التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

ثم حكت السورة الكريمة ما حل بهؤلاء الفجرة من عقوبات جزاء عتوهم وعنادهم فقالت : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } .

أى : فأرسلنا على هؤلاء الجاحدين عقوبة لهم الطوفان .

قال الآلوسى : أى : ما طاف بهم ، وغشى أماكنهم وحروثهم من مطر وسيل ، فهو اسم جنس من الطواف . وقد اشتهر في طوفان الماء ، وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس وجاء عن عطاء ومجاهد تفسيره بالموت ، وفسره بعضهم بالطاعون وكانوا أول من عذبوا به " .

وأرسلنا عليهم { الْجَرَادَ } فأكل زروعهم وثمارهم وأعشابهم ، حتى ترك أرضهم سوداء قاحلة .

وأرسلنا عليهم { القمل } وهو ضرب معروف من الحشرات المؤذية ، وقيل : هو السوس الذي أكل حبوبهم وما اشتملت عليه بيوتهم .

وأرسلنا عليهم { الضفادع } فصعدت من الأنهار والخلجان والمنابع فغطت الأرض وضايقتهم في معاشهم ومنامهم .

وأرسلنا عليهم { الدم } فصارت مياه الأنهار مختلطة به ، فمات السمك فيها ، وقيل المراد بالدم الرعاف الذي كان يسيل من أنوفهم .

تلك هى النقم التي أنزلها الله - تعالى - على هؤلاء المجرمين ، بسبب فسوقهم عن أمر ربهم ، وتكذيبهم لنبيهم - عليه السلام - .

وقوله : { آيَاتٍ } حال من العقوبات الخمس المتقدمة .

وقوله : { مّفَصَّلاَتٍ } أى : مبينات واضحات لا يشك عاقل في كونها آيات إلهية لا مدخل فيها للسحر كما يزعمون .

وقيل { مّفَصَّلاَتٍ } أى : مميزا بعضها عن بعض ، منفصلة بالزمان لامتحان أحوالهم . وكان بين كل اثنين منها شهر ، وكان امتداد كل واحدة منها شهرا ، كما أخرج ذلك ابن المنذر عن ابن عباس .

ثم وضحت الآية في نهايتها موقفهم من هذا الابتلاء وتلك العقوبات فقالت :

{ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } أى فاستكبروا عن الإيمان بموسى - عليه السلام - وعما جاء به من معجزات ، وكانوا قوما طبيعتهم الاجرام ودينهم الكفر والفسوق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

وقوله تعالى : { فأرسلنا عليهم الطوفان } الآية ، قال الأخفش { الطوفان } :جمع طوفانة وهذه عقوبات وأنواع من العذاب بعثها الله عليهم ليزدجروا وينيبوا ، و { الطوفان } مصدر من قولك طاف يطوف فهو عام في كل شيء يطوف إلا أن استعمال العرب له كثر في الماء والمطر الشديد ، ومنه قول الشاعر : [ الرمل ]

غير الجدة من عرفانه*** خرق الريح وطوفان المطر

ومنه قول أبي النجم : [ الرجز ]

