التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (185)

وقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان } كلام مستأنف لبيان تلك الأيام المعدودات التي كتب علينا الصوم فيها وأنها أيام شهر رمضان الذي يستحق كل مدح وثناء لتشرفه بنزول الكتب السماوية فيه .

قال الإِمام ابن كثير : يمدح - تعالى - شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم ، فقد ورد في الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإِلهية تنزل فيه على الأنبياء . فعن وائلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإِنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " .

و { الشَّهْرَ } مأخوذ من الشهرة ، يقال : شهر الشيء يشهر شهرة وشهراً إذا ظهر بحيث لا يتعذر علمه على أحد ، ومنه يقال : شهرت السيف إذا سللته قال بعضهم : وسمى الهلال شهراً لشهرته وبيانه ، وبه سمى الشهر شهراً .

و { رَمَضَانَ } اسم لهذا الشهر الذي فرض علينا صيامه ، وهو مأخوذ - كما قال القرطبي - من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش ، والرمضاء : شدة الحر ، ومنه الحديث : " صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال " - أي صلاة الضحى - قيل : إن العرب لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمى بذلك . وقيل إنما سمى رمضان لأنه يرمض الذنوب ، أي : يحرقها بالأعمال الصالحة " .

وقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ } خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي شهر رمضان أي : الأيام المعدودات ، وقوله : { الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن } صفة للشهر .

ويجوز أن يكون قوله { شَهْرُ } مبتدأ وخبره الموصول بعده ، أو خبره قوله { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وصح وجود الفاء في الخبر لكون المبتدأ موصوفاً بالموصول الذي هو شبه بالشرط . وقرئ بالنصب على أنه مفعول لفعل محذوف . أي : صوموا شهر رمضان .

و " القرآن " هو كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته .

والمراد بإنزال القرآن في شهر رمضان ابتداء إنزاله فيه ، وكان ذلك في ليلة القدر . بدليل قوله - تعالى - { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر } أي بدأنا إنزال القرآن في هذه الليلة المباركة ، إذ من المعروف أن القرآن استمر نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب من ثلاثة وعشرين سنة .

وقيل المراد بذلك ، أنزل في فضله القرآن ، قالوا : ومثله أن يقال : أنزل الله في أبي بكر الصديق كذا آية ، يريدون أنزل في فضله .

وقيل المراد أنزل في إيجاب صومه على الخلق القرآن ، كما يقال : أنزل الله في الزكاة كذا وكذا ، يريد في إيجابها وأنزل في الخمر كذا يريد في تحريمها .

قال الآلوسي : وقوله - تعالى - : { هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان } حالان لازمان من القرآن والعامل فيهما أنزل . أي : أنزل وهو هداية للناس بإعجازه المختص به كما يشعر بذلك التنكير ، وآيات واضحات من جملة الكتب الإلهية الهادية إلى الحق والفارقة بين الحق والباطل باشتماله على المعارف الإِلهية والأحكام العملية ، كما يشعر بذلك جعله بينات منها ، فهو هاد بواسطة أمرين ، مختص وغير مختص ، فالهدى ليس مكرراً ، وقيل : مكرر تنويهاً وتعظيماً لأمره وتأكيداً لمعنى الهداية كما تقول : علام نحرير " .

وقوله : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } يصح أن يكون شهد بمعنى حضر . كما يقال : فلان شهد بدراً ، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي : حضرها ، فيكون المعنى : فمن حضر منكم دخول الشهر أو حلوله بأن كان مقيما وليس عنده ما يمنعه من الصو كمرض ونحوه ، فليصمه ؛ لأن صيامه ركن من أركان الدين ، وعليه يكون لفظ " الشهر " مصنوب على الظرفية .

ويصح أن يكون شهد بمعنى علم كقوله - تعالى - { شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ } فيكون المعنى : فمن علم منكم هلال الشهر وتيقن من ظهوره فليصمه .

وعليه يكون لفظ " الشهر " منصوب على أنه مفعول به بتقدير المضاف المحذوف و { مَن } موصولة أو شرطية وهو الأظهر و { مِنكُمُ } في محل نصب على الحال من الضمير في شهد فيتعلق بمحذوف أي : كائنا منكم . والضمير في " منكم " يعود على الذين آمنوا ، أي كل من حضر منكم الشهر فليصمه و ( أل ) في الشهر للعهد .

وأعيد ذكر الرخصة في قوله - تعالى - ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر ، لئلا يتوهم من تعظيم أمر الصوم في نفسه وأنه خير ، أنه قد صار متحتماً بحيث لا تتناوله الرخصة بوجه من الوجوه أو تتناوله ولكنها مفضولة ، وفي ذلك عناية بأمر الرخصة وأنها محبوبة له - تعالى - .

وقوله - تعالى - : { يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر } بيان الحكمة الرخصة .

