جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا} (2)

وقوله : فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنّ يقول تعالى ذكره : فإذا بلغ المطلقات اللواتي هنّ في عدة أجلهنّ وذلك حين قرب انقضاء عددهنّ فأمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ يقول : فأمسكوهنّ برجعة تراجعوهن ، إن أردتم ذلك بمعروف يقول : بما أمرك الله به من الإمساك وذلك باعطائها الحقوق التي أوجبها الله عليه لها من النفقة والكسوة والمسكن وحُسن الصحبة ، أو فارقوهنّ بمعروف ، أو اتركوهنّ حتى تنقضي عددهنّ ، فتبين منكم بمعروف ، يعني بإيفائها ما لها من حق قبله من الصداق والمتعة على ما أوجب عليها لها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن عبد الأعلى ، قال : ثني المحاربي عبد الرحمن بن محمد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قوله : فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنّ يقول : إذا انقضت عدتها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة ، أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض ، يقول : فراجع إن كنت تريد المراجعة قبل أن تنقضي العدّة بإمساك بمعروف ، والمعروف أن تحسن صحبتها أوْ تَسْريحٌ بإحْسانٍ والتسريح بإحسان : أن يدعها حتى تمضي عدتها ، ويعطيها مهرا إن كان لها عليه إذا طلقها ، فذلك التسريح بإحسان ، والمُتعة على قدر الميسرة .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : فإذَا بَلَغْنَ أجَلَهُن قال : إذا طلقها واحدة أو ثنتين ، يشاء أن يمسكها بمعروف ، أو يسرّحها بإحسان .

وقوله : وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وأشهدوا على الإمساك إن أمسكتموهنّ ، وذلك هو الرجعة ذوي عدل منكم ، وهما اللذان يرضى دينهما وأمانتهما .

وقد بيّنا فيما مضى قبل معنى العدل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وذكرنا ما قال أهل العلم فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها ، أشهد رجلين كما قال الله : وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ عند الطلاق وعند المراجعة ، فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين ، وإن لم يراجعها فإذا انقضت عدتها فقد بانت منه بواحدة ، وهي أملك بنفسها ، ثم تتزوّج من شاءت ، هو أو غيره .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ قال : على الطلاق والرجعة .

وقوله : وأقِيمُوا الشّهادَةَ لِلّهِ يقول : وأشهدوا على الحقّ إذا استشهدتم ، وأدّوها على صحة إذا أنتم دُعيتم إلى أدائها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : وأقِيمُوا الشّهادَةَ لِلّهِ قال : أشهدوا على الحقّ .

وقوله : ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّهِ واليَوْمِ الاَخِرِ يقول تعالى ذكره : هذا الذي أمرتكم به ، وعرّفتكم من أمر الطلاق ، والواجب لبعضكم على بعض عند الفراق والإمساك عظة منا لكم ، نعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر ، فيصدّق به .

وعُنِي بقوله : مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّهِ من كانت صفته الإيمان بالله ، كالذي :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّهِ وَاليَوْم الاَخِرِ قال : يؤمن به .

وقوله : وَمَنْ يَتّق اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا يقول تعالى ذكره : من يخف الله فيعمل بما أمره به ، ويجتنب ما نهاه عنه ، يجعل له من أمره مخرجا بأن يعرّفه بأن ما قضى فلا بدّ من أن يكون ، وذلك أن المطلق إذا طلّق ، كما ندبه الله إليه للعدّة ، ولم يراجعها في عدتها حتى انقضت ثم تتبعها نفسه ، جعل الله له مخرجا فيما تتبعها نفسه ، بأن جعل له السبيل إلى خطبتها ونكاحها ، ولو طلقها ثلاثا لم يكن له إلى ذلك سبيل .