وقوله - تعالى - : { مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى . . } يرى كثير من العلماء أنه وارد على سبيل الاستئناف الابتدائى ، وأنه سيق لبيان حكم شرعى جديد ، يختلف عن الحمك الذى أوردته الآية السابقة على هذه الآية . . .
إذ أن الاية السابقة ، واردة فى حكم أحوال بنى النضير بصفة خاصة ، وهذه فى حكم الفىء بعد ذلك بصفة عامة .
وعليه يكون المعنى : لقد بينت لكم - أيها المؤمنون - حكم أموال بنى النضير ، وهى أنها لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث شاء .
أما ما أفاءه الله - تعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أموال أهل القرى الأخرى ، كقريظة وفدك وغيرهما فحكم هذا الفىء أنه يقسم إلى خمسة أقسام :
قسم للرسول - صلى الله عليه وسلم - ينفق منه على نفسه وأهله وما تبقى منه يكون فى مصالح المسلمين .
وقسم لأقاربه - صلى الله عليه وسلم - وهم : بنو هاشم وبنو المطلب .
وقسم لليتامى : وهم أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم عنهم قبل أن يبلغوا .
وقسم للمساكين : وهم الذين ليس لهم مال يكفيهم ضررويات الحياة .
وقسم لأبناء السبيل : وهم المسافرون المنقطعون عن مالهم فى سفرهم ، ولو كانوا أغنياء فى بلدهم .
وقد رجح الإمام ابن جرير هذا الرأى ، فقال بعد استعراضه للأقوال : والصواب من القول فى ذلك عندى أن هذه الآية حكمها غير حكم الآية التى قبلها وذلك أن الآية التى قبلها ، مال جعله الله - عز وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون غيره . لم يجعل فيه لأحد نصيبا .
فإذا كانت هذه الآية التى قبلها مضت ، وذكر المال الذى خص الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يجعل لأحد منه شيئا ، وكانت هذه الآية خبرا عن المال الذى جعله الله لأصناف شتى ، كان معلوما بذلك أن المال الذى جعله لأصناف من خلقه .
غير المال الذى جعله للنبى - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية ما مخلصه : قوله - تعالى - : { مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى . . } بيان لحكم ما أفاءه الله على رسوله من قرى الكفار على العموم ، بعد بيان حكم ما أفاءه من بنى النضير .
فالجملة جواب سؤال مقدر ناشىء مما فهم من الكلام السابق ، فكأن قائلا يقول : قد علمنا حكم ما أفاءه الله - تعالى - من بنى النضير ، فما حكم ما أفاء الله - عز وجل - من غيرهم ؟
فقيل : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى . . . ولذا لم يعطف على ما تقدم ، ولم يذكر فى الآية قيد الإيجاف ولا عدمه . . .
وسهمه - سبحانه - وسهم رسوله واحد ، وذكره - تعالى - : افتتاح كلام للتيمن والتبرك . فإن لله ما فى السموات وما فى الأرض ، وفيه تعظيم لشأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وأهل القرى المذكورون فى الآية هم : أهل الصفراء ، وينبع ، ووادى القرى ، وما هنالك من قرى العرب ، التى تسمى قرى عرينة ، وحكمها مخالف لحكم أموال بنى النضير .
ومن العلماء من يرى أن الآية التى معنا ، بمنزلة البيان والتفسير للآية التى قبلها ، لأن الآية الأولى لم تبين المستحقين للفىء الذى أفاءه الله - تعالى - على رسوله من أموال بنى النضير ، فجاءت الآية الثانية وبينت المستحقين له .
وعلى رأس المفسرين الذين قالوا بهذا الرأى صاحب الكشاف ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية : لم يدخل - سبحانه - العاطف على هذه الجملة - وهى قوله : { مَّآ أَفَآءَ . . . } - لأنها بيان للأولى ، فهى منها غير أجنبية عنها . بين لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ما يصنع بما أفاءه الله عليه ، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم ، مقسوما على الأقسام الخمسة .
وقال الإمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى } : أى جميع البلدان التى تفتح هكذا ، فحكمها حكم أموال بنى النضير ، ولهذا قال : { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } . فهذه مصارف أموال الفىء ووجوهه .
