غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا} (2)

1

{ فإذا بلغن أجلهنّ } أي شارفن انقضاء عدتهن فأنتم بالخيار إن شئتم فالإمساك بالرجعة لا على وجه الضرار بل بالشرع والعرف ، وإن شئتم فالفراق بالمعروف كما مر في " البقرة " { وأشهدوا } على الرجعة أو الفرقة و { ذوى عدل منكم } أي من جنسكم من المسلمين قاله الحسن . وعن قتادة : من أحراركم . وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة ، وعند الشافعي واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة . وفائدة الإشهاد أن لا يقع التجاحد وأن لا يتهم في إمساكها أو يموت أحدهما فيدعي الآخر ثبوت الزوجية لأجل الميراث .

ثم حث الشهود على أن لا يشهدوا إلا لوجه الله من غير شائبة غرض أخروي أو عرض دنيوي { ذلكم } الحث على أداء الشهادة لله { يوعظ به من } هو من أهل الإيمان بالله والمعاد لأن غيره لا ينتفع به ، ويجوز أن تكون الإشارة بذلكم إلى ما مر من الإمساك أو الفراق بالمعروف لا على وجه الضرار فيكون موافقاً لما مر في " البقرة " إلا أنه وحد كاف الخطاب هنالك لأنه أكد الكلام بزيادة منكم ، وهاهنا جمع فلم يحتج إلى لفظ منكم والله تعالى أعلم بأسرار كلامه . ثم حض على التقوى في كل باب ولاسيما فيما سبق من أمر الطلاق وكأنه قال { ومن يتق الله } فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فأشهد { يجعل له مخرجاً } ومخلصاً من غموم الدنيا والآخرة ومن جملة ذلك تأيم الأزواج . { ويرزقه } من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه بدل ما أدى وبذل من المهر والحقوق . عن النبي صلى الله عليه وسلم " إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم " { ومن يتق الله } فما زال يقرؤها ويعيدها . وروي أن عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابناً له يسمى سالماً ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أسر ابني وشكا إليه الفاقة . فقال : ما أمسى عند آل محمد إلا مدّ فاتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله . ففعل ، فبينا هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفل عنها العدوّ فاستاقها فنزلت هذه الآية . قلت : قد جربت الآية في محن ومهالك فوجدت مفرجة منفسة . ومن أسرار القرآن ولطائفه أنه سبحانه حث على التقوى في هذه السورة ثلاث مرات : بقوله { ومن يتق الله } وذلك على عدد الطلقات الثلاث ، ووعد في كل مرة نوعاً من الجزاء : الأول أنه يخرجه مما دخل فيه وهو كاره ويتيح له خيراً ممن طلقها . الثاني اليسر في الأمور والموالاة في المقاصد ما دام حياً . الثالث أفضل الجزاء وهو ما يكون في الآخرة من النعماء .

/خ12