جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (129)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلَن تَسْتَطِيعُوَاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ } : لن تطيقوا أيها الرجال أن تسوّوا بين نسائكم وأزواجكم في حبهن بقلوبكم حتى تعدلوا بينهن في ذلك ، مما لا تملكونه . وليس إليكم . { وَلَوْ حَرَصْتُمْ } يقول : ولو حرصتم في تسويتكم بينهنّ في ذلك . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَوح حَرَصْتُمْ } قال : واجب أن لا تستطيعوا العدل بينهن .

{ فَلاَ تَمِيلُوا كُلّ المَيْلِ } يقول : فلا تميلوا بأهوائكم إلى من لم تملكوا محبته منهنّ كلّ الميل ، حتى يحملكم ذلك على أن تجوروا على صواحبها في ترك أداء الواجب لهنّ عليكم من حقّ في القسم لهنّ ، والنفقة عليهنْ ، والعشرة بالمعروف . { فَتَذَرُها كالمُعَلّقَةِ } يقول : فتذروا التي هي سوى التي ملتم بأهوائكم إليها كالمعلقة ، يعني : كالتي لا هي ذات زوج ، ولا هي أيم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ما قلنا في قوله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَوح حَرَصْتُمْ } :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءه وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قال : بنفسه في الحبّ والجماع .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن يونس ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قال بنفسه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص ، عن أشعث ، وهشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : سألته عن قوله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } فقال : في الجماع .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : في الحبّ والجماع .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سهل ، عن عمرو ، عن الحسن : في الحبّ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : في الحبّ والجماع .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : قال أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن قوله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أن تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قال : في المودة ، كأنه يعني الحبّ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } يقول : لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهنّ ولو حرصت .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول : اللهمّ أما قلبي فلا أملك ، وأما سوى ذلك فأرجو أن أعدل .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } يعني : في الحبّ والجماع .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، وحدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قالا جميعا : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : «اللّهُمّ هَذَا قَسْمِي فِيما أمْلِكُ ، فَلا تَلُمْنِي فِيما تَمْلِكُ وَلا أمْلِكُ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حسين بن عليّ ، عن زائدة ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة قال : نزلت هذه الاَية في عائشة : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ } .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : في الشهوة والجماع .

حدثنا ابن وكيع ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : في الجماع .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا زيد بن أبي الزرقاء ، قال : قال سفيان في قوله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قال : في الحبّ والجماع .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بينَ النّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ } قال : ما يكون من بدنه وقلبه ، فذلك شيء لا يستطيع يملكه .

ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله : { فَلا تَمِيلُوا كُلّ المَيْل } :

حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد ، قال : قلت لعبيدة : { فَلاَ تَمِيلُوا كُلّ المَيْلِ } قال : بنفسه .

حدثنا سفيان ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد ، عن عبيدة ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : { فَلاَ تَمِيلُوا كُلّ المَيْلِ } قال هشام : أظنه قال : في الحبّ والجماع .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا حبان بن موسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة في قوله : { كُلّ المَيْلِ } قال : بنفسه .

حدثنا بحر بن نصر الخولاني ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، قال : أخبرنا الأوزاعي ، عن ابن سيرين ، قال : سألت عبيدة عن قول الله : { فَلاَ تَمِيلُوا كُلّ المَيْلِ } قال : بنفسه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن : { فَلا تَمِيلُوا كُلّ المَيْلِ } قال : في الغشيان والقسم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَلا تَمِيلُوا كُلّ المَيْلِ } : لا تَعَمّدوا الإساءة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني عن مجاهد : { فَلا تَمِيلُوا كُلّ المَيْلِ } قال : يتعمد أن يسيء ويظلم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { فَلا تَمِيلُوا كُلّ المَيْل } قال : هذا في العمل في مبيته عندها ، وفيما تصيب من خيره .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { فَلا تَمِيلُوا كُلّ المَيْل } يقول : يميل عليها فلا ينفق عليها ، ولا يقسم لها يوما .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : { فَلا تَمِيلُوا كُلّ المَيْل } قال : يتعمد الإساءة ، يقول : لا تميلوا كل الميل ، قال : بلغني أنه الجماع .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ، فيعدل ويقول : «اللّهُمّ هَذهِ قِسْمَتِي فِيما أمْلِكُ ، فَلا تَلُمْنِي فِيما تَمْلِكُ وَلا أمْلِكُ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بمثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «مَنْ كانَتْ لَهُ امْرأتانِ يَمِيلُ مَعَ إحْدَاهُمَا على الأُخْرَى جاءَ يَوْمَ القِيامَةِ أحَدُ شِقّيْهِ ساقِطٌ » .

ذكر من قال ما قلنا في تأويل قوله : { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } قال : تذروها لا هي أيّم ، ولا ذات زوج .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } قال : لا أيما ولا ذات بعل .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن مبارك ، عن الحسن¹ { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } قال : لا مطلقة ، ولا ذات بعل .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن ، مثله .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } : أي كالمحبوسة أو كالمسجونة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } قال : كالمسجونة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن أبي جعفر ، عن الربيع في قوله : { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } يقول : لا مطلقة ، ولا ذات بعل .