ومن هذا نرى أن أصحاب الرأى الأول ، يقولون : إن الآيتين فى حكمين مختلفين ، لأن الآية الأولى فى بيان حكم أموال بنى النضير ، وأن الله - تعالى - قد جعلها للرسول - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث يشاء ، وأما الآية الثانية فهى فى حكم أموال القرى الأخرى التى أفاءها الله - تعالى - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن الله - تعالى - قد حدد له وجوه صرفها ، فقال : { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى .
وأما أصحاب الرأى الثانى فيرون أن الآية الثانية مفصلة لما أجملته الآية الأولى ، وأن كل فىء يقسم بالطريقة التى بينتها الآية الثانية .
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأن الثابت فى السنة الصحيحة : أن أموال بنى النضير ، لم يخمسها - صلى الله عليه وسلم - بل كانت له خاصة ، يوزعها كما يشاء ، وقد آثر بها المهاجرين ، وقسمها عليهم : ولم يعط الأنصار منها شيئا سوى ثلاثة رجال منهم ، كانت بهم حاجة فأعطاهم ، وبذلك نرى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتقيد فى التوزيع لهذه الأموال ، بمن ورد ذكرهم فى الآية الثانية .
وما دام الأمر كذلك ، فلا حاجة إلى القول بأن الآية الثانية ، ببيان وتفصيل للآية الأولى .
هذا وهناك أقوال أخرى فى معنى هذه الآية ، مبسوطة فى كتب الفقه والتفسير ، فليرجع إليها من شاء المزيد من الأحكام الفقهية .
وقوله - سبحانه - : { كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ . . } بيان لحكمة هذا التشريع الذى شرعه - سبحانه - بالنسبة للأموال التى أتت عن طريق الفىء . . . والضمير المستتر فى قوله : { يَكُونَ } للفىء .
و " الدُّولة " بضم الدال المشددة اسم لما يتداوله الناس فيما بينهم من أموال ، فيكون فى يد هذا تارة ، وفى يد ذاك تارة أخرى .
والدَّولة - بفتح الدال المشددة - اسم للنوبة من الظفر والنصر فى الحرب وغيرها .
يقال : لفلان على فلان دولة ، أى : غلبة ونصر .
وبعضهم يرى أن الدولة - بالضم والفتح - بمعنى واحد ، وهو ما يدور ويدول للإنسان من الغنى والنصر .
والمعنى : شرعنا لكم هذه الأحكام المتعلقة بتقسيم الفىء ، كى لا يكون المال الناجم عنه ، متداولا بين أيدى أغنيائكم دون فقرائكم .
والمقصود بهذه الجملة الكريمة ، إبطال ما كان شائعا فى الجاهلية ، من استئثار قواد الجيوش ، ورؤساء القبائل ، بالكثير من الغنائم دون غيرهم ممن اشترك معهم فى الحروب ، كما قال أحد الشعراء ، لأحد الرؤساء أو القادة :
لك المِربَاع منها والصفايا . . . وحُكْمُك والنَّشيِطةُ والفُضُول
أى : لك - أيها القائد وحدك - من الغنيمة ربعها ، والصفايا أى : والنفيس منها ، ولك - أيضا ما تحكم به على العدو ، ولك النشيطة ، وهى ما يصيبه الجيش من العدو قبل الحرب ، ولك - كذلك - الفضول ، أى : ما يبقى بعد قسمة الغنائم .
وقد أبطل الإسلام كل ذلك ، حيث جعل مصارف الفىء ، تعود إلى المسلمين جميعا ، بطريقة عادلة ، بينها - سبحانه - فى هذه الآية وفى غيرها . .
قال بعض العلماء : والجدير بالذكر هنا : أن دعاة المذاهب الاقتصادية الفاسدة ، يحتجون بهذه الآية على مذهبهم الفاسد ، ويقولون : ويجوز للدولة أن تستولى على مصادر الإنتاج ورءوس الأموال ، لتعطيها أو تشرك فيها الفقراء ، وما يسمونهم طبقة العمال ، وهذا على ما فيه من كساد اقتصادى ، وفساد اجتماعى ، قد ثبت خطؤه وظهر بطلانه مجانبا لحقيقة الاستدلال .
لأن هذا المال ترك لمرافق المسلمين العامة ، من الإنفاق على المجاهدين ، وتأمين الغزاة فى الحدود والثغور ، وليس يعطى للأفراد كما يقولون ، ثم - هو أساسا - مال جاء غنيمة للمسملين ، وليس نتيجة كدح الفرد وكسبه الحلال .
