ثم كرم - سبحانه - أمهات المؤمنين بعد تكريمه لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ . . . } .
أى : لا يحل لك ، - أيها الرسول الكريم - أن تتزوج بنساء أخريات من بعد التسع اللائى فى عصمتك اليوم ، لأنهم قد اخترنك وآثرنك على زينة الحياة الدنيا ، ورضين عن طيب نفس أن يعشن معك وتحت رعايتك ، مهما كان فى حياتك معهن من شظف العيش ، والزهد فى متع الدنيا .
وقوله : { وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } معطوف على ما قبله .
أى : لا يحل لك الزواج بعد اليوم بغير من هن فى عصمتك ، كما لا يحل لك - أيضا - أن تطلق واحدة منهن وتتزوج بأخرى سواها ، حتى ولو أعجبك جمال من تريد زواجها من غير نسائك اللائى فى عصمتك عند نزول هذه الآية .
فالآية الكريمة قدا شتملت على حكمين : أحدهما : حرمة الزواج بغير التسع اللائى كن فى عصمته عند نزولهاز والثانى : حرمة تطليق واحدة منهن ، للزواج بأخرى بدلها .
وقوله : { بَعْدُ } ظرف مبنى على الضم لحذف المضاف اليه . أى : من بعد اليوم . و { أَزْوَاجٍ } مفعول به ، و { مِنْ } مزيدة لاستغراق الجنس . اى : ولا أنت بدل بهن أزواجا أخريات مهما كان شأن هؤلاء الأخريات .
وجملة : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } فى موضع الحال من الفاعل وهو الضمير فى { تَبَدَّلَ } . أى : لا يحل لك الزيادة عليهن ، ولا أن تتبدل بهن أزواجا غيرهن فى آية حالة من الأحوال ، حتى ولو فى حال إجابك بغيرهن ويصح أن تكون هذه الجملة شرطية ، وقد حذف جوابها لفهمه من الكلام ، ويكون المعنى : ولو أعجبك حسنهن لا يحل لك نكاحهن .
وقوله : { إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } استثناء من هذا الحكم . أى : لا يحل لك الزيادة عليهن ، ولا استبدال غيرهن بهن ، ولكن يحل لك ان تضيف اليهن ما شئت من النساء اللائى تملكهن عن طريق السبى .
وهذا الذى سرنا عليه من أن الآية الكريمة فى شأن أزواجه صلى الله عليه وسلم هو الذى سار عليه جمهور المفسرين .
قال ابن كثير : ذكر غير واحد من العلماء كابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغيرهم - أن هذه الآية الكريمة نزلت مجازاة لأزواج النبى صلى الله عليه وسلم ورضا الله عنهن على حسبن صنيعين ، فى اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، فلما اخترن رسول الله ، كان جزاؤهن أن قصره عليهن ، وحم عليه أن يتزوج بغيرهن ، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ، ولو أعجبه حسنهن ، إلا الإِماء والسرائر ، فلا حجر عليه فيهن .
ثم إنه - سبحانه - رفع عنه الحجر فى ذلك ، ونسخ حكم هذه الآية ، وأباح له التزوج ، ولكنه لم يقع منه بعد ذلك زواج لغيرهن ، لتكون المنة للرسول صلى الله عليه وسلم عليهن . روى الإِمام أحمد عن عائشة قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء .
ومن العلماء من يرى أن قوله - تعالى - { مِن بَعْدُ } المراد به : من بعد من أحللنا لك الزواج بهن ، وهن الأصناف الأربعة اللائى سبق الحديث عنهن فى قوله - تعالى - : { ياأيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ . . . } .
وهذا الرأى الثانى وإن كان أشمل من سابقه ، إلا أننا نرجح أن الآية الكريمة مسوقة لتكريم أمهات المؤمنين اللائى اخرنا لله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها .
هذا ، والنساء التسع اللائى حرم الله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم الزيادة عليهن ، والاستبدال بهن ، هن : عائشة بنت أبى بكر ، وحفصة بنت عمر ، وأم حبيبة بنت أبى سفيان ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة بنت أبى أمية ، وصفية بنت حيى بن أخطب ، وميمونة بنت الحارث ، وزينب بنت جحش ، وجويرية بنت الحارث .
ثم ختم - سبحانه - الاية الكريمة بقوله : { وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً } .
