ولما حدّ سبحانه ما يفعل في العدة أتبعه ما يفعل عند انقضائها بقوله تعالى : { فإذا بلغن } أي : المطلقات { أجلهن } أي : شارفن انقضاء العدة مشارفة عظيمة { فأمسكوهن } أي : بالمراجعة وهذا يدل على أن الأولى من الطلاق مادون البائن لاسيما الثلاث { بمعروف } أي : حسن عشرة لا لقصد المضارة بطلاق آخر لأجل إيجاد عدة أخرى ، أو غير ذلك . { أو فارقوهن } بعدم المراجعة لتتم العدة فتملك نفسها { بمعروف } أي : بإيفاء الحق مع حسن الكلام وكل أمر حسنه الشرع ، فلا يقصد أذاها بتفريقها عن ولدها مثلاً ، أو عنه إن كانت عاشقة له لقصد الأذى فقط من غير مصلحة ، وكذلك ما أشبه ذلك من أنواع الضرر بالفعل والقول فقد تضمنت الآية بإفصاحها الحث على فعل الخيرات وبإفهامها اجتناب المنكرات .
تنبيه : قال بعض العلماء في قوله تعالى : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وقوله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } [ البقرة : 229 ] إن : الزوج له حق في بدن الزوجة ولها حق في بدنه وذمته فكل من له دين في ذمة غيره سواء أكان مالاً ، أو منفعة من ثمن أو مثمن أو أجرة ، أو بدل متلف ، أو ضمان مغصوب ، أو نحو ذلك فعليه أن يؤدي ذلك الحق الواجب بإحسان ، وعلى صاحب الحق أن يتبع بإحسان كما قال تعالى في آية القصاص : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } [ البقرة : 178 ] وكذا الحق الثابت في بدنه مثل حق الاستمتاع والإجارة على عينه ونحو ذلك ، فالطالب يطلب بمعروف والمؤدي يؤدي بإحسان .
ولما كان الإشهاد أقطع للنزاع قال تعالى حاثاً على الكيس واليقظة والبعد عن أفعال المغفلين العجزة : { وأشهدوا } أي : على الرجعة والمفارقة ، وقيل : المعنى وأشهدوا عند الرجعة والفرقة جميعاً { ذوي عدل منكم } قطعاً للنزاع ، وهذا الإشهاد مندوب إليه عند الجمهور كقوله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } [ البقرة : 282 ] وأوجب الإشهاد في الرجعة الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه ، والشافعي كذلك لظاهر الأمر . وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في القول الأخر : إن الرجعة لا تفتقر إلى القبول فلم تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق .
وإذا جامع أو قبل أو باشر يريد بذلك الرجعة فليس بمراجع ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا قبل أو باشر أو لمس بشهوة فهو رجعة ، وكذا النظر إلى الفرج رجعة ، وقال الشافعي وأبو ثور : إذا تكلم بالرجعة فهي رجعة ، وقيل : وطؤه مراجعة على كل حال نواها أو لم ينوها ، وهو مذهب أحمد وإليه ذهب الليث وبعض المالكية . قال القرطبي : وكان مالك يقول : إذا وطئ ولم ينو الرجعة فهو وطء فاسد ، ولا يعود إلى وطئها حتى يستبرئها من مائه الفاسد ، وله الرجعة في بقية العدة الأولى ، وليست له الرجعة في هذا الاستبراء .
تنبيه : قوله تعالى : { منكم } قال الحسن : من المسلمين ، وعن قتادة : من أحراركم ، وذلك يوجد اختصاص الشهادة على الرجعة بالذكور دون الإناث لأن ذوى للمذكر . وقوله تعالى : { وأقيموا } أي : أيها المأمورون حيث كنتم شهوداً { الشهادة } التي تحملتموها بأدائها على أكمل أحوالها { لله } أي : مخلصين لوجه الملك الأعلى لا لأجل المشهود له والمشهود عليه ، ولا شيء سوى وجه الله تعالى .
وفيه حث على أداء الشهادة لما فيه من العسر على الشاهد بترك مهماته وعسر لقاء الحاكم الذي يؤدي عنده ، وربما بعد مكانه وكان للعدل في الأداء عوائق أيضاً { ذلكم } أي : الذي ذكرت لكم أيتها الأمة من هذه الأمور البديعة النظام العالية المرام ، وأولاها بذلك هذا الإشهاد وإقامة الشهادة { يوعظ } أي : يلين ويرقق { به من كان } أي : كوناً راسخاً من جميع الناس{ يؤمن بالله } أي : الذي له الكمال كله { واليوم الآخر } فإنه المحط الأعظم للترقيق ، وأما من لم يكن متصفاً بذلك فكأنه لقساوة قلبه ما وعظ به لأنه لم ينتفع به .
وقوله تعالى : { ومن يتق الله } أي : يخف الملك الأعظم فيجعل بينه وبين ما يسخطه وقاية بما يرضيه ، وهو اجتلاب ما أمر به واجتناب ما نهي عنه من الطلاق وغيره ، ظاهراً وباطناً لأن التقوى إذا انفردت في القرآن عن مقارن عمت الأمر والنهي ، وإن اقترنت بغيرها نحو إحسان أو رضوان خصت المناهي { يجعل } أي : بسبب التقوى { له مخرجاً } جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على اتقائه عما نهى عنه صريحاً أو ضمناً من الطلاق في الحيض والإضرار بالمعتدة وإخراجها من المسكن ، وتعدى حدود الله تعالى . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم «سئل عمن طلق ثلاثاً أو ألفاً هل له من مخرج فتلاها » وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والثعلبي والضحاك : هذا في الطلاق خاصة ، أي : من طلق كما أمره الله تعالى يكن له مخرج في الرجعة في العدة ، وأن يكون كأحد الخطاب بعد العدة .
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضاً : يجعل له مخرجاً ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة ، وقيل : المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه ، قاله علي بن صالح . وقال الكلبي : ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجاً من النار إلى الجنة ، وقال الحسن : مخرجاً مما نهى الله عنه ، وقال أبو العالية : مخرجاً من كل شدة ، وقال الربيع بن خيثم : مخرجاً من كل شيء ضاق على الناس ، وقال الحسين بن الفضل : ومن يتق الله في أداء الفرائض يجعل له مخرجاً من العقوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.