التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

ثم بين - سبحانه - جانبا مما اقتضته فى تدبير أمور عباده فقال : { وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } .

والبغى : تجاوز الحد فى كل شئ يقال : بغى الجرح ، إذا أظهر ما بداخله من دم أو غيره .

وبغى القوم ، إذا تجاوزوا حدودهم فى العدوان على غيرهم .

أى : ولو بسط الله - تعالى - الرزق لعباده ، بأن وسعه عليهم جميعا توسعة فوق حاجتهم ، { لَبَغَوْاْ فِي الأرض } أى : لتجاوزوا حدودهم ، ولتكبروا فيها ، ولطغوا وعتوا وتركوا الشكر لنا ، وقالوا ما قاله قارون : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي } وقوله : { ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } بيان لما اقتضته حكمته - تعالى - أى : أن حكمته - تعالى - قد اقتضت عدم التوسعة فى الرزق لجميع عباده ، لأن هذه التوسعة تحملهم على التكبر والغرور والبطر ، لذا أنزل الله - تعالى - لهم الرزق بتقدير محدد اقتضته حكمته ومشيئته ، كما قال - سبحانه - : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } وقوله - تعالى - : { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } تعليل لتنزيله الرزق على عباده بتقدير وتحديد دقيق .

أى : فعل ما فعل - سبحانه - من إنزال الرزق على عباده بقدر ، لأنه - تعالى - خبير بخفايا أحوال عباده ، وبطوايا نفوسهم ، بصير بما يقولونه وبما يفعلونه .

قال صاحب الكشاف : أى أنه - تعالى - يعلم ما يؤول إليه حالهم ، فيقدر لهم ما هو أصلح لهم ، واقرب إلى جمع شملهم ، فيفقر ويغنى ، ويمنع ويعطى ، ويقبض ويبسط ، كما توجبه الحكمة الربانية ، ولو أغناهم جميعا لبغوا ، ولو أفقرهم لهكلوا .

ولا شبهة فى أن البغى مع الفقر أقل ، ومع البسط أكثر وأغلب ، وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغى والإِحجام عنه ، فلو عم البسط ، لغلب البغى حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما هو عليه الآن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

{ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } لتكبروا وأفسدوا فيها بطرا ، أو لبغى بعضهم على بعض استيلاء واستعلاء وهذا على الغالب ، وأصل البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى كمية أو كيفية . { ولكن ينزل بقدر } بتقدير . { ما يشاء } كما اقتضته مشيئته .

{ إنه بعباده خبير بصير } يعلم خفايا أمرهم وجلايا حالهم فيقدر لهم ما يناسب شأنهم روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت . وقيل في العرب كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا انتجعوا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

وقوله تعالى : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } قال عمرو بن حريث{[10143]} وغيره إنها نزلت لأن قوماً من أهل الصفة طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغنيهم الله ويبسط لهم الأموال والأرزاق ، فأعلمهم الله تعالى أنه لو جاء الرزق على اختيار البشر واقتراحهم لكان سبب بغيهم وإفسادهم ، ولكنه تعالى أعلم بالمصلحة في كل أحد ، وله بعبيده خبرة وبصر بأخلاقهم ومصالحهم ، فهو ينزل لهم من الرزق القدر الذي به صلاحهم ، فرب إنسان لا يصلح وتكتف عاديته إلا بالفقر ، وآخر بالغنى . وروى أنس بن مالك في هذا المعنى والتقسيم حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال أنس : اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى ، فلا تفقرني{[10144]} . وقال خباب بن الأرتّ : فينا نزلت : { ولو بسط الله الرزق } الآية ، لأنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع فتمنيناها{[10145]} فنزلت الآية .


[10143]:هو عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشي، المخزومي، صحابي صغير، قال عنه الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني: (مات سنة خمس وثمانين). (تقريب التهذيب).
[10144]:ذكره ابن كثير في تفسيره دون ذكر الراوي، وذكره القرطبي بأطول من هذا، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى، قال: (من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وإني لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي، وإني لأغضب لهم كما يغضب الليث الحرد، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره إساءته، ولابد له منه، وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه، وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ومؤيدا، فإن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته، وإن من عبادي المؤمنين من يسألني الباب من العبادة وإني عليم أن لو أعطيته إياه لدخله العجب فأفسده، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده الفقر، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده الغنى، وإني لأدبر عبادي بقلوبهم فإني عليم خبير)، ثم قال أنس: (اللهم إني من عبادك المؤمنين الذين لا يصلحهم إلا الغنى فلا تفقرني برحمتك). وقد روى الجزء الأول من هذا الحديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الرقاق، واحمد في مسنده 6- 256 عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وتنتهي روايتهما عند قوله: (وأنا أكره إساءته)، وإن كان اللفظ فيهما: (أكره مساءته).
[10145]:ذكر الواحدي في "أسباب النزول" هذا السبب عن خباب بن الأرت بدون سند، وذكره أيضا كل من الخازن والبغوي في تفسيرهما عن خباب بدون سند أيضا، وروى ابن جرير عن عمرو بن حريث أنه قال: (يقولون: إنما نزلت في أهل الصُّفة).وخباب رضي الله عنه صحابي جليل، من السابقين إلى الإسلام، عذب في الله فكان من الصابرين، ومات بالكوفة سنة سبع وثلاثين.