الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (115)

{ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } نزلت في طعمة بن الأبرق أيضاً وذلك إنه لما نزل القرآن فيه وعلم قومه إنه ظالم وخاف هو على نفسه من القطع والفضيحة ، هرب إلى مكة فأنزل الله فيه { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ } أي يخالف ( من بعد ما تبين له الهدى ) أي التوحيد بحدوده { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } يقول غير دين المؤمنين دين أهل مكة عبادة الاوثان { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } نكله وما أدخره إلى ما تولى في الدنيا { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } فلم ينتهِ طعمة ولم يراجع وتعمد فأدلج على الرجل من بني سليم من أهل مكة فقال له الحجاج : كف أخلاط فنقب بيته فسقط عليه حجر من البيت فتسبب فيه فلم يستطع أن يدخل فقال رجّحني بمعنى أصبح فأخذ [ يتفل ] ، فقال بعضهم : دعوه فإنه لجأ إليكم ، فتركوه وأخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام فرد فراراً منهم فسرق بعض بضاعتهم وهرب فطلبوه وأخذوه فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فصار قبره تلك الاحجار ويقال انه ركب البحر إلى جدّة فسرق من السفينة كيساً فيه دنانير فأمسكوا به فأخذ وأُلقي في البحر ، ويقال إنه نزل في حرة بني سليم وكان يعبد صنماً لهم إلى إن مات ، فأنزل الله فيه { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } فنزل فيه

{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } [ المائدة : 38 ] الآية . جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ } : نزلت هذه الآية في نفر من قريش ، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ودخلوا في الإسلام ، فأعطاهم رسول الله ثم انقلبوا إلى مكة مرتدين ورجعوا إلى عبادة الاوثان ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ) أي يفارق الرسول ، ويعاديه ويحاربه ( مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } يعني من بعد ماوضح له إن محمد عبده ورسوله { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } أي غير طريق المسلمين { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } أي نكله إلى الأصنام يوم القيامة ، وهي لا تملك ضراً ولانفعاً ولا ينجيهم من عذاب الله ونصله جهنم بعبادة الأصنام .

{ وَسَآءَتْ مَصِيراً } يعني بئس المنزل حلوا به يوم القيامة .