وبعد أن أمر - سبحانه - بالوفاء بالعهود ونهى عن نقضها بصفة عامة ، أتبع ذلك بالنهي عن الحنث في الإِيمان بصفة خاصة ، فقال تعالى : { وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . . . } .
فقوله - سبحانه - : { وَلاَ تتخذوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } ، تصريح بالنهي عن اتخاذ الأيمان من أجل الغش والخديعة ، بعد النهي عن نقض العهود بصفة عامة . أي : ولا تتخذوا - أيها المؤمنون - الحلف بالله - تعالى - ذريعة إلى غش الناس وخداعهم واستلاب حقوقهم ، فقد جرت عادة الناس أن يطمئنوا إلى صدق من يقسم بالله - تعالى - ، فلا تجعلوا هذا الاطمئنان وسيلة للكذب عليهم ، ولإِفساد ما بينكم وبينهم من مودة .
ثم رتب - سبحانه - على هذا النهي ما من شأنه أن يردع النفوس عن اتخاذ الأيمان دخلا فقال : { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } ، وأصل الزلل الخروج عن الطريق السليم . يقال : زل فلان يزل زللا وزلولا ، إذا دحضت قدمه ، ولم تصب موضعها الصحيح ، أي : لا تتخذوا أيمانكم وسيلة للخديعة والإِفساد بين الناس ، فتزل أقدامكم عن طريق الإِسلام بعد ثبوتها عليها ، ورسوخها فيها ، قالوا : والجملة الكريمة مثل يُضْرَب لكل من وقع في بلية ومحنة ، بعد أن كان في عافية ونعمة .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم وحدت القدم ونكرت ؟ قلت : لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق . بعد أن ثبتت عليه ، فكيف بأقدام كثيرة ؟ .
وقوله : { وَتَذُوقُواْ السواء بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ الله } ، بيان لما يصيبهم من عذاب دنيوي بسبب اتخاذ أيمانهم دخلا بينهم . أي : وتذوقوا السوء ، وهو العذاب الدنيوي من المصائب والخوف والجوع ، بسبب صدودكم وإعراضكم عن أوامر الله ونواهيه ، أو بسبب صدكم لغيركم عن الدخول في دين الله ، حيث رأى منكم ما يجعله ينفر منكم ومن دينكم .
والتعبير بتذوقوا ، فيه إشارة إلى أن العذاب الدنيوي الذي سينزل بهم بسبب اتخاذهم أيمانهم دخلا بينهم ، سيكون عذابا شديدا يحسون آلامه إحساسا واضحا ، كما يحس الشارب للشيء المر مرارته ، ويتذوق آلامه .
قال ابن كثير : حذر الله - تعالى - عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا ، أي : خديعة ومكرا ، لئلا تزل قدم بعد ثبوتها ؛ مثل لمن كان على الاستقامة وحاد عنها ، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة ، المشتملة على الصد عن سبيل الله ؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به ، لم يبق له وثوق بالدين ، فانصد بسببه عن الدخول فى الإِسلام .
وقوله : { وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، لا يعلم مقدار شدته وهوله إلا الله - عز وجل - فأنت ترى أن الآية الكريمة قد رتبت على اتخاذ الأيمان دخلا ، انقلاب حالة الإِنسان من الخير إلى الشر ، ونزول العذاب الدنيوي والأخروي به .
ثم حذر تعالى عباده عن{[16677]} اتخاذ الأيمان دخلا ، أي : خديعة ومكرًا ، لئلا تَزل قدم بعد ثبوتها : مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى ، بسبب الأيمان الحانثة{[16678]} المشتملة على الصد عن سبيل الله ؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به ، لم يبق له وثوق بالدين ، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام ؛ ولهذا قال : { وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .
{ ولا تتخذوا أيمانكم دخَلاً بينكم } ، تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي . { فتزلّ قدم } ، أي : عن محجة الإسلام . { بعد ثبوتها } عليها ، والمراد : أقدامهم ، وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم ، فكيف بأقدام كثيرة . { وتذوقوا السوء } ، العذاب في الدنيا . { بما صددتم عن سبيل الله } ، بصدكم عن الوفاء أو صدكم غيركم عنه ، فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره . { ولكم عذاب عظيم } ، في الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.