ولما كان مال الغنيمة ليس ملكا لشخص ، ولا هو - أيضا - كسب لشخص معين ، تحقق فيه العموم فى مصدره ، وهو الغنيمة ، والعموم فى مصرفه و عموم مصالح الأمة ، ولا دخل ولا وجود للفرد فيه ، فشتان بين هذا الأصل فى التشريع ، وهذا الفرع فى التضليل .
ثم أمر - سبحانه - المسلمين أن يمتثلوا أمر رسولهم - صلى الله عليه وسلم - امتثالا تاما ، فقال : { وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب } .
وقوله : { آتَاكُمُ } من الإتيان ، والمقصود به هنا ما جاءهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من هدايات وتشريعات ، وآداب . ويدخل فى ذلك دخولا أوليا قسمته لفىء بنى النضير بين المهاجرين ، دون الأنصار .
أى : ما أمركم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفعله - أيها المؤمنون - فافعلوه ، وما نهاكم عن فعله فاجتنبوه ، واتقوا الله فى كل أحوالكم ، فإنه - سبحانه - شديد العقاب لمن خالف أمره . ومنهم من جعل { آتَاكُمُ } هنا بمعنى أعطاكم من الفىء ، وجعل { نَهَاكُمْ } بمعنى نهاكم عن الأخذ منه ، وكأن صاحب هذا الرأى يستعين على ما ذهب إليه بفحوى المقام .
قال صاحب الكشاف : قوله : { وَمَآ آتَاكُمُ الرسول } من قسمة غنيمة أو فىء فخذوه وما نهاكم عنه ، أى : عن أخذه منه { فانتهوا } عنه .
والأجود أن يكون - الأمر والنهى - عاما فى كل ما آتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهى عنه ، أمر الفىء داخل فى عمومه .
وقال الإمام ابن كثير : وقوله - تعالى - : { وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا } ؟ قالت : بلى .
قال : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه . قالت : إنى لأظن أهلك يفعلونه ! !
قال : اذهبى فانظرى ، فذهبت فلم تر من حاجتها شيئا . فجاءت فقالت : ما رأيت شيئا . قال : لو كان كذا لم تجامعنا .
وقال بعض العلماء وفى الآية دليل على وجوب الآخذ بالسنن الصحيحة فى كل الأمور .
وعن أبى رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدرى ! ! ما وجدنا فى كتاب الله اتبعناه . . " .
وهذا الحديث من أعلام النبوة ، فقد وقع ذلك بعدُ من الجاهلين بكتاب الله ، وبمنصب الرسالة ، ومن الزنادقة الصادين عن سبيل الله . .
ثم قال : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } أي : جميع البلدان التي تُفتَح هكذا ، فحكمها حكم أموال بني النضير ؛ ولهذا قال :{ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } إلى آخرها والتي بعدها . فهذه مصارفُ أموال الفيء ووجوهه .
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو ومَعْمَر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان ، عن عمر ، رضي الله عنه ، قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله إلى رسوله مما لم يُوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة{[28539]} فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته{[28540]} - وقال مَرّة : قوت{[28541]} سنته - وما بقي جعله في الكُرَاع والسلاح في سبيل الله ، عز وجل ، هكذا أخرجه أحمد هاهنا مختصرًا ، وقد أخرجه الجماعة في كتبهم - إلا ابن ماجة - من حديث سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن الزهري ، به{[28542]} وقد رويناه مطولا فقال أبو داود ، رحمه الله :
حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس - المعنى واحد - قالا حدثنا بشرِ بن عُمَر الزهراني ، حدثني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس قال : أرسل إلىَّ عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، حين تعالى النهار ، فجئته فوجدته جالسًا على سرير مُفضيًا إلى رُماله ، فقال حين دخلت عليه : يا مال ، إنه قد دَفّ أهل أبيات{[28543]} من قومك ، وقد أمرت فيهم بشيء ، فاقسم فيهم . قلت : لو أمرتَ غيري بذلك ؟ فقال : خذه ، فجاءه {[28544]} يرفأ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ؟ فقال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، ثم جاءه يرفا فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في العباس وعلي ؟ قال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، فقال العباس : يا أمير المؤمنين ، اقض بيني وبين هذا - يعني : عليًا - فقال بعضهم : أجل يا أمير المؤمنين ، اقض بينهما وأرحهما . قال مالك بن أوس : خُيّل إليَّ أنهما قَدّما أولئك النفر لذلك . فقال عمر ، رضي الله عنه : اتئدا ، ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نُورَث ، ما تركنا صدقة ) . قالوا : نعم ، ثم أقبل على عليّ والعباس فقال : أنشدُكُما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نورث ، ما تركنا صدقة ) ، فقالا نعم . فقال : فإن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أحدًا من الناس ، فقال :{ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فكان الله أفاء إلى رسوله أموال بني النضير ، فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أحرزها دونكم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقة سنة - أو : نفقته ونفقة أهله سنة - ويجعل ما بقي أسوة المال . ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم . ثم أقبل على عليٍّ والعباس فقال : أنشدُكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمان ذلك ؟ قالا نعم . فلما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر : ( أنا وليّ رسول الله ) ، فجئت أنتَ وهذا إلى أبي بكر ، تطلب أنت ميراثك عن ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا نورث ، ما تركنا صدقة ) ، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق . فوليها أبو بكر ، فلما توفي قلتُ : أنا وَلِيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليّ أبي بكر ، فَوليتها ما شاء الله أن أليها ، فجئت أنت وهذا ، وأنتما جَميع وأمركما واحد ، فسألتمانيها ، فقلت : إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على أنّ عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يليها ، فأخذتماها مني على ذلك ، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك . والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عَجَزتُما عنها فَرُدّاها إلي .
