سورة   الفاتحة
 
الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ} (1)

مقدمة السورة:

فاتحة الكتاب بحول الله تعالى وقوته

ابن عباس وغيره أنها مكية ، ويؤيد هذا أن في سورة الحجر ( آتيناك سبعا من المثاني ) والحجر مكية بإجماع . وفي حديث أبي بن كعب أنها السبع المثاني .

ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة . وما حفظ أنه كانت قط في الإسلام صلاة بغير ( الحمد لله رب العالمين ) .

وروي عن عطاء بن يسار وغيره أنها مدينة .

وأما أسماؤها فلا خلاف أنه يقال لها فاتحة الكتاب ، واختلف هل يقال لها أم الكتاب ؟ فكره ذلك الحسن بن أبي الحسن ، وأجازه ابن عباس وغيره . وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه أبو هريرة .

واختلف هل يقال لها أم القرآن ؟ فكره ذلك ابن سيرين ، وجوزه جمهور العلماء . وسميت المثاني لأنها تثنى في كل ركعة . وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة .

وأما فضل هذه السورة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب أنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها . وروي أنها تعدل ثلثي القرآن ، وهذا العدل إما أن يكون في المعاني وإما أن يكون تفضيلا من الله تعالى لا يعلل . وكذلك يجئ عدل قل هو الله أحد وعدل إذا زلزلت وغيره ت . ونحو حديث أبي حديث أبي سعيد بن المعلى إذ قال له صلى الله عليه وسلم " ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن ( الحمد الله رب العالمين ) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه انتهى من سلاح المؤمن تأليف الشيخ المحدث أبي الفتح تقي الدين محمد بن علي بن همام رحمه الله .

تفسير بسم الله الرحمن الرحيم روي أن رجلا قال بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم : تعس الشيطان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقل ذلك ، فإنه يتعاظم عنده ، ولكن قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، فإنه يصغر حتى يصير أقل من الذباب " ، والبسملة تسعة عشر حرفا ، قال بعض الناس إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم عليها تسعة عشر ، إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم ، لكل حرف ملك ، وهم يقولون في كل أفعالهم بسم الله الرحمن الرحيم ، فمن هنالك هي قوتهم ، وباسم الله استضلعوا .

قال ( ع ) : وهذا من ملح التفسير ، وليس من متين العلم ، ( ت ) ولا يخفى عليك لين ما بلغ هؤلاء . ولقد أغنى الله تعالى بصحيح الأحاديث ، وحسنها ، عن موضوعات الوراقين . فجزى الله نقاد الأمة عنا خيرا . وما جاء من الأثر عن جابر وأبي هريرة مما يقتضي بظاهره أن البسملة آية من الفاتحة يرده صحيح الأحاديث ، كحديث أنس ، وأبي بن كعب ، وحديث ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ) ونحوها ، ولم يحفظ قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء بعده أنهم يبسملون في الصلاة .

( ع ) ، والباء له في بسم الله متعلقة عند نحاة البصرة باسم ، تقديره ابتدائي مستقر أو ثابت بسم الله ، وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت بسم الله ، واسم أصله سمو بكسر السين ، أو سمو بضمها وهو عند البصريين مشتق من السمو . ( ت ) وهو العلو والارتفاع .

قال ( ص ) : والاسم هو الدال بالوضع على موجود في العيان ، إن كان محسوسا ، وفي الأذهان إن كان معقولا ، من غير تعرض ببنيته للزمان . ومدلوله هو المسمى ، والتسمية جعل ذلك اللفظ دليلا على المعنى . فهي أمور ثلاثة متباينة ، فإذا أسندت حكما إلى لفظ اسم ، فتارة يكون حقيقة نحو زيد اسم ابنك ، وتارة يكون مجازا ، وهو حيث يطلق الاسم ، ويراد به المسمى ، كقوله تعالى : { تبارك اسم ربك } [ الرحمن :78 ] { وسبح اسم ربك } [ الأعلى :1 ] وتأول السهيلي ( سبح اسم ربك ) على إقحام الاسم أي سبح ربك وإنما ذكر الاسم حتى لا يخلو التسبيح من اللفظ باللسان ، لأن الذكر بالقلب متعلقه المسمى ، والذكر باللسان متعلقه اللفظ ، وتأول قوله تعالى : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء } [ يوسف :40 ] بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على الحقيقة ، فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها . انتهى .

وقال الكوفيون : أصل اسم وسم من السمة ، وهي العلامة لأن الاسم علامة لمن وضع له ، والمكتوبة التي لفظها الله أبهر أسمائه تعالى ، وأكثرها استعمالا ، وهو المتقدم لسائرها في الأغلب ، وإنما تجئ الأخر أوصافا ، وحذفت الألف الأخيرة من الله لئلا يشكل بخط اللات ، وقيل طرحت تخفيفا ، والرحمن صفة مبالغة من الرحمة . معناها أنه انتهى إلى غاية الرحمة . وهي صفة تختص بالله تعالى ، ولا تطلق على البشر . وهي أبلغ من فعيل . وفعيل أبلغ من فاعل ، لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة ، ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك ، والرحمن النهاية في الرحمة .