أي : شرع لكم - سبحانه - الفطر في حالتي المرض والسفر ، لأنه يريد بكم اليسر والسهولة . ولا يريد بكم العسر والمشقة . قال - تعالى - : { يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً } وقال - تعالى - : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدين } وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري حين بعثهما إلى اليمن : " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " .

وقوله - تعالى - : { وَلِتُكْمِلُواْ العدة وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } معطوف على قوله : { يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر } إذ هذه الجمل الأربع تعليل لما قبلها من قوله : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } إلى قوله : { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .

والمعنى : شرع لكم - سبحانه - ما شرع من أحكام الصيام ، ورخص لكم الفطر في حالتي المرض والسفر ، لأنه يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ، ولأنه يريد منكم أن تكملوا عدة الشهر بأن تصوموا أيامة كاملة فتحصلوا خيراته ولا يفوتكم شيء من بركاته ، ومن لم يستطع منكم أداء الصوم في هذا الشهر لعذر فعليه قضاء ما فاته منه في أيام أخر ويريد منكم أن تكبروه - سبحانه - أي تحدوه وتعظموه ، فهو وحده الذي هداكم إلى تلك الأحكام النافعة التي في صلاحكم وسعادتكم ويريد منكم أن تشكروه بأن تواظبوا على الثناء عليه ، وعلى استعمال نعمه فما خلقت له فهو - سبحانه - الرءوف الرحيم بعباده ، إذ شرع لهم فيه اليسر لا ما فيه العسر .

وقد دلت الآية الكريمة على الأمر بالتكبير إذ جعلته مما يريده الله - تعالى - ولهذا جاءت السنة باستحباب التحميد والتسبيح والتكبير بعد الصلوات المكتوبات ، وفي عيدى الفطر والأضحى يكون تكبير الله - تعالى - هو مظهرهما الأعظم .

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت أكمل بيان وأحكمه فضل الصوم ، وحمة مشروعيته ومظاهر رحمة الله بعباده في هذه الفريضة ، وقد ذكرت أن المسلم له بشأن هذه الفريضة حلاة من حالات ثلاث :

الحالة الأولى : إذا كان المسلم في شهر رمضان كله أو بعضه مريضاً بمرض عارض غير مزمن يرجى الشفاء منه ، أو مسافراً تتوفر فيه شروط الفطر ، فله أن يفطر وأن يقضي بعد رمضان الأيام التي أفطرها بدليل قوله - تعالى - : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .

الحالة الثانية : إذا كان المسلم في شهر رمضان مريضاً بمرض مزمن لا يرجى شفاؤه ، والصوم فيه مشقة عليه ، أو كان شيخاً كبيراً أو امرأة عجوزاً ولا يستطيعان الصوم ، فقد أباح الشارع لهؤلاء أن يفطروا وأن يطعموا عن كل يوم مسكيناً ، لأن هذه الأعذار لا يرجى زوالها ، ولا ينتظر أن يكون المبتلى بعذر منها بعد رمضان خيراً منه في رمضان ، لذا أوجب الشارع على هؤلاء الفدية دون القضاء ، بدليل قوله - تعالى - { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ويحرم عليه أن يفطر ، وإن أفطر لغير عذر شرعي كان من الخاسرين في الدنيا والآخرة ، ففي الحديث الشريف الذي رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه - أي لم يجزه - صوم الدهر كله وإن صامه " .

أي : لو حصل منه صوم طول حياته فلن يدرك ثواب ما ضيع بسبب فطره بغير عذر شرعي .

والأحاديث في الترغيب في صوم شهر رمضان ، وفي الترهيب من الفطر فيه كثيرة متنوعة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (185)

يمدح تعالى شهرَ الصيام من بين سائر الشهور ، بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه ، وكما اختصه بذلك ، قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء .

قال الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عمْران أبو العوام ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن واثلة - يعني ابن الأسقع - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت صُحُف إبراهيم في أول ليلة من رمضان . وأنزلت التوراة لسِتٍّ مَضَين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عَشَرَةَ خلت من رمضان{[3186]} وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " {[3187]} .

وقد روي من حديث جابر بن عبد الله وفيه : أن الزبور أنزل {[3188]} لثنتَي عشرة [ ليلة ]{[3189]} خلت من رمضان ، والإنجيل لثماني عشرة ، والباقي كما تقدم . رواه ابن مَردُويه .

أما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل - فنزل كل منها{[3190]} على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة ، وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، وكان ذلك في شهر رمضان ، في ليلة القدر منه ، كما قال تعالى : { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] . وقال : { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } [ الدخان : 3 ] ، ثم نزل بعدُ مفرّقًا{[3191]} بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم . هكذا روي من غير وجه ، عن ابن عباس ، كما قال إسرائيل ، عن السّدي ، عن محمد بن أبي المجالد عن مِقْسَم ، عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود ، فقال : وقع{[3192]} في قلبي الشك من قول الله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وقوله : { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } وقوله : { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } وقد{[3193]} أنزل في شوال ، وفي ذي القعدة ، وفي ذي الحجة ، وفي المحرم ، وصفر ، وشهر ربيع . فقال ابن عباس : إنه أنزل في رمضان ، في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة ، ثم أنزل {[3194]} على مواقع النجوم ترتيلا{[3195]} في الشهور والأيام . رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه ، وهذا لفظه .

