الآية 2 وقوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } فيه فوائد شتى ، وأدلة متفرقة من الفقه والأحكام .
أحدها : أن الله تعالى قال : { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } والمعروف إليها في المتعارف من نوع الفعل أظهر من نوع القول ، لأنه إنما يحسن إليها استمتاعا وإنفاقا ونحو ذلك ، فذلك نوعه نوع الفعل ، فثبت أن حقيقة الإمساك بالمعروف في الأفعال . فلذلك قلنا : إنه إذا راجعها[ بالفعل يكون مراجعا ]{[21450]} .
فإن قيل : أليس قال الله تعالى : قال الله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } والإشهاد على الفعل غير صحيح ؟
فجوابه أن يقال : إن الله تعالى قال : { وأشهدوا } ومعلوم أن هذا لو كان يحضره الشهود لم يكن للإشهاد معنى ، بل إذا سمعوا ذلك صاروا شهودا شهدوا ، أو لم يشهدوا .
وإذا كان كذلك ثبت أن المعنى من هذا الإشهاد على الإمساك المتقدم ، وذلك في الأفعال مستقيم ، والله أعلم .
ووجه آخر ، وهو أن كل عهد استقام بغير شهود ، جرى فيه الأمر بالإشهاد نحو قوله : { وأشهدوا إذا تبايعتم }
[ البقرة : 282 ] وكل ما جعل فيه الشهود شرطا لقوام العقد ، جرى الذكر فيه[ لا يثبت ]{[21451]} إلا بشهود نحو قوله صلى الله عليه وسلم {[21452]} : ( ( لا نكاح إلا بشهود ) )[ نصب الراية 3/167/ ] فلما جرى الذكر في هذه الآية بالأمر بالإشهاد وبقوله تعالى : { وأشهدوا ذوى عدل منكم } ثبت أنه[ لا ]{[21453]} يستقيم من غير شهود ، والله أعلم .
ثم في قوله : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } دليل على أن المراد من الأقراء{[21454]} الحيض ، فإنه ذكر نوع هذا في كتاب الله في مواضع :
قال الله تعالى في موضع : { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } [ البقرة : 234 ] وقال في آية أخرى : { فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } [ البقرة : 232 ] وقال في هذا الموضع :
{ فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } .
ومعلوم أن المعاني بهذه الألفاظ مختلفة ، وإن اتفقت مخارجها ، واختلافها أن يكون المراد ببلوغ الأجل في أحد
النوعين على التمام وانقضاء الأجل ، والثاني على الإشراف عليه .
وأحق ما يكون في حق الإشراف على البلوغ ، هو ما يرجع إلى الأزواج ، لأنه قد كان لهم حق الإمساك قبل انقضاء الأجل ، وهم أحق بهن {[21455]} ما لم يتم بلوغ الأجل لا بعده .
وإذا ثبت أن المعنى من قوله : { فإذا بلغن أجلهن } في هذا الموضع ، هو الإشراف على البلوغ والقرب من انقضاء الأجل ، دون التمام ثبت الأقراء أنه{[21456]} الحيض ، لأنه لو كان المراد منه الأطهار لم يعرف إشراف الأجل على البلوغ ، لأنه لا نهاية لأكثر الطهر .
وأما الحيض فإنه له غاية معلومة ، لأن أيامها ، لا تخلو : إما أن تكون عشرة أو دون العشرة . فإن كانت عشرة فتعرف بالعد ، وإن كانت دون العشرة فإن دمها إذا انقطع راجعها قبل أن تغتسل ، وذلك وقت إشراف أجلها على البلوغ .
والأطهار لا يتحقق فيها المعنى الذي وصفنا ، والله أعلم .
ثم قال ههنا { فأمسكوهن بمعروف } فدل الأمر بالإمساك في الظاهر أنها ما دامت في العدة فهي على ملكه . وقال في موضع آخر : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } [ البقرة : 228 ] فدل على أنه قد وقع شيء من الزوال حتى أمره بردها ، فيكون
حجة للشافعي في أن الطلاق الرجعي يحرم الوطء .
ولكن المعنى عندنا في هذا ، والله أعلم ، أنا قد عرفنا بقوله : { أو فارقوهن بمعروف } بعد وجود الطلاق المتقدم أنه لم يرد به الفرقة للحال ، ولكن معناه : اتركوهن حتى تنقضي عدتهن ، فتفارقوهن .
فثبت أنه قد وقع شيء من شبهة الفراق بالطلاق ، وهو أن صار الفراق مستحقا لازما حال انقضاء العدة ، فيكون له عرض الوجود للحال ، فقال : { فأمسكوهن } على إبقائهن على أصل الملك ، وقال : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } [ البقرة228 ] لرفع تلك الشبهة الواقعة بالطلاق .
وهذا على سبيل ما قال تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءو فإن الله غفور رحيم } { وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } [ البقرة : 226و227 ] وكان الفيء هو الرجوع .
ومعلوم أنه لم{[21457]} بالإيلاء شيء من الفرقة ، ولكن لما كان الإيلاء موجبا للبينونة في العقبى أوجب في الحال شبهة الفرقة ، وهو : استحقاق الزوال ، فذكر الفيء لرفع تلك الشبهة ، فكان تركها منه لا يفيء إليها عزم منه على الطلاق ، فكذلك الأول .
والمعرفة إذا صنع لك إنسان صنيعة ، فعرفتها ، واستحسنتها ، فهو معروف ، وما دفعته ، وأنكرته فليس بمعروف ، أو هو الذي عرفنا الله تعالى من المراجعة والمفارقة .
ثم المعروف في الحقيقة ما تطمئن إليه القلوب ، وتسكن {[21458]} عنده الأنفس .
وقوله تعالى : { وأشهدوا ذوى عدل منكم } دل قوله تعالى : { ذوى عدل منكم } أن قد يكون منا فسّاق ، وأن الفسق لا يخرج {[21459]} ، وكذلك قوله تعالى : { ممن ترضون من الشهداء } [ البقرة : 282 ] .
فثبت أن قد يكون منا من لا يرضى ، وأن خروجه ممن يرضى لا يخرجه من الإيمان .
وقوله تعالى : { وأقيموا الشهادة لله }حين{[21460]} أضافها إلى نفسه ، هو أنه لا بد من الشهادة من نفع يقع لأحد الخصمين وضرر يرجع إلى الآخر ، فكأنه قال : لا ينظر أحد إلى رضا من تنفعه الشهادة وإلى سخط من تضره ، ولكن اجعلوها لله تعالى .
وقوله تعالى : { ذلكم يوعظ به ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر }الموعظة ، وإن كانت لمن يؤمن ، فالمعنى في هذا : ذلكم يتعظ بما { يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } كما كان المعنى من قوله تعالى : { إنما نندر من اتبع الذكر } [ يس : 11 ]أي إنما ينتفع بالإنذار من يتبع الذكر ، وكما كان في قوله : { يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به } [ البقرة : 121 ]أي ينتفعون بتلاوته ، فكذلك الأول ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { يوعظ به }أي بما أمر في ما تقدم من الآيات للعدة والنهي عن إخراجهن من البيوت والإنفاق ونحوه ، أي يأخذ بما أمر به ، ونهى عنه في هذه الآيات { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.