النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا} (2)

{ فإذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } يعني قاربْن انقضاء عدتهن .

{ فأمْسِكُوهُنَّ بمعروفٍ } يعني بالإمساك الرجعة .

وفي قوله { بمعروف } وجهان :

أحدهما : بطاعة اللَّه في الشهادة{[3006]} ، قاله مقاتل .

الثاني : أن لا يقصد الإضرار بها في المراجعة تطويلاً لعدتها .

{ أو فارِقوهنَّ بمعروفٍ } وهذا بأن لا يراجعها في العدة حتى تنقضي في منزلها .

{ وأشْهِدوا ذَوَيْ عَدْلٍ منكم } يعني على الرجعة في العدة ، فإن راجع من غير شهادة ففي صحة الرجعة قولان للفقهاء{[3007]} .

{ ومن يتّقِ اللَّهَ يَجْعَل له مَخْرَجاً } فيه سبعة أقاويل :

أحدها : أي ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة ، قاله ابن عباس .

الثاني : أن المخرج علمه بأنه من قبل اللَّه ، فإن اللَّه هو الذي يعطي ويمنع ، قاله مسروق .

الثالث : أن المخرج هو أن يقنعه اللَّه بما رزقه ، قاله عليّ بن صالح .

الرابع : مخرجاً من الباطل إلى الحق ، ومن الضيق إلى السعة ، قاله ابن جريج .

الخامس : ومن يتق اللَّه بالطلاق يكن له مخرج في الرجعة في العدة ، وأن يكون كأحد الخطاب بعد العدة ، قاله الضحاك .

والسادس : ومن يتق اللَّه بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجاً من النار إلى الجنة ، قاله الكلبي .

السابع : أن عوف بن مالك الأشجعي أُسِر ابنُه عوف{[3008]} ، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ذلك مع ضر أصابه ، فأمره أن يكثر من قول لا حول ولا قوة إلا باللَّه ، فأفلت ابنه من الأسر وركب ناقة للقوم ومر في طريقه بسرح لهم فاستاقه ، ثم قدم عوف فوقف على أبيه يناديه وقد ملأ الأقبال إبلاً{[3009]} ، فلما رآه أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره وسأله عن الإبل فقال : اصنع بها ما أحببت وما كنت صانعاً{[3010]} بمالك ، فنزلت هذه الآية { وَمَن يتق الّلَّه يجعل له مخرجاً } الآية ، فروى الحسن عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من انقطع إلى اللَّه كفاه اللَّه كل مؤونة ورزقه اللَّه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله اللَّه إليها " .


[3006]:هكذا في الأصل ولا يظهر لي معنى ذلك.
[3007]:هذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة وأكثر العلماء، وهو كقوله تعالى: وأشهدوا إذا تبايعتم. وعند الشافعي واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة، وفائدة الإشهاد إلا يقع بينهما تجاحد.
[3008]:في تفسير القرطبي: إن اسمه سالم.
[3009]:قال الكلبي: أصاب خمسين بعيرا. وقال مقاتل غنما ومتاعا. والإقبال: جمع قبل وهو سفح الجبل وملأ الإقبال إبلا كناية عن كثرتها.
[3010]:واضح أن هذه الإبل مال عدو ويجوز تملكه. وهذا الحديث أخرجه الحكم وابن مردويه وابن جرير وابن أبي حاتم ببعض اختلاف بينهم انظر أسباب النزول للسيوطي215 و216.