أى : وكان الله - تعالى - وما زال ، مطلعا على كل شئ من أحوالكم - أيها الناس - فاحذروا أن تتجاوزا ما حده الله - تعالى - لكم ، لأن هذا التجاوز يؤدى إلى عدم رضا الله - سبحانه - عنكم .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة ، قد ذكرت ألوانا متعددة من مظاهر تكريم الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم ومن توسعته عليه فى شأن أواجه ، وفى شأن ما أحله له من عدم التقيد فى القَسْم بينهن ، وفى تقديم أو تأخير من شاء منهن . .
كما أنها قد كرمت أمهات المؤمنين تكريما عظيما . لاختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها .
ذكر غير واحد من العلماء - كابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد ، وابن جرير ، وغيرهم - أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضًا عنهن ، على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم في الآية . فلما اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان جزاؤهن أن [ الله ]{[23694]} قَصَره عليهن ، وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن ، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ، ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حجر عليه فيهن . ثم إنه تعالى رفع عنه الحجر{[23695]} في ذلك ونسخ حكم هذه الآية ، وأباح له التزوج{[23696]} ، ولكن لم يقع منه بعد ذلك تَزَوّج لتكون المنة للرسول{[23697]} صلى الله عليه وسلم عليهن .
قال{[23698]} الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء{[23699]} .
ورواه أيضا من حديث ابن جُرَيْج ، عن عَطاء ، عن عبيد بن عمير{[23700]} ، عن عائشة . ورواه الترمذي والنسائي في سننيهما{[23701]} .
وقال{[23702]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة ، حدثني عمر بن أبي بكر ، حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي{[23703]} ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله{[23704]} ، عن عبد الله بن وهب بن زَمْعَة ، عن أم سلمة أنها قالت : لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلَّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء ، إلا ذات محرم ، وذلك قول الله ، عز وجل : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ } .
فجعلت هذه ناسخة للتي بعدها في التلاوة ، كآيتي عدة الوفاة في البقرة ، الأولى ناسخة للتي بعدها ، والله{[23705]} أعلم .
وقال آخرون : بل معنى الآية : { لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } أي : من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك ، وبنات العم والعمات{[23706]} والخال والخالات{[23707]} والواهبة وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك . هذا مرويّ عن أبي بن كعب ، ومجاهد ، وعِكْرِمة ، والضحاك - في رواية - وأبي رَزِين - في رواية عنه - وأبي صالح ، والحسن ، وقتادة - في رواية - والسدي ، وغيرهم .
قال ابن جرير : حدثنا يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، عن داود بن أبي هند ، حدثني محمد بن أبي موسى ، عن زياد - رجل من الأنصار{[23708]} - قال : قلت لأبي بن كعب : أرأيت لو أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تُوُفين ، أما كان له أن يتزوج ؟ فقال : وما يمنعه من ذلك ؟ قال : قلت : قوله : { لا يَحِلُّ {[23709]} لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } . فقال : إنما أحل الله له ضربا من النساء ، فقال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ } إلى قوله : { إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } ثم قيل له : { لا يَحِلُّ{[23710]} لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } .
ورواه عبد الله بن أحمد من طرق ، عن داود ، به{[23711]} . وروى الترمذي ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء ، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات بقوله : { لا يَحِلُّ {[23712]} لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } ، فأحل الله فتياتكم المؤمنات { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } ، وحرم كل ذات دين غير الإسلام ، ثم قال : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } و قال { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ }{[23713]} إلى قوله : { خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } ، وحرم ما سوى ذلك من أصناف النساء{[23714]} .
وقال مجاهد : { لا يَحِلُّ {[23715]} لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } أي : من بعد ما سمى لك ، لا{[23716]} مسلمة ولا يهودية ولا نصرانية ولا كافرة .
وقال أبو صالح : { لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ }{[23717]} : أمر ألا يتزوج أعرابية ولا غربية{[23718]} ، ويتزوج بعد من نساء تهامة ، وما شاء من بنات العم والعمة ، والخال والخالة ، إن شاء ثلاثمائة .
وقال عكرمة : { لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ }{[23719]} أي : التي سمى الله .
واختار ابن جرير ، رحمه الله ، أن الآية عامة فيمن ذكر من أصناف النساء ، وفي النساء اللواتي في عصمته وكن تسعا . وهذا الذي قاله جيد ، ولعله مراد كثير ممن حكينا عنه من السلف ؛ فإن كثيرا منهم روي عنه هذا وهذا ، ولا منافاة ، والله أعلم .