ومد طوفان فبث مددا*** شهراً شآبيب وشهراً بردا

وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إن { الطوفان } في هذه الآية المطر الشديد أصابهم وتوالى عليهم حتى هدم بيوتهم وضيق عليهم ، وقيل طم فيض النيل عليهم وروي في كيفيته قصص كثير ، وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن { الطوفان } المراد في هذه الآية هو الموت ، وقال ابن عباس في بعض ما روي عنه هو مصدر معمى عني به شيء أطافه الله بهم ، و { الجراد } معروف ، قال الأخفش هو جمع جرادة للمذكر والمؤنث فإن أردت الفصل قلت رأيت جرادة ذكراً ، وروي : أن الله عز وجل لما والى عليهم المطر غرقت أرضهم ومنعوا الزراعة ، فقالوا : يا موسى ادع في كشف هذا عنا نحن نؤمن ، فدعا فدفعه الله عنهم فأنبتت الأرض إنباتاً حسناً فطغوا وقالوا ما نود أنا لم نمطر وما هذا الإحسان من الله إلينا ، فبعث الله حينئذ الجراد فأكل جميع ما أنبتت الأرض ، وروى ابن وهب عن مالك أنه روي أنه أكل أبوابهم وأكل الحديد والمسامير وضيق عليهم غاية التضييق وترك الله من نباتهم ما يقوم به الرمق فقالوا لموسى ادع في كشف الجراد ونحن نؤمن ، فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم ورأوا أن ما أقام رمقهم قد كفاهم ، فبعث الله عليهم القمل وهي الَّدبى صغار الجراد الذي يثب ولا يطير قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وقيل هو الحمنان وهو صغار القردان وقيل هو البراغيث وقال ابن عباس { القمل } السوس الذي يخرج من الحنطة ، وقيل { القمل } الزرع إنه حيوان صغير جداً أسود وإنه بأرض مصر حتى الآن ، قال حبيب بن أبي ثابت : { القمل } الجعلان ، وقرأ الحسن «القَمْل » بفتح القاف وسكون الميم فهي على هذا بينة القمل المعروف ، وروي أن موسى مشى بعصاه إلى كثيب أهيل فضربه فانتشر كله قملاً في مصر ، ثم إنهم قالوا ادع في كشف هذا فدعا ورجعوا إلى طغيانهم وكفرهم ، وبعث الله عليهم الضفادع فكانت تدخل في فرشهم وبين ثيابهم وإذا هم الرجل أن يتكلم وثب الضفدع في فمه ، قال ابن جبير : كان الرجل يجلس إلى دقنه في الضفادع ، وقال ابن عباس : كانت الضفادع برية فلما أرسلت على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء .

فقالوا : ادع في كشف هذا فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم وعتوهم فبعث الله عليهم الدم فرجع ماؤهم الذي يستقونه ويحصل عندهم دماً ، فروي أن الرجل منهم كان يستقي من البئر فإذا ارتفع إليه الدلو عاد دماً ، وروي أنه كان يستقي القبطي والإسرائيلي بإناء واحد فإذا خرج الماء كان الذي يلي القبطي دماً والذي يلي الإسرائيلي ماء إلى نحو هذا وشبهه من العذاب بالدم المنقلب عن الماء ، هذا قول جماعة المتأولين ، وقال زيد بن أسلم : إنما سلط الله عليهم الرعاف فهذا معنى قوله والدم .

وقوله تعالى : { آيات مفصلات } التفصيل أصله في الأجرام إزالة الاتصال ، فهو تفريق شيئين ، فإذا استعمل في المعاني فيراد أنه فرق بينها وأزيل اشتراكها وإشكالها ، فيجيء من ذلك بيانها وقالت فرقة من المفسرين : { مفصلات } يراد به مفرقات بالزمن ، والمعنى أنه كان العذاب يرتفع ثم يبقون مدة شهر ، وقيل ثمانية أيام ثم يرد الآخر ، فالمراد أن هذه الأنواع من العذاب لم تجىء جملة ولا متصلة ، ثم وصفهم الله عز وجل بالاستكبار عن الآيات والإيمان ، وأنهم كان لهم اجترام على الله تعالى وعلى عباده .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

الفاء في قوله : { فأرسلنا } لتفريع إصابتهم بهذه المصائب على عتوهم وعنادهم .

والإرسال : حقيقته توجيه رسول أو رسالة فيعدى إلى المفعول الثاني ( بإلى ) ويضمّن معنى الإرسال من فوق ، فيعدى إلى المفعول الثاني ( بعَلى ) ، قال تعالى : { وأرسل عليهم طيراً أبابيل } [ الفيل : 3 ] ، { وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [ الذاريات : 41 ] فحرف ( على ) دل على أن جملة أرسلنا مفرعة تفريع العقاب لا تفريغ زيادة الآيات .