أخرجوه من حديث الزهري ، به{[28545]} . وقال الإمام أحمد :
حدثنا عارم وعفان قالا حدثنا معتمر ، سمعت أبي يقول : حدثنا أنس بن مالك ، عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات ، أو كما شاء الله ، حتى فُتحَت عليه قريظة والنضير . قال : فجعل يَرُدّ بعد ذلك ، قال : وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه ، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أمّ أيمن ، أو كما شاء الله ، قال : فسألتُ النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن ، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوبَ في عنقي وجعلت تقول : كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يُعطيكَهُنّ وقد أعطانيهن ، أو كما قالت ، فقال نبي الله : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول :
كلا والله ، قال ويقول : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول : كلا والله . قال : " ويقول : لك كذا وكذا " . قال : حتى أعطاها ، حسبت أنه قال : عشرة أمثال أو قال قريبًا من عشرة أمثاله ، أو كما قال . رواه البخاري ومسلم من طُرُق عن معتمر ، به{[28546]} .
وهذه المصارف المذكورة في هذه الآية هي المصارف المذكورة في خُمس الغَنيمة . وقد قدمنا الكلام عليها في سورة " الأنفال " بما أغنى عن إعادته هاهنا ، ولله الحمد{[28547]} .
وقوله : { كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } أي : جعلنا هذه المصارف لمال الفيء لئلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها ، بمحض الشهوات والآراء ، ولا يصرفون منه شيئًا إلى الفقراء .
وقوله : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } أي : مهما أمركم به فافعلوه ، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ، فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن العوفي ، عن يحيى بن الجزار ، عن مسروق قال : جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت : بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة ، أشيء وجدته في كتاب الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بلى ، شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول ! . قال : فما وجدت فيه : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ؟ قالت : بلى . قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة . قالت : فلعله في بعض أهلك . قال : فادخلي فانظري . فدخلت فَنَظرت ثم خرجَت ، قالت : ما رأيتُ بأسا ، فقال لها : أما حفظت وصية العبد الصالح : { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، [ عن إبراهيم ]{[28548]} عن علقمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمُتفَلجات للحُسْن ، المغيرات خلق الله ، عز وجل . قال : فبلغ امرأة في البيت يقال لها : " أم يعقوب " ، فجاءت إليه فقالت : بلغني أنك قلت كيتَ وكيتَ . قال : ما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وفي كتاب الله . فقالت : إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته . فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه . أما قرأت : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ؟ قالت : بلى . قال : فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه . قالت : [ إني ]{[28549]} لأظن أهلك يفعلونه . قال : اذهبي فانظري .
فذهَبت فلم تر من حاجتها شيئا ، فجاءت فقالت : ما رأيتُ شيئًا . قال : لو كانت كذلك لم تُجَامعنا . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث سفيان الثوري{[28550]} .
وقد ثبت في الصحيحين أيضًا عن أبي هُرَيرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " . {[28551]} .
وقال النسائي : أخبرنا أحمد بن سعيد ، حدثنا يزيد ، حدثنا منصور بن حيان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عُمَر وابن عباس : أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن الدُّباء والحَنْتَم والنَّقير والمزَفَّت ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } {[28552]} .