وفي رواية سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال : أنزل القرآن في النصف من شهر رمضان إلى سماء الدنيا فجعل في بيت العِزَّة ، ثم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة لجواب كلام الناس .

وفي رواية عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر إلى هذه السماء الدنيا جملة واحدة ، وكان الله يُحْدثُ لنبيه ما يشاء ، ولا يجيء المشركون بمثَل يخاصمون به إلا جاءهم الله بجوابه ، وذلك قوله : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } [ الفرقان : 32 ، 33 ] .

[ قال فخر الدين : ويحتمل أنه كان ينزل في كل ليلة قدر ما يحتاج الناس إلى إنزاله إلى مثله من اللوح إلى سماء الدنيا ، وتوقف ، هل هذا أولى أو الأول ؟ وهذا الذي جعله احتمالا نقله القرطبي عن مقاتل بن حيان ، وحكى الإجماع على أن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وحكى الرازي عن سفيان بن عيينة وغيره أن المراد بقوله : { الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } أي : في فضله أو وجوب صومه ، وهذا غريب جدا ]{[3196]} .

وقوله : { هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } هذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه واتبعه { وَبَيِّنَاتٍ } أي : ودلائل وحُجَج بينة واضحة جلية لمن فهمها وتدبَّرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال ، والرشد المخالف للغي ، ومفرقًا بين الحق والباطل ، والحلال ، والحرام .

وقد روي عن بعض السلف أنه كَره أن يقال : إلا " شهر رمضان " ولا يقال : " رمضان " ؛ قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن بكار بن الريَّان ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القُرَظي ، وسعيد - هو المقْبُري - عن أبي هريرة ، قال : لا تقولوا : رمضان ، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ، ولكن قولوا : شهر رمضان .

قال{[3197]} ابن أبي حاتم : وقد روي عن مجاهد ، ومحمد بن كعب نحو ذلك ، ورَخَّص فيه ابن عباس وزيد بن ثابت .

قلت : أبو معشر هو نَجِيح بن عبد الرحمن المدني إمام [ في ]{[3198]} المغازي ، والسير ، ولكن فيه ضعف ، وقد رواه ابنه محمد عنه فجعله مرفوعا ، عن أبي هريرة ، وقد أنكره عليه الحافظ ابن عدي{[3199]} - وهو جدير بالإنكار - فإنه متروك ، وقد وهم في رفع هذا الحديث ، وقد انتصر البخاري ، رحمه الله ، في كتابه لهذا فقال : " باب يقال{[3200]} رمضان " {[3201]} وساق أحاديث في ذلك منها : " من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه " ونحو ذلك .

وقوله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } هذا إيجاب حَتْمٍ على من شهد استهلال الشهر - أي كان مقيما في البلد حين دخل شهر رمضان ، وهو صحيح في بدنه - أن يصوم لا محالة . ونَسَخت هذه الآية الإباحة المتقدمة لمن كان صحيحًا مقيما أن يفطر ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم ، كما تقدم بيانه . ولما حتَّم الصيام أعاد ذكر الرخصة للمريض وللمسافر في الإفطار ، بشرط القضاء فقال : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } معناه : ومن كان به مرض في بدنه يَشُقّ عليه الصيام معه ، أو يؤذيه{[3202]} أو كان على سفر أي في حال سفر - فله أن يفطر ، فإذا أفطر فعليه بعدة ما أفطره في السفر من الأيام ؛ ولهذا قال : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } أي : إنما رخَّصَ لكم في الفطر في حال المرض وفي السفر ، مع تحتمه في حق المقيم الصحيح ، تيسيرًا عليكم ورحمة بكم .

وهاهنا مسائل تتعلق بهذه الآية :

إحداها : أنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أن من كان مقيما في أول الشهر ثم سافر في أثنائه ، فليس له الإفطار بعذر السفر والحالة هذه ، لقوله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وإنما يباح الإفطار لمسافر استهل الشهر وهو مسافر ، وهذا القول غريب نقله أبو محمد بن حزم في كتابه المُحَلى ، عن جماعة من الصحابة والتابعين . وفيما حكاه عنهم نظر ، والله أعلم . فإنه قد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرَجَ في شهر رمضان لغزوة الفتح ، فسار{[3203]} حتى بلغ الكَديد ، ثم أفطر ، وأمر الناس بالفطر . أخرجه صاحبا الصحيح{[3204]} .