والطوفان : السَيْح الغالب من الماء الذي يغمر جهات كثيرة ويطغى على المنازل والمزارع ، قيل هو مشتق من الطواف لأن الماء يطوف بالمنازل ، أي : تتكرر جريته حولها ، ولم يدخل الطوفان الأرض التي كان بها بنو إسرائيل وهي أرض ( جاسان ) .

والجراد : الحشرة الطائرة من فصيلة الصرصر والخنافس له أجنحة ستة ذات ألوان صفر وحمر تنتشر عند طيرانه ، يكون جنوداً كثيرة يسمى الجند منها رِجْلا . وهو مهلك للزرع والشجر ، يأكل الورق والسنبل ووَرَق الشجر وقشره ، فهو من أسباب القحط . أصاب أرض قوم فرعون ولم يصب أرض بني إسرائيل .

والقُمّلُ : بضم القاف وتشديد الميم المفتوحة في القراءات المشهورة اسم نوع من القراد عظيم يسمى الحُمْنان بضم الحاء المهملة وميم ساكنة ونونين واحدته حمنانة وهو يمتص دم الإنسان ( وهو غير القَمْل بفتح القاف وسكون الميم الذي هو من الحشرات الدقيقة التي تكون في شعر الرأس وفي جلد الجسد يتكون من تعفن الجلد لوسخه ودسومته ومن تعفن جلد الرأس كثيراً ) ، أصاب القبط جند كثير من الحمنان عسر الاحتراز عنه ولعله أصاب مواشيَهم .

والضفادع : جمع ضَفْدَع وهو حيوان يمشي على أرجل أربع ويسحب بطنه على الأرض ويسبح في المياه ، ويكون في الغدران ومناقع المياه ، صوته مثل القراقر يسمى نقيقاً ، أصابهم جند كثير منه يقع في طعامهم يرتمي إلى القدور ، ويقع في العيون والأسقية وفي البيوت فيفسد ما يقع فيه وتطؤه أرْجُل الناس فتتقذر به البيوت ، وقد سلمت منه بلاد ( جاسان ) منزل بني إسرائيل .

والدم معروف ، قيل : أصابهم رعاف متفش فيهم ، وقيل : صارت مياه القبط كالدم في اللون ، كما في التوراة ، ولعل ذلك من حدوث دود أحمر في الماء فشبه الماء بالدم ، وسلمت مياه ( جاسان ) قرية بني إسرائيل .

وسمى الله هاته { آيات } لأنها دلائل على صدق موسى لاقترانها بالتحدي ، ولأنها دلائل على غضب الله عليهم لتظافرها عليهم حين صمموا الكفر والعناد .

وانتصب { آيات } على الحال من الطوفان وما عطف عليه ، و { مفصّلات } اسم مفعول من فصّل المضاعف الدال على قوة الفصل . والفصل حقيقته التفرقة بين الشيئين بحيث لا يختلط أحدهما بالآخر ، ويستعار الفصل لإزالة اللبس والاختلاط في المعاني ف { مفصلات } وصف ل { آيات } ، فيكون مراداً منه معنى الفصل المجازي وهو إزالة اللبس ، لأن ذلك هو الأنسب بالآيات والدلائل ، أي : هي آيات لا شبهة في كونها كذلك لمن نَظر نَظر اعتبار .

