جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُل لّعِبَادِيَ الّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لِعبادِيَ الّذِينَ آمَنُوا بك وصدّقوا أن ما جئتهم به من عندي يُقيمُوا الصّلاةَ يقول : قل لهم : فليقيموا الصلوات الخمس المفروضة عليهم بحدودها ، ولينفقوا مما رزقناهم فخوّلناهم من فضلنا سرّا وعلانية ، فليؤدّوا ما أوجبت عليهم من الحقوق فيها سرّا وإعلانا . مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ يقول : لا يقبل فيه فدية وعوض من نفس وجب عليها عقاب الله بما كان منها من معصية ربها في الدنيا ، فيقبل منها الفدية ، وتترك فلا تعاقب . فسمى الله جلّ ثناؤه الفدية عوضا ، إذ كان أخذ عوض من معتاض منه . وقوله : وَلا خِلالٌ يقول : وليس هناك مُخالّة خليل ، فيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لمخالته ، بل هنالك العدل والقسط ، فالخلال مصدر من قول القائل : خاللت فلانا فأنا أخالّه مُخَالّة وخِلالاً ومنه قول امرىء القيس :

صرفْتُ الهَوَى عَنْهُنّ مِنْ خَشْيَةِ الرّدَى *** وَلَسْتُ بِمَقْلِيّ الخِلالِ ولا قالي وجزم قوله : يُقِيمُوا الصّلاةَ بتأويل الجزاء ومعناه الأمر ، يراد : قل لهم ليقيموا الصلاة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : قُلْ لِعِبادِيَ الّذِينَ أمَنُوا يُقِيمُوا الصّلاةَ يعني الصلوات الخمس . وَيُنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرّا وَعَلانِيَةً : يقول : زكاة أموالهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قوله : مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ قال قتادة : إن الله تبارك وتعالى قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلالاً يتخالّون بها في الدنيا ، فينظر رجل من يخالل وعلام يصاحب ، فإن كان لله فليداوم ، وإن كان لغير الله فإنها ستنقطع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

{ قل لعبادي الذين آمنوا } خصهم بالإضافة تنويها لهم وتنبيها على أنهم المقيمون لحقوق العبودية ، ومفعول { قل } محذوف يدل عليه جوابه : أي قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا . { يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم } فيكون إيذانا بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره ، وأنه كالسبب الموجب له ، ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله :

محمد تفد نفسك كل نفسٍ *** إذا ما خفت من أمرٍ تبالاَ

لدلالة قل عليه . وقيل هما جوابا أقيموا وأنفقوا مقامين مقامهما ، وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرك وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحدا . { سرّاً وعلانية } منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية ، أو على الحال أي ذوي سر وعلانية ، أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية ، والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به . { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه } فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدي به نفسه . { ولا خلال } ولا مخالة فيشفع لك خليل ، أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على النفي العام .