ثم أورد ابن جرير على نفسه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ، وعزم على فراق سودة حتى وهبته يومها لعائشة ، ثم أجاب بأن هذا كان قبل نزول قوله : { لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } ، وهذا الذي قاله من أن هذا كان قبل نزول الآية صحيح ، ولكن لا يحتاج إلى ذلك ؛ فإن الآية إنما دلت على أنه لا يتزوج بمن عدا اللواتي في عصمته ، وأنه لا يستبدل بهن غيرهن ، ولا يدل ذلك على أنه لا يطلق واحدة منهن من غير استبدال ، والله أعلم .
فأما قَضية سَوْدَة ففي الصحيح عن عائشة ، رضي الله عنها ، وهي سبب نزول قوله تعالى : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا [ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {[23720]} ] } الآية [ النساء : 128 ] {[23721]} .
وأما قضية{[23722]} حفصة فروى أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ، من طرق عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن صالح بن صالح بن حي{[23723]} عن سلمة أن بن كُهَيْل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها . وهذا إسناد{[23724]} قوي{[23725]} .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا يونس بن بُكَيْر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح {[23726]} ، عن ابن عمر قال : دخل عمر على حفصة وهي تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك ؟ إنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي ؛ والله لئن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا . ورجاله على شرط الصحيحين{[23727]} .
وقوله : { وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } ، فنهاه عن الزيادة عليهن ، أو طلاق واحدة منهن واستبدال غيرها بها إلا ما ملكت يمينه{[23728]} .
وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثا مناسبا ذكَرُه هاهنا ، فقال :
حدثنا إبراهيم بن نصر ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن إسحاق بن عبد الله{[23729]} القرَشي ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يَسَار{[23730]} عن أبي هُرَيرة ، رضي الله عنه ، قال : كان البَدلُ في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل : بادلني امرأتك وأبادلُك بامرأتي : أي : تنزل لي عن امرأتك ، وأنزل لك عن امرأتي . فأنزل الله : { وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } قال : فدخل عيينة بن حصن{[23731]} على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده عائشة ، فدخل بغير إذن ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأين الاستئذان ؟ " فقال يا رسول الله ، ما استأذنت على رجل من مُضَر منذ أدركت . ثم قال : من هذه الحُمَيْراء إلى جنبك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذه عائشة أم المؤمنين " . قال : أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق{[23732]} ؟ قال : " يا عيينة إن الله قد حرم ذلك " . فلما أن خرج قالت عائشة : مَنْ هذا ؟ قال : هذا أحمق مطاع ، وإنه على ما ترين لسيد قومه " .
ثم قال البزار إسحاق{[23733]} بن عبد الله : لين الحديث جدا ، وإنما ذكرناه لأنا لم نحفظه إلا من هذا الوجه ، وبينا العلة فيه{[23734]} .
هذه آية الحجاب ، وفيها أحكام وآداب شرعية ، وهي مما وافق تنزيلها قول{[23735]} عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال : وافقت ربي في ثلاث ، فقلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل الله : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [ البقرة : 125 ] . وقلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو حجبتهن ؟ فأنزل الله آية الحجاب . وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه في الغيرة : { عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ } [ التحريم : 5 ] ، فنزلت كذلك{[23736]} .
وفي رواية لمسلم ذكر أسارى بدر ، وهي قضية رابعة .
وقد قال{[23737]} البخاري : حدثنا مُسَدَّد ، عن يحيى ، عن حُمَيْد ، أن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ؟ فأنزل الله آية الحجاب{[23738]} .
وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، التي تولى الله تعالى تزويجها بنفسه ، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة ، في قول قتادة والواقدي وغيرهما .
وزعم أبو عُبَيدة معمر بن المثنى ، وخليفة بن خياط : أن ذلك كان في سنة ثلاث ، فالله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { لاّ يَحِلّ لَكَ النّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ إِلاّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ رّقِيباً } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ فقال بعضهم : معنى ذلك : لا يحلّ لك النساء من بعد نسائك اللاتي خيرتهنّ ، فاخترن الله ورسوله والدار الاَخرة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ . . . الاَية إلى رَقيبا قال : نُهيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوّج بعد نسائه الأُوَل شيئا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ . . . إلى قوله : إلاّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ قال : لما خيرهنّ ، فاخترن الله ورسوله والدار الاَخرة قصره عليهنّ ، فقال : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وهنّ التسع التي اخترن الله ورسوله .