الثانية : ذهب آخرون من الصحابة والتابعين إلى وجوب الإفطار في السفر ، لقوله : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } والصحيح قول الجمهور ، أن الأمر في ذلك على التخيير ، وليس بحَتْم ؛ لأنهم كانوا يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان . قال : " فَمنا الصائم ومنا المفطر ، فلم يعب الصائمُ على المفطر ، ولا المفطر على الصائم{[3205]} " . فلو كان الإفطار هو الواجب لأنكر عليهم {[3206]} الصيام ، بل الذي ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في مثل هذه الحالة صائمًا ، لما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء [ قال ]{[3207]} خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ في شهر رمضان ]{[3208]} في حَرٍّ شديد ، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه [ من شدة الحر ]{[3209]} وما فينا صائم إلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة{[3210]} .

الثالثة : قالت طائفة منهم الشافعي : الصيام في السفر أفضل من الإفطار ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، وقالت طائفة : بل الإفطار أفضل ، أخذا بالرخصة ، ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن الصوم في السفر ، فقال : " من أفطر فحَسَن ، ومن صام فلا جناح عليه " {[3211]} . وقال في حديث آخر :

" عليكم برخصة الله التي رخص لكم " {[3212]} وقالت طائفة : هما سواء لحديث عائشة : أن حَمْرة بن عمرو الأسلمي قال : يا رسول الله ، إني كثير الصيام ، أفأصوم في السفر ؟ فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " . وهو في الصحيحين{[3213]} . وقيل : إن شق الصيام فالإفطار أفضل لحديث جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد ظُلِّلَ عليه ، فقال : " ما هذا ؟ " قالوا : صائم ، فقال : " ليس من البر الصيام في السفر " . أخرجاه{[3214]} . فأما إن رغب عن السنة ، ورأى أن الفطر مكروه إليه ، فهذا يتعين عليه الإفطار ، ويحرم عليه الصيام ، والحالة هذه ، لما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره ، عن ابن عمر وجابر ، وغيرهما : من لم يقبل رُخْصَةَ الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة{[3215]} .

الرابعة : القضاء ، هل يجب متتابعًا أو يجوز فيه التفريق ؟ فيه قولان : أحدهما : أنه يجب التتابع ؛ لأن القضاء يحكي الأداء . والثاني : لا يجب التتابع ، بل إن شاء فَرّق ، وإن شاء تابع . وهذا قول جُمهور السلف والخلف ، وعليه ثبتت الدلائل{[3216]} ؛ لأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه في الشهر ، فأما بعد انقضاء رمضان فالمراد صيام أيام عدَّةَ ما أفطر . ولهذا قال تعالى : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ثم قال : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } قال الإمام أحمد :

حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا ابن{[3217]} هلال ، عن حميد بن هلال العدوي ، عن أبي قتادة ، عن الأعرابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره " {[3218]} .

وقال أحمد أيضًا : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم بن هلال ، حدثنا غاضرة بن عُرْوة الفُقَيْمي ، حدثني أبي عُرْوَة ، قال : كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فخرج رَجلا{[3219]} يَقْطُرُ رأسه من وضوء أو غسل ، فصلى ، فلما قضى الصلاة جعل الناس يسألونه : علينا حرج في كذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن دين الله في يسر " ثلاثًا يقولها{[3220]} .

ورواه الإمام أبو بكر بن مَرْدُويه في تفسير هذه الآية من حديث مسلم بن إبراهيم ، عن عاصم بن هلال ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو التيّاح ، سمعت أنس بن مالك يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يسروا ، ولا تعسروا ، وسكِّنُوا ولا تُنَفِّروا " . أخرجاه في الصحيحين{[3221]} . وفي الصحيحين أيضا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن : " بشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " . وفي السنن والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت بالحنيفيَّة السمحة " {[3222]} .

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره : حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يحيى ابن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا أبو مسعود الجُرَيري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن مِحْجَن بن الأدرع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي فتراءاه ببصره{[3223]} ساعة ، فقال : " أتراه يصلي صادقًا ؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، هذا أكثر أهل المدينة صلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تُسْمِعْه فَتُهلِكَه " . وقال : " إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليُسْر ، ولم يرد بهم العُسْر " {[3224]} .

ومعنى قوله : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ } أي : إنما أرْخَصَ لكم في الإفطار للمرض{[3225]} والسفر ونحوهما من الأعذار لإرادته بكم اليسر ، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدّة شهركم .

وقوله : { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } أي : ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم ، كما قال : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا } [ البقرة : 200 ] وقال : [ { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } ] {[3226]} [ النساء : 103 ] ، { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الجمعة : 10 ] وقال : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } [ ق : 39 ، 40 ] ؛ ولهذا جاءت السنة باستحباب التسبيح ، والتحميد والتكبير بعد الصلوات المكتوبات .