وقيل : المراد أنها مفصول بعضها عن بعض في الزمان ، أي لم تحدث كلها في وقت واحد ، بل حدث بعضها بعد بعض ، وعلى هذا فصيغة التفعيل للدلالة على تراخي المدة بين الواحدة والأخرى ، ويجيء على هذا أن العذاب كان أشد وأطول زمناً كما دل عليه قوله تعالى : { وما نريهم من آية إلاّ هي أكبر من أختها } [ الزخرف : 48 ] ، قيل : كان بين الآية منها والأخرى مدة شهر أو مدة ثمانية أيام ، وكانت تدوم الواحدة منها مدة ثمانية أيام وأكثر ، وعلى هذا الوجه فالأنسب أن يجعل { مفصلات } حالاً ثانية من الطوفان والجراد ، وأن لا يجعل صفة { آيات } .

والفاء في قوله : { فاستكبروا } للتفريع والترتب ، أي : فتفرع على إرسال الطوفان وما بعده استكبارهم ، كما تفرع على أخذهم بالسنين غرورُهم بأن ذلك من شؤم موسى ومن معه ، فعُلم أن من طبع تفكيرهم فسادَ الوضع ، وهو انتزاع المدلولات من أضداد أدلتها ، وذلك دليل على انغماسهم في الضلالة والخذلان ، وبعدهم عن السعادة والتوفيق ، فلا يزالون مورطين في وحل الشقاوة .

فالاستكبار : شدة التكبر كما دلت عليه السين والتاء ، أي : عدَ أنفسهم كبراء ، أي تعاظمهم عن التصديق بموسى وإبطال دينهم إذ أعرضوا عن التصديق بتلك الآيات المفصلات .

وجملة : { وكانوا قوماً مجرمين } معطوفة على جملة { فاستكبروا } ، فالمعنى : فاستكبروا عن الاعتراف بدلالة تلك الآيات وأجرموا ، وإنما صيغ الخبر عن إجرامهم بصيغة الجملة الاسمية للدلالة على ثبات وصف الإجرام فيهم ، وتمكنه منهم ، ورسوخه فيهم من قبل حدوث الاستكبار ، وفي ذلك تنبيه على أن وصف الإجرام الراسخ فيهم هو علة للاستكبار الصادر منهم ، ف ( كان ) دالةٌ على استمرار الخبر وهو وصف الإجرام . والإجرام : فعل الجرم وقد تقدم عند قوله تعالى : { وكذلك نجزي المجرمين } في هذه السورة ( 40 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فأرسلنا}، فلما قالوا ذلك أرسل الله {عليهم} السنين، ونقص من الثمرات، والنبات و {الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات}، يعني بائنات بعضها من بعض {فاستكبروا}، يعني فتكبروا عن الإيمان، {وكانوا قوما مجرمين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في معنى الطوفان، فقال بعضهم: هو الماء... فأرسل الله عليهم السماء... عن ابن عباس، قال: الطوفان: الغرق...

وقال آخرون: بل هو الموت... قال مجاهد: الموت على كلّ حال...

وقال آخرون: بل ذلك كان أمرا من الله طاف بهم... وقال بعضهم: هو كثرة المطر والريح...

والصواب من القول في ذلك عندي...أنه أمر من الله طاف بهم... وإذا كان ذلك كذلك، جاز أن يكون الذي طاف بهم المطر الشديد، وجاز أن يكون الموت الذريع... وأما "القُمّل"، فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: هو السوس الذي يخرج من الحنطة...

وقال آخرون: بل هو الدّبَى، وهو صغار الجراد الذي لا أجنحة له... وقال آخرون: بل القمل: البراغيث...

وقال بعضهم: هي دوابّ سود صغار... وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن "القمل"، عند العرب: الحَمْنان، والحمنان ضرب من القِرْدان واحدتها: "حَمْنانة"، فوق القَمقامة. و "القمَّل" جمع، واحدتها "قملة"، وهي دابة تشبه القَمْل تأكلها الإبل فيما بلغني...

وأما قوله: "آياتٍ مُفَصّلاتٍ" فإن معناه: علامات ودلالات على صحة نبوّة موسى، وحقية ما دعاهم إليه "مفصلات"، قد فُصِل بينها، فجعل بعضها يتلو بعضا، وبعضها في إثر بعض...