وقال آخرون : إنما معنى ذلك : لا يحلّ لك النساء بعد التي أحللنا لك بقولنا يا أيهَا النبّيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ . . . إلى قوله اللاّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبِيّ . وكأنّ قائلي هذه المقالة وجهوا الكلام إلى أن معناه : لا يحلّ لك من النساء إلا التي أحللناها لك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن محمد بن أبي موسى ، عن زياد ، قالا لأبيّ بن كعب : هل كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم لو مات أزواجه أن يتزوّج ؟ قال : ما كان يحرم عليه ذلك فقرأت عليه هذه الاَية : يا أيّها النّبِيّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ قال : فقال : أحلّ له ضربا من النساء ، وحرّم عليه ما سواهنّ أحلّ له كل امرأة آتى أجرها ، وما ملكت يمينه مما أفاء الله عليه ، وبنات عمه وبنات عماته ، وبنات خاله وبنات خالاته ، وكل امرأة وهبت نفسها له إن أراد أن يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن محمد بن أبي موسى ، عن زياد الأنصاريّ قال : قلت لأُبيّ بن كعب : أرأيت لو مات نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أكان يحلّ له أن يتزوّج ؟ قال : وما يحرّم ذلك عليه ، قال : قلت قوله : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ قال : إنما أحلّ الله له ضربا من النساء .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن داود بن أبي هند ، قال : ثني محمد بن أبي موسى ، عن زياد ، رجل من الأنصار ، قال : قلت لأبيّ بن كعب : أرأيت لو أن أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم توفّينَ ، أما كان له أن يتزوّج ؟ فقال : وما يمنعه من ذلك ؟ وربما قال داود : وما يحرّم عليه ذلك ؟ قلت : قوله : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ فقال : إنما أحلّ الله له ضربا من النساء ، فقال : يا أيها النّبي إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ . . . إلى قوله : إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبيّ ثم قيل له : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عمن ذكره ، عن أبي صالح لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ قال : أمر أن لا يتزوّج أعرابية ولا غريبة ، ويتزوّج بعد من نساء تهامة ، ومن شاء من بنات العمّ والعمة ، والخال والخالة إن شاء ثلاث مئة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ هؤلاء التي سمى الله إلا بَنات عَمّكَ . . . الاَية .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ يعني : من بعد التسمية ، يقول : لا يحلّ لك امرأة إلا ابنة عمّ أو ابنة عمة ، أو ابنة خال أو ابنة خالة ، أو امرأة وهبت نفسها لك ، من كان منهنّ هاجر مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . وفي حرف ابن مسعود : «وَاللاّتي هاجَرْنَ مَعَكَ » يعني بذلك : كل شيء هاجر معه ليس من بنات العم والعمة ، ولا من بنات الخال والخالة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا يحلّ لك النساء من غير المسلمات فأما اليهوديات والنصرانيات والمشركات فحرام عليك . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ لا يهودية ، ولا نصرانية ، ولا كافرة .
وأولى الأقوال عندي بالصحة قول من قال : معنى ذلك : لا يحلّ لك النساء من بعد بعد اللواتي أحللتهن لك بقولي : إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاّتي آتَيْتَ أُجُورَهُنّ . . . . إلى قوله : وَامْرأةً مُؤْمنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنّبيّ .
وإنما قلت ذلك أولى بتأويل الاَية ، لأن قوله : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ عَقيب قوله : إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ وغير جائز أن يقول : قد أحللت لك هؤلاء ، ولا يحللن لك إلا بنسخ أحدهما صاحبه ، وعلى أن يكون وقت فرض إحدى الاَيتين ، فَعَلَ الأخرى منهما . فإذ كان ذلك كذلك ولا برهان ولا دلالة على نسخ حكم إحدى الاَيتين حكم الأخرى ، ولا تقدّم تنزيل إحداهما قبل صاحبتها ، وكان غير مستحيل مخرجهما على الصحة ، لم يجز أن يقال : إحداهما ناسخة الأخرى . وإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن لقول من قال : معنى ذلك : لا يحلّ من بعد المسلمات يهودية ولا نصرانية ولا كافرة ، معنى مفهوم ، إذ كان قوله مِنْ بَعْدُ إنما معناه : من بعد المسميات المتقدم ذكرهنّ في الاَية قبل هذه الاَية ، ولم يكن في الاَية المتقدم فيها ذكر المسميات بالتحليل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر إباحة المسلمات كلهنّ ، بل كان فيها ذكر أزواجه وملك يمينه الذي يفيء الله عليه ، وبنات عمه وبنات عماته ، وبنات خاله وبنات خالاته ، اللاتي هاجرن معه ، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ ، فتكون الكوافر مخصوصات بالتحريم ، صحّ ما قلنا في ذلك ، دون قول من خالف قولنا فيه .