وقال ابن عباس : ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير ؛ ولهذا أخذ كثير من العلماء مشروعية التكبير في عيد الفطر من هذه الآية : { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } حتى ذهب داود بن علي الأصبهاني الظاهري إلى وجوبه في عيد الفطر ؛ لظاهر الأمر في قوله { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } وفي مقابلَته مذهبُ أبي حنيفة - رحمه الله - أنه لا يُشْرَع التكبير في عيد الفطر . والباقون على استحبابه ، على اختلاف في تفاصيل بعض الفروع بينهم .

وقوله : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه ، وترك محارمه ، وحفظ حدوده ، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك .


[3186]:في"أ" بعدها: "وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من رمضان".
[3187]:المسند (4/107).
[3188]:في جـ: "نزلت"، وفي أ: "نزل".
[3189]:زيادة من أ.
[3190]:في جـ: "منهما".
[3191]:في و: "متفرقا".
[3192]:في و: "أوقع".
[3193]:في جـ: "وهذا".
[3194]:في جـ: "ثم نزل".
[3195]:في أ: "رسلا".
[3196]:زيادة من جـ، أ.
[3197]:في جـ: "قال لي".
[3198]:زيادة من جـ.
[3199]:الكامل لابن عدي (7/53).
[3200]:في جـ: "باب بأن يقال".
[3201]:الترجمة في الصحيح (4/112): "باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا".
[3202]:في جـ: "أو يمتد به".
[3203]:في أ، و: "فصام".
[3204]:صحيح البخاري برقم (1948، 4279) وصحيح مسلم برقم (1113).
[3205]:رواه مسلم في صحيحه برقم (1118) من حديث أنس رضي الله عنه.
[3206]:في أ: "عليهم في الصيام".
[3207]:زيادة من و.
[3208]:زيادة من جـ، أ، و.
[3209]:زيادة من جـ، أ، و.
[3210]:صحيح البخاري برقم (1945) وصحيح مسلم برقم (1122).
[3211]:هذا لفظ حديث حمزة بن عمرو الأسلمي في صحيح مسلم برقم (1121).
[3212]:هذا لفظ حديث جابر وسيأتي.
[3213]:صحيح البخاري برقم (1943) وصحيح مسلم برقم (1121).
[3214]:صحيح البخاري برقم (1946) وصحيح مسلم برقم (1121).
[3215]:المسند (2/71).
[3216]:في جـ: "تثبت الأدلة".
[3217]:في أ، و: "حدثنا أبو".
[3218]:المسند (3/479).
[3219]:في أ، و: "فخرج رجل".
[3220]:المسند (5/69).
[3221]:صحيح البخاري برقم (69) وصحيح مسلم برقم(1734).
[3222]:صحيح البخاري برقم (4341، 4342) وصحيح مسلم برقم (1733).
[3223]:في أ، و: "ببصره".
[3224]:ورواه أحمد في المسند (5/32) من طريق حماد عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق عن محجن نحوه.
[3225]:في أ: "للمريض".
[3226]:زيادة من جـ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (185)

{ شهر رمضان } مبتدأ خبره ما بعده ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلكم شهر رمضان ، أو بدل من الصيام على حذف المضاف ، أي كتب عليكم الصيام صيام شهر رمضان . وقرئ بالنصب على إضمار صوموا ، أو على أنه مفعول ، { وأن تصوموا } وفيه ضعف ، أو بدل من أيام معدودات . والشهر : من الشهرة ، ورمضان : مصدر رمض إذا احترق ؛ فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع من الصرف للعلمية والألف والنون ، كما منع دأية في ابن دأية علما للغراب للعلمية والتأنيث ، وقوله عليه الصلاة والسلام " من صام رمضان " فعلى حذف المضاف لأمن الالتباس ، وإنما سموه بذلك إما لارتماضهم فيه من حر الجوع والعطش ، أو لارتماض الذنوب فيه ، أو لوقوعه أيام رمض الحر حين ما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة . { الذي أنزل فيه القرآن } أي ابتدئ فيه إنزاله ، وكان ذلك ليلة القدر ، أو أنزل فيه جملة إلى سماء الدنيا ثم نزل منجما إلى الأرض ، أو أنزل في شأنه القرآن وهو قوله : { كتب عليكم الصيام } . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " نزلت صحف إبراهيم عليه السلام أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين ، والإنجيل لثلاث عشرة ، والقرآن لأربع وعشرين " والموصول بصلته خبر المبتدأ أو صفته والخبر فمن شهد ، والفاء لوصف المبتدأ بما تضمن معنى الشرط . وفيه إشعار بأن الإنزال فيه سبب اختصاصه بوجوب الصوم . { هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } حالان من القرآن ، أي أنزل وهو هداية للناس بإعجازه وآيات واضحات مما يهدي إلى الحق ، ويفرق بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام . { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فمن حضر في الشهر ولم يكن مسافرا فليصم فيه ، والأصل فمن شهد فيه فليصم فيه ، لكن وضع المظهر موضع المضمر الأول للتعظيم ، ونصب على الظرف وحذف الجار ونصب الضمير الثاني على الاتساع . وقيل : { فمن شهد منكم } هلال الشهر فليصمه ، على أنه مفعول به كقولك : شهدت الجمعة أي صلاتها فيكون { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } مخصصا له ، لأن المسافر والمريض ممن شهد الشهر ولعل تكريره لذلك ، أو لئلا يتوهم نسخه كما نسخ قرينه . { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } أي يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر ، فلذلك أباح الفطر في السفر والمرض . { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } علل لفعل محذوف دل عليه ما سبق ، أي وشرع جملة ما ذكر من أمر الشاهد يصوم الشهر والمرخص بالقضاء ومراعاة عدة ما أفطر فيه ، والترخيص { لتكملوا العدة } إلى آخرها على سبيل اللف ، فإن قوله { ولتكملوا العدة } علة الأمر بمراعاة العدة ، { ولتكبروا الله } علة الأمر بالقضاء وبيان كيفيته ، { ولعلكم تشكرون } علة الترخيص والتيسير . أو الأفعال كل لفعله ، أو معطوفة على علة مقدرة مثل ليسهل عليكم ، أو لتعلموا ما تعلمون ولتكملوا العدة ، ويجوز أن يعطف على اليسر أي ويريد بكم لتكملوا كقوله تعالى : { يريدون ليطفئوا نور الله } . والمعنى بالتكبير تعظيم الله بالحمد والثناء عليه ، ولذلك عدي بعلى . وقيل تكبير يوم الفطر ، وقيل التكبير عند الإهلال وما يحتمل المصدر والخبر ، أي الذي هداكم إليه ، وعن عاصم برواية أبي بكر { ولتكملوا } بالتشديد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (185)