وقوله : { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي : اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره ؛ فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه ، وارتكب ما عنه زجره ونهاه .
القول في تأويل قوله تعالى : { مّآ أَفَآءَ اللّهُ عَلَىَ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىَ فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .
يعني بقوله جلّ ثناؤه : ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى الذي ردّ الله عزّ وجلّ على رسوله من أموال مشركي القرى .
واختلف أهل العلم في الذي عني بهذه الآية من الألوان ، فقال بعضهم : عني بذلك الجزية والخراج .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة بن خالد ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : { إنّمَا الصّدَقاتُ للْفُقَرَاءِ وَالمَساكِينِ }حتى بلغ { عَلِيمٌ حَكِيمٌ }ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قال : { وَاعْلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فأنّ لِلّهِ خُمْسَهُ وللرّسُول وَلِذِي القُرْبَى . . . }الآية ، ثم قال : هذه الآية لهؤلاء ، ثم قرأ : { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى }حتى بلغ { للْفُقَراءِ والّذِينَ تَبَوّءوا الدّارَ والّذِينَ جاءوا مِنْ بَعْدِهُمْ }ثم قال : استوعبت هذه الآية المسلمين عامة ، فليس أحد إلا له حق ، ثم قال : لئن عشت ليأتين الراعي وهو يسير حُمُرَه نصيبُه ، لم يعرق فيها جبينه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، قال : حدثنا معمر في قوله : { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى } حتى بلغني أنها الجزية ، والخراج : خَراج أهل القرى .
وقال آخرون : عني بذلك الغنيمة التي يصيبها المسلمون من عدوّهم من أهل الحرب بالقتال عنوة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن رومان { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ }ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب ، وفتح بالحرب عنوة ، { فَلِلّهِ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى والْيَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ كَيْلا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرّسُولَ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْه فانْتَهُوا } قال : هذا قسم آخر فِيما أصيب بالحرب بين المسلمين على ما وضعه الله عليه .
وقال آخرون : عني بذلك الغنيمة التي أوجف عليها المسلمون بالخيل والركاب ، وأخذت بالغلبة ، وقالوا كانت الغنائم في بدوّ الإسلام لهؤلاء الذين سماهم الله في هذه الاَيات دون المرجفين عليها ، ثم نسخ ذلك بالآية التي في سورة الأنفال . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلّهِ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى والْيَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ }قال : كان الفيء في هؤلاء ، ثم نسخ ذلك في سورة الأنفال ، فقال : { وَاعْلَمُوا أنّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فأنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وللرّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى والْيَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ }فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الأنفال ، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في سورة الحشر ، وكانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس ، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس ، فخمس لله وللرسول ، وخمس لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، وخمس لليتامى ، وخمس للمساكين ، وخمس لابن السبيل فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما هذين السهمين : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسهم قرابته ، فحملا عليه في سبيل الله صدقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : عني بذلك : ما صالح عليه أهل الحرب المسلمين من أموالهم ، وقالوا قوله { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِه مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلّهِ وللرّسُولِ . . . }الاَيات ، بيان قسم المال الذي ذكره الله في الآية التي قبل هذه الآية ، وذلك قوله : { ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِه مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلا رِكاب }وهذا قول كان يقوله بعض المتفقهة من المتأخرين .
والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الآية حكمها غير حكم الآية التي قبلها ، وذلك أن الآية التي قبلها مال جعله الله عزّ وجلّ لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيره ، لم يجعل فيه لأحد نصيبا ، وبذلك جاء الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : أرسل إليّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فدخلت عليه ، فقال : إنه قد حضر أهل أبيات من قومك وإنا قد أمرنا لهم برضخ ، فاقسمه بينهم ، فقلت : يا أمير المؤمنين مر بذلك غيري ، قال : اقبضه أيها المرء فبينا أنا كذلك ، إذ جاء يرفأ مولاه ، فقال : عبد الرحمن بن عوف ، والزبير ، وعثمان ، وسعد يستأذنون ، فقال : ائذن لهم ثم مكث ساعة ، ثم جاء فقال : هذا عليّ والعباس يستأذنان ، فقال : ائذن لهما فلما دخل العباس قال : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الغادر الخائن الفاجر ، وهما جاءا يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من أعمال بني النضير ، فقال القوم : اقض بينهما يا أمير المؤمنين ، وأرح كلّ واحد منهما من صاحبه ، فقد طالت خصومتهما ، فقال : أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السموات والأرض ، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا نُورَثُ ما تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ » قالوا : قد قال ذلك ثم قال لهما : أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك ؟ قالا : نعم قال : فسأخبركم بهذا الفيء إن الله خصّ نبيه صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعطه غيره ، فقال : { وَما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلا رِكاب }فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، فوالله ما احتازها دونكم ، ولا استأثر بها دونكم ، ولقد قسمها عليكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله منه سنتهم ، ثم يجعل ما بقي في مال الله .