واختلفت القراء في قراءة قوله لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة يحِلّ بالياء ، بمعنى : لا يحلّ لك شيء من النساء بعد . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة : «لا تَحِلّ لَكَ النّساءُ » بالتاء ، توجيها منه إلى أنه فعل للنساء ، والنساء جمع للكثير منهن .
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأه بالياء للعلة التي ذكرت لهم ، ولإجماع الحجة من القرّاء على القراءة بها ، وشذوذ من خالفهم في ذلك .
وقوله : وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : لا يحلّ لك النساء من بعد المسلمات ، لا يهودية ولا نصرانية ولا كافرة ، ولا أن تبدّل بالمسلمات غيرهنّ من الكوافر . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ ولا أن تبدّل بالمسلمات غيرهنّ من النصارى واليهود والمشركين وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ إلاّ ما مَلَكَتْ يَمينُكَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزين ، في قوله : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ إلاّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ قال : لا يحلّ لك أن تتزوّج من المشركات إلا من سبيت فملكته يمينك منهنّ .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا أن تبدّل بأزواجك اللواتي هنّ في حبالك أزواجا غيرهنّ ، بأن تطلقهنّ ، وتنكح غيرهنّ . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ يقول : لا يصلح لك أن تطلق شيئا من أزواجك ليس يعجبك ، فلم يكن يصلح ذلك له .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا أن تبادل من أزواجك غيرك ، بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ قال : كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بأزواجهم . يعطي هذا امرأته هذا ويأخذ امرأته ، فقال : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ وَلَوْ أعْجَبَكَ حُسْنُهُنّ إلاّ ما مَلَكَتْ يَمِينكَ لا بأس أن تبادل بجاريتك ما شئت أن تبادل ، فأما الحرائر فلا قال : وكان ذلك من أعمالهم في الجاهلية .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معنى ذلك : ولا أن تطلق أزواجك فتستبدل بهنّ غيرهنّ أزواجا .
وأنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لما قد بيننا قبل من أن قول الذي قال معنى قوله : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ لا يحلّ لك اليهودية أو النصرانية والكافرة ، قول لا وجه له .
فإذ كان ذلك كذلك فكذلك قوله : وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ كافرة لا معنى له ، إذ كان من المسلمات من قد حرم عليه بقوله لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ الذي دللنا عليه قبل . وأما الذي قاله ابن زيد في ذلك أيضا ، فقول لا معنى له ، لأنه لو كان بمعنى المبادلة ، لكانت القراءة والتنزيل : ولا أن تبادل بهنّ من أزواج ، أو : ولا أن تُبدّل بهنّ بضمّ التاء ولكن القراءة المجمع عليها . ولا أن تبدّل بهنّ ، بفتح التاء ، بمعنى : ولا أن تستبدل بهنّ ، مع أنّ الذي ذكر ابن زيد من فعل الجاهلية غير معروف في أمة نعلمه من الأمم : أن يُبادل الرجل آخر بامرأته الحرّة ، فيقال : كان ذلك من فعلهم ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فعل مثله .
فإن قال قائل : أفلم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوّج امرأة على نسائه اللواتي كنّ عنده ، فيكون موجها تأويل قوله : وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ مِنْ أزْوَاجٍ إلى ما تأوّلت ، أو قال : وأين ذكر أزواجه اللواتي كنّ عنده في هذا الموضع ، فتكون الهاء من قوله : وَلا أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ من ذكرهن وتوهم أن الهاء في ذلك عائدة على النساء ، في قوله : لا يَحِلّ لَكَ النّساءُ مِنْ بَعْدُ ؟ قيل : قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوّج من شاء من النساء اللواتي كان الله أحلهنّ له على نسائه اللاتي كن عنده يوم نزلت هذه الاَية ، وإنما نُهي صلى الله عليه وسلم بهذه الاَية أن يفارق من كان عنده بطلاق أراد به استبدال غيرها بها ، لإعجاب حسن المستبدلة له بها إياه إذ كان الله قد جعلهنّ أمّهات المؤمنين وخيرهن بين الحياة الدنيا والدار الاَخرة ، والرضا بالله ورسوله ، فاخترن الله ورسوله والدار الاَخرة ، فحرمن على غيره بذلك ، ومنع من فراقهنّ بطلاق فأما نكاح غيرهنّ فلم يمنع منه ، بل أحلّ الله له ذلك على ما بين في كتابه . وقد رُوي عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقبض حتى أحلّ الله له نساء أهل الأرض .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء ، عن عائشة قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ له النساء تعني أهل الأرض .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن عائشة ، قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ له النساء .