حدثني المثنى ، قال : ثني إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : أخبرنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس في قوله : { فَلا تَمِيلُوا كُلّ المَيْلِ فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } لا مطلقة ، ولا ذات بعل .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني عن مجاهد : { فَتَذَرُها كالمُعَلّقَةِ } قال : لا أيما ، ولا ذات بعل .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح : { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } ليس بأيم ، ولا ذات زوج .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي وأبو خالد وأبو معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : لا تدعها ، كأنها ليس لها زوج .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقةِ } قال : لا أيّما ، ولا ذات بعل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } قال : المعلقة : التي ليست بمخلاّة ونفسها فتبتغي لها ، وليست متهيئة كهيئة المرأة من زوجها ، لا هي عند زوجها ولا مفارقة فتبتغي لنفسها ، فتلك المعلقة .

قال أبو جعفر : وإنما أمر الله جلّ ثناؤه بقوله : { فَلا تَميلُوا كُلّ المَيْلِ فَتَذَرُوها كالمُعَلّقَةِ } الرجال بالعدل بين أزواجهن فيما استطاعوا فيه العدل بينهنّ من القسمة بينهنّ والنفقة ، وترك الجور في ذلك بإيثار أحداهنّ على الأخرى فيما فرض عليهم العدل بينهن فيه ، إذ كان قد صفح لهم عما لا يطيقون العدل فيه بينهن ، مما في القلوب من المحبة والهوى .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإنْ تُصْلِحُوا وَتَتّقُوا فإنّ اللّهَ كانَ غَفُورا رَحِيما } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : وإن تصلحوا أعمالكم أيها الناس ، فتعدلوا في قسمكم بين أزواجكم وما فرض الله لهنّ عليكم من النفقة والعشرة بالمعروف ، فلا تجوروا في ذلك . { وتَتّقُوا } يقول : وتتقوا الله في الميل الذي نهاكم عنه ، بأن تميلوا لإحداهنّ على الأخرى ، فتظلموها حقها مما أوجبها الله له عليكم . { فإنّ اللّهَ كانَ غَفُورا } يقول : فإن الله يستر عليكم ما سلف منكم من ميلكم وجوركم عليهنّ قبل ذلك بتركه عقوبتكم عليه ، ويغطي ذلك عليكم بعفوه عنكم ما مضى منكم في ذلك قبل . { رَحِيما } يقول : وكان رحيما بكم إذا تاب عليكم ، فقبل توبتكم من الذي سلف منكم من جورتكم في ذلك عليهنّ ، وفي ترخيصه لكم الصلح بينكم وبينهن ، بصفحهن عن حقوقهنّ لكم من القسم على أن يطلقن .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلۡمَيۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (129)

ثم عذر الناس في شأن النساء فقال : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } أي تمامَ العدل . وجاء ب ( لن ) للمبالغة في النفي ، لأنّ أمر النساء يغالب النفس ، لأنّ الله جعل حُسن المرأة وخُلقها مؤثّراً أشدّ التأثير ، فربّ امرأة لبيبة خفيفة الروح ، وأخرى ثقيلة حمقاء ، فتفاوتهنّ في ذلك وخلوّ بعضهنّ منه يؤثّر لا محالة تفاوتاً في محبّة الزوج بعض أزواجه ، ولو كان حريصاً على إظهار العدل بينهنّ ، فلذلك قال { ولو حرصتم } ، وأقام الله ميزان العدل بقوله : { فلا تميلوا كلّ الميل } ، أي لا يُفْرط أحدكم بإظهار الميل إلى أحداهنّ أشدّ الميل حتّى يسوء الأخرى بحيث تصير الأخرى كالمعلّقة . فظهر أنّ متعلّق { تميلوا } مقدّر بإحداهنّ ، وأنّ ضمير { تذروها } المنصوب عائد إلى غير المتعلّق المحذوف بالقرينة ، وهو إيجاز بديع .

والمعلّقة : هي المرأة التي يهجرها زوجها هجراً طويلاً ، فلا هي مطلّقة ولا هي زوجة ، وفي حديث أمّ زرع « زوجي العَشَنَّق إنْ أنطِقْ أطَلَّقْ وإن أسكُتْ أعَلَّقْ » ، وقالت ابنة الحُمَارس :

إنّ هي إلاّ حِظَةٌ أو تَطليق *** أو صلَف أو بينَ ذاك تَعْليق

قد دلّ قوله : { ولن تستطيعوا إلى قوله : فلا تميلوا كلّ الميل } على أنّ المحبّة أمر قهري ، وأنّ للتعلّق بالمرأة أسباباً توجبه قد لا تتوفّر في بعض النساء ، فلا يُكلّف الزوج بما ليس في وسعه من الحبّ والاستحسان ، ولكنّ من الحبّ حظّاً هو اختياري ، وهو أن يَرُوض الزوج نفسه على الإحسان لامرأته ، وتحمُّل ما لا يلائمه من خلقها أو أخلاقها ما استطاع ، وحسن المعاشرة لها ، حتّى يحصّل من الألف بها والحنوّ عليها اختياراً بطول التكرّر والتعوّد .

ما يقوم مقام الميل الطبيعي . فذلك من الميل إليها الموصى به في قوله : { فلا تميلوا كلّ الميل } ، أي إلى إحداهنّ أو عن إحداهنّ .