فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا} (115)

{ وَمَن يُشَاقِقِ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى } المشاققة : المعاداة والمخالفة . وتبين الهدى ظهوره ، بأن يعلم صحة الرسالة بالبراهين الدالة على ذلك ، ثم يفعل المشاققة { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين } أي : غير طريقهم ، وهو ما هم عليه من دين الإسلام والتمسك بأحكامه . { نُوَلّهِ مَا تولى } أي : نجعله والياً لما تولاه من الضلال { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } قرأ عاصم وحمزة ، وأبو عمرو : «نُوَلّهِ وَنُصْلِهِ » بسكون الهاء في الموضعين . وقرأ الباقون بكسرهما ، وهما لغتان ، وقرئ ونصله بفتح النون من صلاه ، وقد تقدّم بيان ذلك . وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على حجية الإجماع لقوله : { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين } ولا حجة في ذلك عندي ؛ لأن المراد بغير سبيل المؤمنين هنا : هو الخروج من دين الإسلام إلى غيره ، كما يفيده اللفظ ويشهد به السبب ، فلا تصدق على عالم من علماء هذه الملة الإسلامية اجتهد في بعض مسائل دين الإسلام ، فأدّاه اجتهاده إلى مخالفة من بعصره من المجتهدين ، فإنه إنما رام السلوك في سبيل المؤمنين ، وهو الدين القويم والملة الحنيفية ، ولم يتبع غير سبيلهم .

/خ115