حدثنا العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا معلى ، قال : حدثنا وهيب ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير الليثي ، عن عائشة قالت : ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ له أن يتزوّج من النساء ما شاء .
حدثني أبو زيد عمر بن شبة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء ، قال : أحسب عبيد بن عمير ، حدثني ، قال أبو زيد ، وقال أبو عاصم مرّة ، عن عائشة ، قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ الله له النساء . قال : وقال أبو الزبير : شهدت رجلاً يحدّثه عطاء .
حدثنا أحمد بن منصور ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا همام ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء عن عبيد بن عمير ، عن عائشة ، قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ له النساء .
فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت من أن الله حرّم على نبيه بهذه الاَية طلاق نسائه اللواتي خيرهنّ فاخترنه ، فما وجه الخبر الذي رُوي عنه أنه طلق حفصة ثم راجعها ، وأنه أراد طلاق سودة حتى صالحته على ترك طلاقه إياها ، ووهبت يومها لعائشة ؟ قيل : كان ذلك قبل نزول هذه الاَية .
والدليل على صحة ما قلنا ، من أن ذلك كان قبل تحريم الله على نبيه طلاقهن ، الرواية الواردة أن عمر دخل على حفصة معاقبَها حين اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، كان من قيله لها : قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك ، فكلمته فراجعك ، فوالله لئن طلّقك ، أو لو كان طلّقك لا كلّمته فيك وذلك لا شك قبل نزول آية التخيير ، لأن آية التخيير إنما نزلت حين انقضى وقت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على اعتزالهنّ .
وأما أمر الدلالة على أن أمر سَوْدة كان قبل نزول هذه الاَية ، أن الله إنما أمر نبيه بتخيير نسائه بين فراقه والمُقام معه على الرضا بأن لا قَسْم لهن ، وأنه يُرْجِي من يشاء منهنّ ، ويُؤْوي منهنّ من يشاء ، ويُؤْثر من شاء منهنّ على من شاء ، ولذلك قال له تعالى ذكره : وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلكَ أدْنَى أنْ تَقَرّ أعْيُنُهُنّ وَلا يَحْزَنّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنّ كُلّهُنّ ، ومن المحال أن يكون الصلح بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم جرى على تركها يومها لعائشة في حالِ لا يومَ لها منه .
وغير جائز أن يكون كان ذلك منها إلا في حالِ كان لها منه يومٌ هوَ لها حقّ كان واجبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أداؤه إليها ، ولم يكن ذلك لهنّ بعد التخيير لما قد وصفت قبل فيما مضى من كتابنا هذا .
فتأويل الكلام : لا يحلّ لك يا محمد النساء من بعد اللواتي أحللتهنّ لك في الاَية قبلُ ، ولا أن تُطَلق نساءك اللواتي اخترن الله ورسوله والدار الاَخرة ، فتبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسن من أردت أن تبدّل به منهنّ ، إلا ما ملكت يمينك . وأن في قوله أنْ تَبَدّلَ بِهِنّ رفع ، لأن معناها : لا يحلّ لك النساء من بعد ، ولا الاستبدال بأزواجك ، وإلا في قوله : إلاّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ استثناء من النساء . ومعنى ذلك : لا يحلّ لك النساء من بعد اللواتي أحللتهنّ لك ، إلا ما ملكت يمينك من الإماء ، فإن لك أن تَمْلك من أيّ أجناس الناس شئت من الإماء .
وقوله : وكان اللّهُ على كُلّ شَيْءٍ رَقِيبا يقول : وكان الله على كل شيء ما أحلّ لك ، وحرّم عليك ، وغير ذلك من الأشياء كلها ، حفيظا لا يعزُب عنه علم شيء من ذلك ، ولا يؤوده حفظ ذلك كله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وكانَ اللّهُ على كُلّ شَيْءٍ رَقِيبا : أي حفيظا ، في قول الحسن وقَتادة .