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ( 185 )

الشهر مشتق من الاشتهار لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده ، ورمضان علقه الاسم من مدة كان فيها في الرمض وشدة الحر( {[1689]} ) ، وكان اسمه قبل ذلك ناتقاً( {[1690]} ) ، كما سمي ربيع من مدة الربيع ، وجمادى من مدة الجمود ، وكره مجاهد أن يقال رمضان دون أن يقال { شهر رمضان } كما قال الله تعالى ، وقال : لعل رمضان اسم من أسماء الله عز وجل .

وقرأ الجمهور : «شهرُ » بالرفع ، ووجهه خبر ابتداء ، أي ذلكم شهر ، وقيل : بدل من الصيام ، [ البقرة : 183 ] وقيل : على الابتداء وخبره { الذي أنزل فيه القرآن } ، وقيل : ابتداء وخبره { فمن شهد }( {[1691]} ) ، و { الذي أنزل } نعت له ، فمن قال إن { الصيام } في قوله { كتب عليكم الصيام } [ البقرة : 183 ] هي ثلاثة أيام وعاشوراء قال هاهنا بالابتداء ، ومن قال : إن { الصيام } هنالك هو رمضان وهو الأيام المعدودة قال هنا بخبر الابتداء أو بالبدل من الصيام ، وقرأ مجاهد وشهر بن حوشب «شهرَ » بالنصب ، ورواها أبو عمارة عن حفص عن عاصم ورواها هارون عن أبي عمرو ، وهي على الإغراء ، وقيل : نصب ب { تصوموا }( {[1692]} ) [ البقرة : 184 ] وقيل : نصب على الظرف ، وقرأت فرقة بإدغام الراء في الراء وذلك لا تقتضيه الأصول لاجتماع الساكنين فيه( {[1693]} ) .

واختلف في إنزال القرآن فيه : فقال الضحاك : أنزل في فرضه وتعظيمه و الحض عليه ، وقيل : بدىء بنزوله فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس فيما يؤثر( {[1694]} ) : أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة ليلة أربع وعشرين من رمضان ، ثم كان جبريل ينزله رسلاً( {[1695]} ) في الأوامر والنواهي والأسباب ، وروى واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان والتوراة لست مضين منه والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين »( {[1696]} )

