ثم أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يداوم على استغفاره وطاعته لله - تعالى - وأن يأمر اتباعه بالاقتداء به فى ذلك فقال : { فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ الله } .
والفاء فى قوله : { فاعلم } للإِفصاح عن جواب شرط معلوم مما مر من آيات .
والتقدير : إذا تبين لك ما سقناه عن حال السعداء والأشقياء ، فاعلم أنه لا إله إلا الله ، واثبت على هذا العلم ، واعمل بمقتضاه ، واستمر على هذا العمل { واستغفر لِذَنبِكَ } أى : واستغفر الله - تعالى - من أن يقع منك ذنب ، واعتصم بحبله لكى يعصمك من كل مالا يرضيه . واستغفر - أيضا { وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات } بأن تدعو لهم بالرحمة والمغفرة { والله } - تعالى - بعد كل ذلك { يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } أى : يعلم كل متقلب وكل إقامة لكم سواء أكانت فى بر أم فى بحر أم فى غيرهما .
والمقصود : أنه - تعالى - يعلم جميع أحوالكم ولا يخفى عليه شئ منها ، والمتقلب : المتصرف ، من التقلب وهو التصرف والانتقال من مكان إلى آخر . والمثوى : المسكن الذى يأوى إليه الإِنسان ، ويقيم به .
قال الإِمام ابن كثير : وقوله : { فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ الله } هذا إخبار بأنه لا إله إلا الله ، ولا يتأتى كونه آمرا بعلم ذلك ، ولهذا عطف عليه بقوله : { واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات } .
وفى الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم اغفر لى خطيئتى وجهلى ، وإسرافى فى أمرى ، وما أنت أعلم به منى . اللهم اغفر لى هزلى وجدى ، وخطئى وعمدى ، وكل ذلك عندى " .
وفى الصحيح أنه كان يقول فى آخر الصلاة : " اللهم اغفر لى ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما اسرفت . وما أنت أعلم به منى ، أنت إلهى لا إله إلا أنت " .
وفى الصحيح أنه قال : " يأيها الناس . توبوا إلى ربكم فإن أستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة " .
ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة : وجوب المداومة على استغفار الله - تعالى - والتوبة إليه توبة صادقة نصوحا .
لأنه إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الذى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر - قد أمره - سبحانه - بالاستغفار ، فأولى بغيره أن يواظب على ذلك ، لأن الاستغفار بجانب أنه ذكر لله - تعالى - فهو - أيضا شكر له - سبحانه - على نعمه .
وقد تسوع الإِمام فى الحديث عن معنى قوله - تعالى - : { واستغفر لِذَنبِكَ . . } فارجع إليه إن شئت .
وقوله : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ } هذا إخبار : بأنه لا إله إلا الله ، ولا يتأتى{[26667]} كونه آمرا بعلم ذلك ؛ ولهذا عطف عليه بقوله : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي هَزْلي وجدّي ، وخَطَئي وعَمْدي ، وكل ذلك عندي " {[26668]} . وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة : " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت إلهي لا إله إلا أنت " {[26669]} وفي الصحيح أنه قال : " يا أيها الناس ، توبوا إلى ربكم ، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " {[26670]}
وقال {[26671]} الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال : سمعت {[26672]} عبد الله بن سرجس قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلت معه من طعامه ، فقلت : غفر الله لك يا رسول الله فقلت : استغفر لك{[26673]} ؟ فقال : " نعم ، ولكم " ، وقرأ : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } ، ثم نظرت إلى نُغْض كتفه الأيمن - أو : كتفه الأيسر شعبة الذي شك - فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل .
رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي{[26674]} ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طرق ، عن عاصم الأحول ، به{[26675]} .
وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو يعلى : حدثنا مُحَرَّز بن عون{[26676]} ، حدثنا عثمان بن مطر ، حدثنا عبد الغفور ، عن أبي نَصِيرَة ، عن أبي رجاء ، عن أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما ، فإن إبليس قال : أهلكت {[26677]} الناس بالذنوب ، وأهلكوني ب " لا إله إلا الله " ، والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ، فهم يحسبون أنهم مهتدون " {[26678]} .
وفي الأثر المروي : " قال إبليس : وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم . فقال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني " {[26679]}
والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جدا .
وقوله : { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } أي : يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم ، كقوله : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ } [ الأنعام : 60 ] ، وكقوله : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود : 6 ] . وهذا القول ذهب إليه ابن جريج ، وهو اختيار ابن جرير . وعن ابن عباس : متقلبكم في الدنيا ، ومثواكم في الآخرة .
وقوله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله } الآية إضراب عن أمر هؤلاء المنافقين وذكر الأهم ، والمعنى : دم على علمك ، وهذا هو القانون في كل أمر بشيء هو متلبس به ، وهذا خطاب للنبي عليه السلام ، وكل واحد من الأمة داخل معه فيه . واحتج بهذه الآية من قال من أهل السنة : إن العلم والنظر قبل القول ، والإقرار في مسألة أول الواجبات . وبوب البخاري رحمه الله العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى : { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } الآية ، وواجب على كل مؤمن أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من لم يكن عنده ما يتصدق به فليستغفر للمؤمنين والمؤمنات فإنها صدقة ){[10368]} . وقال الطبري وغيره : { متقلبكم } تصرفكم في يقظتكم . { ومثواكم } منامكم . وقال ابن عباس : { متقلبكم } تصرفكم في حياتكم الدنيا . { ومثواكم } في قبوركم وفي آخرتكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.