلأن الضعف والخور مذموم من الآدميين والرحمة ممدوحة وقد قال تعالى: {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} البلد:، وقد نهى الله عباده عن الوهن والحزن فقال تعالى:{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران:)، وندبهم إلى الرحمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا تترع الرحمة إلا من شقي) [حديث حسن، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حيان والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا، وانظر صحيح الجامع، 7467] وقال: (من لا يَرحم لا يُرحم) [أخرجه البخاري في "الأدب"، 5997 ومسلم في "الفضائل"، 2318]، وقال: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) [أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وانظر صحيح الجامع، 3522، ومحال أن يقول لا يترع الضعف والخور إلا من شقي ولكن لما كانت تقارن في حق كثير من الناس الضعف والخور كما في رحمة النساء ونحو ذلك ظن الغالط أنها كذلك مطلقا. وأيضا فلو قدر أنها في حق المخلوقين مستلزمة لذلك لم يجب أن تكون في حق الله مستلزمة لذلك كما أن العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام فينا يستلزم من النقص والحاجة ما يجب تتريه الله عنه وكذلك الوجود والقيام بالنفس فينا يستلزم احتياجه إلى خالق يجعلنا موجودين والله منزه في وجوده مما يحتاج إليه وجودنا فنحن وصفاتنا وأفعالنا مقرونون بالحاجة إلى الغير والحاجة لنا أمر ذاتي لا يمكن أن نخلو عنه وهو سبحانه الغني له أمر ذاتي لا يمكن أن يخلو عنه فهو بنفسه حي قيوم واجب الوجود ونحن بأنفسنا محتاجون فقراء فإذا كانت ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا وما اتصفنا به من الكمال من العلم والقدرة وغير ذلك هو مقرون بالحاجة والحدوث والإمكان لم يجب أن لا يكون لله ذات ولا صفات ولا أفعال ولا يقدر ولا يعلم لكون ذلك ملازما للحاجة فينا فكذلك الرحمة وغيرها إذا قدر أنه في حقنا ملازم لحاجة وضعف لم يجب أن يكون في حق الله تعالى ملازما لذلك رسالة شيخ الإسلام أبي العباس رحمة الله عليه.