فإذَا كانت هذه الآية التي قبلها مضت ، وذكر المال الذي خصّ الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يجعل لأحد معه شيئا ، وكانت هذه الآية خبرا عن المال الذي جعله الله لأصناف شتى ، كان معلوما بذلك أن المال الذي جعله لأصناف من خلقه غير المال الذي جعله للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة ، ولم يجعل له شريكا .
وقوله : { وَلِذي القُرْبى }يقول : ولذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب واليتامى ، وهم أهل الحاجة من أطفال المسلمين الذين لا مال لهم والمساكين : وهم الجامعون فاقة وذلّ المسئلة وابن السبيل : وهم المنقطع بهم من المسافرين في غير معصية الله عزّ وجلّ .
وقد ذكرنا الرواية التي جاءت عن أهل التأويل بتأويل ذلك فيما مضى من كتابنا .
وقوله : { كَيْلا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأغْنِياءِ مِنْكُمْ }يقول جلّ ثناؤه . وجعلنا ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى لهذه الأصناف ، كيلا يكون ذلك الفيء دُولة يتداوله الأغنياء منكم بينهم ، يصرفه هذا مرّة في حاجات نفسه ، وهذا مرّة في أبواب البرّ وسُبُل الخير ، فيجعلون ذلك حيث شاءوا ، ولكننا سننا فيه سنة لا تُغير ولا تُبدّل .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر القارىء كَيْلا يَكُونَ دُولَةً نصبا على ما وصفت من المعنى ، وأن في يكون ذكر الفيء . وقوله : دُولَةً نصب خبر يكون ، وقر ذلك أبو جعفر القارىء : «كَيْلا يَكُونَ دُولَةٌ » على رفع الدولة مرفوعة بيكون ، والخبر قوله : بين الأغنياء منكم وبضمّ الدال من دُولة قرأ جميع قرّاء الأمصار ، غير أنه حُكي عن أبي عبد الرحمن الفتح فيها .
وقد اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك ، إذا ضمت الدال أو فُتحت ، فقال بعض الكوفيين : معنى ذلك : إذا فتحت الدولة وتكون للجيش يهزم هذا هذا ، ثم يهزم الهازم ، فيقال : قد رجعت الدولة على هؤلاء قال : والدولة برفع الدال في الملك والسنين التي تغير وتبدّل على الدهر ، فتلك الدولة والدول . وقال بعضهم : فرق ما بين الضمّ والفتح أن الدولة : هي اسم الشيء الذي يتداول بعينه ، والدولة الفعل .
والقراءة التي لا أستجيز غيرها في ذلك : كَيْلا يَكْونَ بالياء دُولَةً بضم الدال ونصب الدولة على المعنى الذي ذكرت في ذلك لإجماع الحجة عليه ، والفرق بين الدّولة والدّولة بضم الدال وفتحها ما ذكرت عن الكوفيّ في ذلك .
وقوله : { وَما آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ }يقول تعالى ذكره : وما أعطاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء عليه من أهل القرى فخذوه ، { وَما نهاكُمْ عَنْهُ }من الغَلول وغيره من الأمور { فانْتَهُوا } ، وكان بعض أهل العلم يقول نحو قولنا في ذلك غير أنه كان يوجه معنى قوله { وَمَا آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ }إلى ما آتاكم من الغنائم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله : { وَمَا آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فانْتَهُوا } ، قال : يؤتيهم الغنائم ويمنعهم الغلول .
وقوله : { وَاتّقُوا اللّهَ } يقول : وخافوا الله ، واحذروا عقابه في خلافكم على رسوله بالتقدّم على ما نهاكم عنه ، ومعصيتكم إياه ، { إنّ الله شَدِيدُ العِقابِ } يقول : إن الله شديد عقابه لمن عاقبه من أهل معصيته لرسوله صلى الله عليه وسلم .