وقوله : فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنّ يقول تعالى ذكره : فإذا بلغ المطلقات اللواتي هنّ في عدة أجلهنّ وذلك حين قرب انقضاء عددهنّ فأمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ يقول : فأمسكوهنّ برجعة تراجعوهن ، إن أردتم ذلك بمعروف يقول : بما أمرك الله به من الإمساك وذلك باعطائها الحقوق التي أوجبها الله عليه لها من النفقة والكسوة والمسكن وحُسن الصحبة ، أو فارقوهنّ بمعروف ، أو اتركوهنّ حتى تنقضي عددهنّ ، فتبين منكم بمعروف ، يعني بإيفائها ما لها من حق قبله من الصداق والمتعة على ما أوجب عليها لها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن عبد الأعلى ، قال : ثني المحاربي عبد الرحمن بن محمد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قوله : فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنّ يقول : إذا انقضت عدتها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة ، أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض ، يقول : فراجع إن كنت تريد المراجعة قبل أن تنقضي العدّة بإمساك بمعروف ، والمعروف أن تحسن صحبتها أوْ تَسْريحٌ بإحْسانٍ والتسريح بإحسان : أن يدعها حتى تمضي عدتها ، ويعطيها مهرا إن كان لها عليه إذا طلقها ، فذلك التسريح بإحسان ، والمُتعة على قدر الميسرة .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُن قال : إذا طلقها واحدة أو ثنتين ، يشاء أن يمسكها بمعروف ، أو يسرّحها بإحسان .
وقوله : وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وأشهدوا على الإمساك إن أمسكتموهنّ ، وذلك هو الرجعة ذوي عدل منكم ، وهما اللذان يرضى دينهما وأمانتهما .
وقد بيّنا فيما مضى قبل معنى العدل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وذكرنا ما قال أهل العلم فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها ، أشهد رجلين كما قال الله : وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ عند الطلاق وعند المراجعة ، فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين ، وإن لم يراجعها فإذا انقضت عدتها فقد بانت منه بواحدة ، وهي أملك بنفسها ، ثم تتزوّج من شاءت ، هو أو غيره .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ قال : على الطلاق والرجعة .
وقوله : وأقِيمُوا الشّهادَةَ لِلّهِ يقول : وأشهدوا على الحقّ إذا استشهدتم ، وأدّوها على صحة إذا أنتم دُعيتم إلى أدائها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : وأقِيمُوا الشّهادَةَ لِلّهِ قال : أشهدوا على الحقّ .
وقوله : ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّهِ واليَوْمِ الاَخِرِ يقول تعالى ذكره : هذا الذي أمرتكم به ، وعرّفتكم من أمر الطلاق ، والواجب لبعضكم على بعض عند الفراق والإمساك عظة منا لكم ، نعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر ، فيصدّق به .
وعُنِي بقوله : مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّهِ من كانت صفته الإيمان بالله ، كالذي :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّهِ وَاليَوْم الاَخِرِ قال : يؤمن به .
وقوله : وَمَنْ يَتّق اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا يقول تعالى ذكره : من يخف الله فيعمل بما أمره به ، ويجتنب ما نهاه عنه ، يجعل له من أمره مخرجا بأن يعرّفه بأن ما قضى فلا بدّ من أن يكون ، وذلك أن المطلق إذا طلّق ، كما ندبه الله إليه للعدّة ، ولم يراجعها في عدتها حتى انقضت ثم تتبعها نفسه ، جعل الله له مخرجا فيما تتبعها نفسه ، بأن جعل له السبيل إلى خطبتها ونكاحها ، ولو طلقها ثلاثا لم يكن له إلى ذلك سبيل .
وقوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن } يريد به آخر القروء ، و «الإمساك بالمعروف » : هو حسن العشرة في الإنفاق وغير ذلك ، و «المفارقة بالمعروف » : هو أداء المهر والتمتيع ودفع جميع الحقوق والوفاء بالشروط وغير ذلك حسب نازلة ، وقوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } يريد على الرجعة ، وذلك شرط في صحة الرجعة ، وللمرأة منع الزوج من نفسها حتى يشهد ، وقال ابن عباس المراد على الرجعة ، والطلاق ، لأن الإشهاد يرفع من النوازل إشكالات كثيرة ، وتقييد تاريخ الإشهاد من الإشهاد ، وقال النخعي : العدل : من لم تظهر منه ريبة ، وهذا قول الفقهاء ، والعدل حقيقة الذي لا يخاف إلا الله ، وقوله تعالى : { أقيموا الشهادة لله } أمر للشهود ، وقوله تعالى : { ذلكم يوعظ به } إشارة إلى إقامة الشهادة ، وذلك أن جميع فصول الأحكام والأمور فإنما تدور على إقامة الشهادة ، وقوله تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب } .
قال علي بن أبي طالب وكثير من المتأولين نفي من معنى الطلاق ، أي ومن لا يتعدى في الطلاق السنة إلى طلاق الثلاث وغير ذلك يجعل الله له مخرجاً إن ندم بالرجعة المباحة ويرزقه ما يطعم أهله ويوسع عليه ، ومن لا يتق الله فربما طلق وبت وندم ، فلم يكن له مخرج وزال عليه رزق زوجته . وقد فسر ابن عباس نحو هذا فقال للمطلق ثلاثاً : أنت لم تتق الله فبانت منك امرأتك ولا أرى لك مخرجاً . وقال ابن عباس أيضاً معنى : { يجعل له مخرجاً } يخلصه من كرب الدنيا والآخرة ، واختلف في ألفاظ رواية هذه القصة ، قال ابن عباس للمطلق ، لكن هذا هو المعنى ، وقال بعض رواة الآثار : نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي وذلك أنه أسر ولده وقدر عليه رزقه ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بالتقوى ، فقيل : لم يلبث أن تفلت ولده وأخذ قطيع غنم للقوم الذين أسروه ، وجاء أباه ، فسأل عوف رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتطيب له تلك الغنم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم » ونزلت الآية في ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.