ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك أدلة أخرى على وحدانيته وقدرته ، وبين ما أعده للكافرين من عذاب ، بسبب إصرارهم على كفرهم . . فقال - تعالى - :
{ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ . . . }
قال الإِمام الرازى : اعلم أن هذا هو الدليل الثانى على كونه - تعالى - قادرا عالما ، وذلك لأن هذه الكواكب نظرا إلى أنها محدثة ومختصة بمقدار معين ، وموضع خاص ، وسير معين ، تدل على أن صانعها قادر .
ونظرا إلى كونها محكمة متقنة موافقة لمصالح العباد ، ومن كونها زينة لأهل الدنيا ، وسببا لانتفاعهم بها ، تدل على أن صانعها عالم .
ونظير هذه الآية قوله - تعالى - فى سورة الصافات : { إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب . وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } وقوله : { زَيَّنَّا } من التزيين بمعنى التحسين والتجميل . و { الدنيا } صيغة تفضيل من الدنو بمعنى القرب .
والمصابيح : جمع مصباح وهو السراج المضئ . والمراد بها النجوم . وسميت بالمصابيح على التشبيه بها فى حسن المنظر ، وفى الإضاءة ليلا . .
والرجوم : جمع رَجْم ، وهو فى الأصل مصدر رَجَمه رَجْماً - من باب نصر - إذا رماه بالرِّجام أي : بالحجارة ، فهو اسم لما يُرْجَم به ، أي : ما يَرْمِي به الرامي غيره من حجر ونحوه ، تسمية للمفعول بالمصدر ، مثل الخَلْق بمعنى المخلوق .
وصدرت الآية الكريمة بالقسم ، لإِبراز كامل العناية بمضمونها .
والمعنى : وبالله لقد زينا وجملنا السماء القريبة منكم بكواكب مضيئة كإضاءة السُّرُجِ ، وجعلنا - بقدرتنا - من هذه الكواكب ، ما يرجم الشياطين ويحرقها ، إذا ما حاولوا أن يسترقوا السمع ، كما قال - تعالى - { وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } قال الإِمام ابن كثير : قوله : { وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } عاد الضمير فى قوله { وَجَعَلْنَاهَا } على جنس المصابيح لاعلى عينها ، لأنه لا يرمى بالكواكب التي فى السماء ، بل بشهب من دونها ، وقد تكون مستمدة منها - والله أعلم - .
قال قتادة : إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال : خلقها زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به . .
فالضمير فى قوله : { وَجَعَلْنَاهَا } يعود إلى المصابيح ، ومنه من أعاده إلى السماء الدنيا ، على تقدير : وجعلنا منها رجوما للشياطين الذين يسترقون السمع .
وقوله - تعالى - : { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير } بيان لسوء مصيرهم فى الآخرة ، بعد بيان سوء مصيرهم فى الدنيا عن طريق إحراقهم بالشهب .
أي : وهيأنا لهؤلاء الشياطين فى الآخرة - بعد إحراقهم في الدنيا بالشهب - عذاب النار المشتعلة المستعرة .
فالسعير - بزنة فعيل - اسم لأشد النار اشتعالا . يقال : سعر فلان النار - كمنع - إذا أوقدها بشدة .
وكان السعير عذابا للشياطين - مع أنهم مخلوقات من النار ، لأن نار جهنم أشد من النار التي خلقوا منها ، فإذا ألقوا فيها صارت عذابا لهم ، إذ السعير أشد أنواع النار التهابا واشتعالا وإحراقا .
ولما نفى عنها في خلقها النقص ، بين كمالها وزينتها فقال : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت .
وقوله : { وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } عاد الضمير في قوله : { وَجَعَلْنَاهَا } على جنس المصابيح لا على عينها ؛ لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء ، بل بشهب من دونها ، وقد تكون مستمدة منها ، والله أعلم .
وقوله : { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } أي : جعلنا{[29107]} للشياطين هذا الخزي في الدنيا ، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى ، كما قال : في أول الصافات : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [ الصافات : 6 - 10 ] .
قال قتادة : إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال : خلقها الله زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.