وترك ابن كثير همزة { القرآن } مع التعريف والتنكير حيث وقع ، وقد قيل : إن اشتقاقه على هذه القرآءة من قرن وذلك ضعيف ، و { هدى } في موضع نصب على الحال من { القرآن } ، فالمراد أن القرآن بجملته من محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ هدى ، ثم شرف بالذكر والتخصيص البينات منه يعني الحلال والحرام والمواعظ ، والمحكم كله ، فالألف واللام في { الهدى } للعهد والمراد الأول( {[1697]} ) ، و { الفرقان } المفرق بين الحق والباطل ، و { شهد } بمعنى حضر( {[1698]} ) ، و { الشهر } نصب على الظرف ، والتقدير : من حضر المصر في الشهر ، وقرأ الحسن وعيسى الثقفي والزهري وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو حيوة «فَلِيَصُمْه » بتحريك اللام ، وكذلك قرؤوا لام الأمر في جميع القرآن على أصلها الذي هو الكسر ، وقال علي بن أبي طالب وابن عباس وعبيدة السلماني : من شهد أي من حضر دخول الشهر وكان مقيماً في أوله فليكمل صيامه سافر بعد ذلك أو أقام وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر( {[1699]} ) ، وقال جمهور الأمة : من شهد أول الشهر أو آخره فليصم ما دام مقيماً ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : من شهد الشهر بشروط التكليف غير مجنون ولا مغمى عليه فليصمه ، ومن دخل عليه رمضان وهو مجنون وتمادى به طول الشهر فلا قضاء عليه لأنه لم يشهد بصفة يجب بها الصيام ، ومن جن أول الشهر أو آخره فإنه يقضي أيام جنونه ، ونصب { الشهر } على هذا التأويل هوعلى المفعول( {[1700]} ) الصريح ب { شهد } ، وقوله تعالى : { أو على سفر } بمنزلة أو مسافراً فلذلك عطف على اسم ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ويحيى بن وثاب وابن هرمز وعيسى بن عمر «اليُسُر » و «العسُر »( {[1701]} ) بضم السين ، والجمهور : بسكونه ، وقال مجاهد والضحاك بن مزاحم : اليسر الفطر في السفر و { العسر } الصوم في السفر ، والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين( {[1702]} ) ، وقد فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم «دين الله يسر »( {[1703]} ) .

وقوله تعالى : { ولتكملوا العدة } معناه وليكمل من أفطر في سفره أو في مرضه عدة الأيام التي أفطر فيها ، وقرأ أبو بكر عن عصام وأبو عمرو في بعض ما روي عنه «ولتكمّلوا » بتشديد الميم ، وقد روي عنهما التخفيف كالجماعة( {[1704]} ) ، وهذه اللام متعلقة إما ب { يريد } فهي اللام الداخلة على المفعول ، كالذي في قولك ضربت لزيد ، المعنى ويريد إكمال العدة وهي مع الفعل مقدرة بأن ، كأن الكلام : ويريد لأن تكملوا( {[1705]} ) ، هذا قول البصريين ، ونحوه قول قيس كثير بن صخر : [ الطويل ] :

أُرِيدُ لأَنْسَى ذِكْرَهَا . . . ( {[1706]} ) وإما بفعل مضمر بعد ، تقديره ولأن تكملوا العدة رخص لكم هذه الرخصة ، وهذا قول بعض الكوفيين ، ويحتمل أن تكون هذه اللام لام الأمر والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام( {[1707]} ) .

وقوله : { ولتكبروا الله } حض على التكبير في آخر رمضان ، واختلف الناس في حده ، فقال ابن عباس : «يكبر المرء من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة ، ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره » ، وقال قوم : يكبر من رؤية الهلال إلى خروج الإمام إلى الصلاة ، وقال سفيان : «هو التكبير يوم الفطر » ، وقال مالك : «هو من حين يخرج الرجل من منزله إلى أن يخرج الإمام »( {[1708]} ) ، ولفظه عند مالك وجماعة من العلماء : «الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر » ، ثلاثاً ، ومن العلماء من يكبر ثم يهلل ويسبح أثناء التكبير ، ومنه من يقول : «الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً » . وقد قيل غير هذا ، والجميع حسن واسع مع البدأة بالتكبير .

و { هداكم } ، قيل المراد لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم ، وتعميم الهدى جيد ، و { لعلكم تشكرون } ترجِّ في حق البشر ، أي على نعمة الله في الهدى .