عن ابن عباس، قال: فكانت آيات مفصلات بعضها في إثر بعض، ليكون لله الحجة عليهم، فأخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم في اليم.

قال ابن إسحاق: آياتٍ مُفَصّلاتٍ: أي آية بعد آية يتبع بعضها بعضا.

وكان مجاهد يقول... «آيات مفصلات»، قال: معلومات.

"فاسْتَكْبَرُوا وكانُوا قَوْما مُجْرِمِينَ".

يقول تعالى ذكره: فاستكبر هؤلاء الذين أرسل الله عليهم ما ذكر في هذه الآيات من الآيات والحجج عن الإيمان بالله، وتصديق رسوله موسى صلى الله عليه وسلم، واتباعه على ما دعاهم إليه، وتعظموا على الله وعتوا عليه وكانُوا قَوْما مُجْرِمِينَ يقول: كانوا قوما يعملون بما يكرهه الله من المعاصي والفسق عتوّا وتمرّدا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وقيل: {مفصّلات} أي بينات واضحات ما علم كل أحد أنها ليست من أحد، وليست من عمل السحر، ولكن آيات سماوية؛ فلو كانت سحرا لتكلّفوا في دفعه، واشتغلوا بالسحر على ما اشتغلوا بسحر العصا والحبال. فإذا لم يتكلّفوا في ذلك لم يشتغلوا بدفع ذلك، بل فزعوا إلى موسى ليكشف ذلك عنهم، ووعدوا له الإيمان به وإرسال بني إسرائيل معه...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

قوله "فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين "معناه إنهم مع مشاهدتهم لهذه الآيات العظيمة والمعجزات الظاهرة، أنفوا من الحق وتكبروا عن الاذعان والانقياد له، وكانوا قوما عصاة مرتكبين للإجرام والآثام.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

جَنَّسَ عليهم العقوباتِ لمَّا نوَّعُوا وجَنَّسوا فنونَ المخالفات، فلا إلى التكفير عادوا، ولا إلى التطهير تصدوا، وعوقبوا بِصَرْفِ قلوبهم عن شهود الحقائق وذلك أبلغُ مما اتصل بظواهرهم من فنون البلايا...

ونعوذُ بالله من السقوط عن عين الله.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

.. الأكثرون على أن هذا الطوفان هو المطر الكثير على ما رويناه عن ابن عباس.. وأما قوله تعالى: {آيات مفصلات} ففيه وجوه: أحدها: {مفصلات} أي مبينات ظاهرات لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره، وثانيها: {مفصلات} أي فصل بين بعضها وبعض بزمان يمتحن فيه أحوالهم وينظر أيقبلون الحجة والدليل أو يستمرون على الخلاف والتقليد..

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{آيات مفصلات} على الحال والذي دلّت عليه الآية أنه أرسل عليهم ما ذكر فيها وأما كيفية الإرسال ومكث ما أرسل عليهم من الأزمان والهيئات فمرجعه إلى النّقل عن الأخبار الإسرائيليات إذ لم يثبت من ذلك في الحديث النبوي شيء...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما بارزوا بهذه العظيمة، استحقوا النكال فسبب عن ذلك قوله: {فأرسلنا عليهم} أي عذاباً لهم -لما يفهمه حرف الاستعلاء {الطوفان} أي الرعد والبرق والنار مع المطر والبرد الكُبار الذي يقتل البقر فما دونها، والظلمة والريح الشديدة التي عمت أرضهم وطافت بها؛ ولما كان ذلك ربما أخصبت به الأرض، أخبر أنه أرسل ما يفسد ذلك فقال: {والجراد}. ولما كان الجراد ربما طار وقد أبقى شيئاً، أخبر بما يستمر لازقاً في الأرض حتى لا يدع بها شيئاً فقال: {والقمل}... ولما كان ربما كان عندهم شيء مخزوناً لم يصل إليه ذلك، أخبر بما يسقط نفسه في الأكل فيفسده أو ينقصه فقال: {والضفادع} فإنها عمت جميع أماكنهم... ولما تم ما يضر بالمأكل، أتبعه ما أفسد المشرب فقال: {والدم} فإن مياههم انقلبت كلها دماً منتناً... ولما ذكر تعالى هذه الآيات العظيمة، نبه على عظمتها بذكر حالها فقال: {آيات} أي علامات على صدقه عظميات {مفصلات} أي يتبع بعضها بعضاً، وبين كل واحدة وأختها حين يختبرون فيه مع أن مغايرة كل واحدة لأختها في غاية الظهور، وكذا العلم بأنها من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره. ولما كانت حقيقة بأن يتسبب عنها الإيمان عند سلامة القلب، سبب عنها قوله: {فاستكبروا} مبيناً أن الذي منعهم من الإيمان مرض القلب بالكبر والطغيان {وكانوا قوماً مجرمين} أي في جبلتهم قطع ما ينبغي وصله مع قوتهم على ما يحاولونه...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

