يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بالاستمرار على طاعته وتقواه { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ } أي : لمن أحسن العمل في هذه الدنيا حسنة في دنياهم وأخراهم .
وقوله : { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } قال مجاهد : فهاجروا فيها ، وجاهدوا ، واعتزلوا الأوثان .
وقال شريك ، عن منصور ، عن عطاء في قوله : { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } قال : إذا دعيتم إلى المعصية فاهربوا ، ثم قرأ : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } [ النساء : 97 ] .
وقوله : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } قال الأوزاعي : ليس يوزن لهم ولا يكال ، إنما يغرف لهم غرفا .
وقال ابن جريج : بلغني أنه لا يحسب عليهم ثواب عملهم قط ، ولكن يزادون على ذلك .
وقال السدي : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } يعني : في الجنة .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ يَعِبَادِ الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ رَبّكُمْ لِلّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هََذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةٌ إِنّمَا يُوَفّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لعبادي الذين آمنوا : يا عِبادِ الّذِينَ آمَنُوا بالله ، وصدقوا رسوله اتّقُوا رَبّكُمْ بطاعته واجتناب معاصيه لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدّنيْا حَسَنَةٌ .
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : للذين أطاعوا الله حسنة في هذه الدنيا وقال «في » من صلة حسنة ، وجعل معنى الحسنة : الصحة والعافية . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدّنيْا حَسَنَةٌ قال : العافية والصحة .
وقال آخرون «في » من صلة أحسنوا ، ومعنى الحسنة : الجنة .
وقوله : وأرْضُ اللّهُ وَاسِعَةٌ يقول تعالى ذكره : وأرض الله فسيحة واسعة ، فهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام ، كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأرْضُ اللّهِ وَاسعَةٌ فهاجروا واعتزلوا الأوثان .
وقوله : إنّمَا يُوَفّى الصّابُرُونَ أجْرَهُمْ بغَيرِ حسابٍ يقول تعالى ذكره : إنما يعطي الله أهل الصبر على ما لقوا فيه في الدنيا أجرهم في الاَخرة بغير حساب يقول : ثوابهم بغير حساب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّما يُوَفّى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بغَيْرِ حسابٍ لا والله ما هنا كُم مِكيال ولا ميزان .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إنّما يُوَفّى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بَغْيرِ حسابٍ قال : في الجنة .
وقرأ جمهور القراء : «قل يا عبادي » بفتح الياء . وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش : «يا عبادي » بياء ساكنة . وقرأ أبو عمرو أيضاً وعاصم والأعمش وابن كثير : «يا عباد » بغير ياء في الوصل .
ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة . ووعد تعالى بقوله : { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } ويحتمل أن يكون قوله : { في هذه الدنيا } ، متعلقاً ب { أحسنوا } ، فكأنه يريد أن الذين يحسنون في الدنيا لهم حسنة في الآخرة وهي الجنة والنعيم ، قاله مقاتل ، ويحتمل أن يريد : أن الذين يحسنون لهم حسنة في الدنيا وهي العاقبة والظهور وولاية الله تعالى ، قاله السدي . وكان قياس قوله أن يكون في هذه الدنيا متأخراً ويجوز تقديمه ، والأول أرجح أن الحسنة هي في الآخرة . { وأرض الله } يريد بها البلاد المجاورة التي تقتضيها القصة التي في الكلام فيها ، وهذا حض على الهجرة ، ولذلك وصف الله الأرض بالسعة . وقال قوم : أراد ب «الأرض » هنا الجنة ، وفي هذا القول تحكم لا دليل عليه .
ثم وعد تعالى على الصبر على المكاره والخروج عن الوطن ونصرة الدين وجميع الطاعات : بأن الأجر يوفى { بغير حساب } ، وهذا يحتمل معنيين ، أحدهما : أن الصابر يوفى أجره ثم لا يحاسب عن نعيم ولا يتابع بذنوب ، فيقع { الصابرون } في هذه الآية على الجماعة التي ذكرها النبي عليه السلام أنها تدخل الجنة دون حساب في قوله : «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون وجوههم على صورة القمر ليلة البدر » الحديث على اختلاف ترتيباته . والمعنى الثاني : أن أجور الصابرين توفى بغير حصر ولا وعد ، بل جزافاً ، وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى ، ومنه قول الشاعر [ طويس المغني ] : [ الكامل ]
ما تمنعي يقضى فقد تعطينه*** في النوم غير مسرد محسوب
وإلى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين حتى قال قتادة : ليس ثم والله مكيال ولا ميزان ، وفي بعض الحديث أنه لما نزلت : { والله يضاعف لمن يشاء } البقرة : 261 ، قال النبي عليه السلام : اللهم زد أمتي فنزلت بعد ذلك : { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } [ البقرة : 245 ] ، فقال : اللهم زد أمتي حتى أنزلت : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } فقال : رضيت يا رب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.