التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡرٗاۖ وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ} (41)

بعد كل ذلك شرع في تفسير رؤياهما ثقة في قوله ، فقال : { ياصاحبي السجن أَمَّآ أَحَدُكُمَا } وهو ساقى الملك ، فيخرج من السجن برئيا ويسقى " ربه " أى : سيده الملك " خمرا " .

{ وَأَمَّا الآخر } وهو خباز الملك وصاحب طعامه " فيصلب " أى : فيقتل ثم يصلب { فَتَأْكُلُ الطير مِن رَّأْسِهِ } بعد موته .

ولم يعين يوسف - عليه السلام - من هو الذي سيسقى ربه خمرا ، ومن هو الذي سيصلب ، وإنما اكتفى بقوله " أما أحدكما . . . وأما الآخر " تلطفا معهما ، وتحرجا من مواجهة صاحب المصير السئ بمصيره ، وإن كان في تعبيره ما يشير إلى مصير كل منهما بطريق غير مباشر .

ثم أكد لهما الأمر واثقا من صدق العلم الذي علمه الله إياه ، فقال : { قُضِيَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } .

والاستفتاء : مصدر استفتى إذا طلب الفتوىو من غيره في أمر خفى عليه فهمه أى : ثم التفسير الصحيح لرؤييكما اللتين سألتمانى عن تأويلهما .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡرٗاۖ وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ} (41)

35

وإلى هنا يبلغ يوسف أقصى الغاية من الدرس الذي ألقاه ، مرتبطا في مطلعه بالأمر الذي يشغل بال صاحبيه في السجن . ومن ثم فهو يؤول لهما الرؤيا في نهاية الدرس ، ليزيدهما ثقة في قوله كله وتعلقا به :

( يا صاحبي السجن ، أما أحدكما فيسقي ربه خمرا ، وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه )

ولم يعين من هو صاحب البشرى ومن هو صاحب المصير السيء تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء . ولكنه أكد لهما الأمر واثقا من العلم الذي وهبه الله له :

( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) . .

وانتهى فهو كائن كما قضاه الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسۡقِي رَبَّهُۥ خَمۡرٗاۖ وَأَمَّا ٱلۡأٓخَرُ فَيُصۡلَبُ فَتَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِن رَّأۡسِهِۦۚ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ} (41)

افتتح خطابهما بالنداء اهتماماً بما يلقيه إليهما من التعبير ، وخاطبهما بوصف { صاحبي السجن } أيضاً .

ثم إذا كان الكلام المحكي عن يوسف عليه السّلام في الآية صدر منه على نحو النظم الذي نظم به في الآية وهو الظاهر كان جَمع التأويلَ في عبارة واحدة مجملة ، لأن في تأويل إحدى الرؤيين ما يسوء صاحبَها قصداً لتلقيه ما يسوء بعدَ تأمل قليل كيلا يفجأه من أول الكلام ، فإنه بعد التأمل يعلم أن الذي يسقي ربه خمراً هو رَائي عَصر الخمر ، وأن الذي تأكل الطير من رأسه هو رائي أكل الطير من خبزٍ على رأسه .

وإذا كان نظم الآية على غير ما صَدر من يوسف عليه السّلام كان في الآية إيجاز لحكاية كلام يوسف عليه السّلام ، وكان كلاماً معيّناً فيه كل من الفتيين بأن قال : أما أنتَ فكيْت وكيْت ، وأما أنت فكَيْت وكيْت ، فحُكي في الآية بالمعنى .

وجملة { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } تحقيق لما دلت عليه الرؤيا ، وأن تعبيرها هو ما أخبرهما به فإنهما يستفتيان في دلالة الرؤيا على ما سيكون في شأن سجنهما لأن ذلك أكبر همهما ، فالمراد بالأمر تعبير رؤياهما .

والاستفتاء : مصدر استفتَى إذا طلب الإفتاء . وهو : الإخبار بإزالة مشكل ، أو إرشاد إلى إزالة حيرة . وفعله أفتى مُلازم للهمز ولم يسمع له فعل مُجرد ، فدلا ذلك على أن همزه في الأصل مجتلب لمعنًى ، قالوا : أصل اشتقاق أفتى من الفتى وهو الشاب ، فكأنّ الذي يفتيه يقوي نهجه ببيانه فيصير بقوة بيانه فَتِيّا أي قوياً . واسم الخبر الصادر من المفتي : فتوى بفتح الفاء وبضمها مع الواو مقصوراً ، وبضم الفاء مع الياء مقصوراً .