القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحاً جَمِيلاً } .
يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسّوهُنّ يعني من قبل أن تجامعوهنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها يعني : من إحصاء أقراء ، ولا أشهر تحصونها عليهنّ ، فمتعوهنّ يقول : أعطوهنّ ما يستمتعن به من عرض أو عين مال . وقوله : وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا جَمِيلاً يقول : وخلوا سبيلهنّ تخلية بالمعروف ، وهو التسريح الجميل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنْ تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها فهذا في الرجل يتزوّج المرأة ، ثم يطلقها من قبل أن يمسها ، فإذا طلقها واحدة بانت منه ، ولا عدّة عليها تتزوّج من شاءت ، ثم قرأ : فَمَتّعُوهُنّ وَسَرّحُوهُنّ سَرَاحا جَمِيلاً يقول : إن كان سمى لها صداقا ، فليس لها إلا النصف ، فإن لم يكن سمى لها صداقا ، متّعها على قدر عسره ويُسره ، وهو السراح الجميل .
وقال بعضهم : المتعة في هذا الموضع منسوخة بقوله : فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنات . . . إلى قوله : سَرَاحا جَمِيلاً قال : قال سعيد بن المسيب : ثم نسخ هذا الحرف المتعة وَإنْ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنَ تَمَسّوهُنّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنّ فَريضَةً فنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن المسيب ، قال : نسخت هذه الاَية يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِناتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْل أنْ تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّوَنها فَمَتّعُوهُنّ قال : نسخت هذه الاَية التي في البقرة .
{ يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } نجامعوهن ، وقرأ حمزة الكسائي بألف وضم التاء . { فما لكم عليهن من عدة } أيام يتربصن فيها بأنفسهن . { تعتدونها } تستوفون عددها من عددت الدراهم فاعتدها كقولك : كلته فاكتاله ، أو تعدونها . والإسناد إلى الرجال للدلالة على أن العدة حق الأزواج كما أشعر به فما لكم ، وعن ابن كثير " تعتدونها " مخففا على إبدال إحدى الدالية بالياء أو على أنه من الاعتداء بمعنى تعتدون فيها ، وظاهره يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة وتخصيص المؤمنات والحكم عام للتنبيه على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخييرا لنطفته ، وفائدة ثم إزاحة ما عسى أن يتوهم تراخي الطلاق ريثما تمكن الإصابة كما يؤثر في النسب يؤثر في العدة . { فمتعوهن } أي إن لم يكن مفروضا لها فإن الواجب للمفروض لها نصف المفروض دون المتعة ويجوز أن يؤول التمتيع بما يعمهما ، أو الأمر بالمشترك بين الوجوب والندب فإن المتعة سنة للمفروض لها . { وسرحوهن } أخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة . { سراحا جميلا } من غير ضرار ولا منع حق ، ولا يجوز تفسيره بالطلاق السني لأنه مرتب على الطلاق والضمير لغير المدخول بهن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.