.. أي فأنزلنا عليهم هذه المصائب والنكبات حال كونها آيات بينات على صدق رسالة عبدنا موسى، بأن توعدهم بها قبل وقوع كل واحدة منها تفصيلا لا إجمالا، لتكون دلالتها على صدقه واضحة لا تحتمل التأويل بأنها وقعت بأسباب لها لا دخل لرسالته فيها – فاستكبروا عن الإيمان به استكبارا، مع اعتقاد صحة رسالته وصدق دعوته باطنا، وكانوا قوما راسخين في الإجرام والذنوب مصرين عليها فلا يهون عليهم تركها.

جاء في سورة الإسراء – أو بني إسرائيل- أن الله تعالى أعطى موسى تسع آيات بينات وقد عد هنا منها خمسا وهي مذكورة في التوراة على غير هذا الترتيب وهو غير مراد وعطف بعضها على بعض بالواو لا يقتضيه...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وأرسلنا: بمعنى أنزلنا قاصدين كأن هذه مرسلة من عندنا وبعد البلاء في زرعهم وحرثهم ونسلهم كان البلاء في أجسامهم والاستكبار عن الحق سبيل الضلال والوقوع في الذل، وقوله تعالى: {وكانوا قوما مجرمين} فيه تسجيل الإجرام والعتو، عليهم، وقد أكد – سبحانه وتعالى – إجرامهم واستمرارهم على الإجرام، وسيطرة الأخلاق الفرعونية عليهم، وإنها فساد كلها، يصيب النفس، فلا تنخلع منه، والنوازل تصيب نفوسهم، ولا تصل إلى أعماقها ولا تجتث الشر منها، ككل من امتلأت نفوسهم بالشر، فإنه يكون لونا من ألوانها لا تمحوه عظة ولا يدفعه بلاء.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

فهذه جملة المصائب التي نزلت بفرعون وقومه على التتابع والتوالي دون أن يتوبوا من شركهم وكفرهم، ولا أن يتراجعوا عن عتوهم وكبرهم، ثم جاءت القاصمة – قاصمة ظهر فرعون وقومه – فأغرق الله فرعون وجنده، ونصر عبده، وهذه المصائب لا تزال تنزل بمختلف الأمم حتى الآن، ولا يحمي منها إلا التقوى والاستقامة والإيمان.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والآيات المفصلات.. هي عجائب؛ كل منها عجيبة يسلطها الله على مَن يريد إذلاله، ويبتلي الله بها نوعا من الناس ولا يبتلي بها قوما آخرين.فماذا كان موقفهم من الآيات والعجائب؟ نجد الحق يذيل الآية: {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}. إنهم لم يؤمنوا، بل تكبروا وأجرموا في حق أنفسهم وقطعوا ما بينهم وبين الإيمان.