[1689]:- يقال: إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام الحر فقيل له: رمضان.
[1690]:- يقال صام ناتقا أي شهر رمضان، وإنما سمي ناتقا لأنه كان ينتقهم أي ينطقهم لشدته عليهم وفي بعض النسخ ناثراً.
[1691]:- الفاء زائدة على قول الأخفش، وعلى قول غيره ليست زائدة لوصف الشهر بالذي، فدخلت الفاء فيه كما تدخل في نفس خبر الذي – ومثل هذا قول الله تعالى: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) والضمير الذي يربط بين المبتدأ والخبر هو وضع الظاهر موضع المضمر بقصد التفخيم، أي: فمن شهده منكم فليصمه.
[1692]:- أي من قوله تعالى: [وأن تصوموا خير لكم] إلا أن فيه الفصل بين صلة أن ومعمولها بالخبر.
[1693]:- أي على مذهب أكثر البصريين، وأما على مذهب غيرهم فهو جائز، فإن صح النقل عنهم وجب المصير إليه – وهذا في الحرف الصحيح كما هنا، وأما في حرف العلة كما في قولك: هذا ثوب بكر فجائز اتفاقا.
[1694]:- أي فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو بواسطة.
[1695]:- رسلا بفتح الراء والسين: القطعة، والجماعة من الناس، يقال: جاءت الخيل والإبل إرسالا، رَسَلا بعد رسل – فالجمع: أَرْسَالٌ.
[1696]:- يشير بهذا الحديث إلى أن سائر الكتب السماوية أنزلت في رمضان فلا مفهوم للقرآن. وواثلة بن الأسقع ليْثي من أهل الصفة شهد تبوك، وهو آخر من مات من الصحابة، وقد شهد فتح دمشق وحمص، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي هريرة، وعن أم سلمة. وتوفي سنة 83هـ. وقيل 85هـ.
[1697]:- وهو جملة القرآن من محكم ومتشابه إلى آخره.
[1698]:- شهد لها معان: الحضور كما هنا، والإخبار كما في نحو: شهد عند الحاكم بكذا، أي أخبره به، والعلم كما في قوله تعالى: [شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط] – فشهد هنا معناها: حضر، وليس معناها شاهد ورأى، فلا دلالة في الآية على اعتبار الرؤية في الصوم، لأن الحضور في الشهر أعم من أن يكون ثابتا بالرؤية أو بالحساب. والمراد بالحضور الاحتراز عن المسافر، ودليل وجوب الصوم والرؤية قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته).
[1699]:- قال (ك): وهذا القول غريب، نقله أبو محمد بن حزم في كتابه "المحلى" عن جماعة من الصحابة والتابعين، وفيما حكاه عنهم نظر، والله أعلم فإنه قد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج في شهر رمضان لغزوة الفتح فسار حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأمر الناس بالفطر. أخرجه صاحبا الصحيح.
[1700]:- أي لا على الظرفية، ونحوه قولهم: شهدت الجمعة.
[1701]:- [يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر] الإرادة جاءت في الشريعة على معنيين: الإرادة الكونية القدرية التي تتعلق بكل مراد، فما أراد الله أن يكون كان، وما لم يرد أن يكون فلا سبيل إلى كونه – والإرادة الأمرية الشرعية التي تتعلق بطلب إيقاع المأمور به وعدم إيقاع المنهي عنه. ومعنى هذه الإرادة أن يحبّ فعل ما أمر به ويرضاه، ويحب أن يفعله المأمور ويرضاه منه – فمن المعنى الأول قوله تعالى: [فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيِّقا حرجا] وقوله تعالى في حكاية نوح عليه السلام: [ولا ينفعكم نُصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يُغويكم] وقوله تعالى: [ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد]. ومن المعنى الثاني قوله تعالى: [يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر] وقوله تعالى: [ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم] الآية، وقوله تعالى: [يريد الله ليبيّن لكم ويهديَكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم] إلى قوله: [يريد الله أن يخفّف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا]. ولأجل عدم التنبيه للفرق بين الإرادتين وقع الغلط في المسألة. فربما نفى بعض الناس الإرادة عن الأمر والنهي مطلقا، وربما نفاها بعضهم عما لم يؤمر به مطلقا وأثبتها في الأمر مطلقا، ومن عرف الفرق بين الموضعين لم يلتبس عليه شيء من ذلك. انتهى. من (الموافقات) باختصار.
[1702]:- أي الدنيوية والأخروية، ويندرج في ذلك الفطر في السفر، والصيام فيه، وكأن من فسر اليسر والعسر بذلك إنما أراد التمثيل لأن الآية جاءت في سياق ما قبلها.
[1703]:- رواه الإمام أحمد، وأبو بكر بن مردويه بلفظ: «إنّ دينَ الله في يُسْر».
[1704]:- فَعَّل وأفْعَل كثيرا ما يستعمل أحدهما موضع الآخر، ومن ذلك قوله تعالى (فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُويدا).
[1705]:- لو قال: وهي مع الفعل مقدر (أن) بعدها. يدل على ذلك قوله: «فكأن الكلام: ويريد لأن تكملوا العدة، فأظهر أن بعد اللام» قاله (ح).
[1706]:- تمامه: .............................. تَمَثَّلُ لِـي لَيْلَى بكلِّ طــريــق وهو لأبي صخر كثير بن عبد الرحمن الخزاعي.
[1707]:- قال (ح): لم يذكر هذا الوجه غير ابن عطية، وقد ناقشه وضعفه – وقوله: «والواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام» يشير إلى أنه إذا كان اللام لام الأمر فالعطف من باب عطف الجمل، وأما على الإعراب الأول فهو من باب عطف المفردات.
[1708]:- هو قول شيخ المالكية في مختصره: «وخروج بعد الشمس، وتكبير فيه حينئذ لا قبله، وصحيح خلافه وجهر به، وهل لمجيئ الإمام أو لقيام الصلاة تأويلان، ثم قال: ولفظه وهو: الله أكبر ثلاثا، وإن قال – بعد تكبيرتين – لا إله إلا الله، ثم تكبيرتين ولله الحمد فحسن». انتهى.