التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ} (46)

ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم بعد موتهم ، وعند قيام الساعة ، فقال : { النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب } . .

والغدو : أول النهار . والعشى : آخره . وجملة : { النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا . . } بدل من قوله - تعالى - { سواء العذاب } . بعرض أرواح فرعون وملئه على النار بعد موتهم وهم فى قبورهم فى الصباح والمساء ، { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة } يقال الملائكة العذاب : { أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب } وهو عذاب جهنم وبئس المصير مصيرهم .

قال القرطبى : والجمهور على أن هذا العرض فى البرزخ واحتج بعض أهل العلم فى تثبيت عذاب القبر بقوله - تعالى - : { النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } ما دامت الدنيا . .

قال مجاهد وغيره : هذه الآية تدل على عذاب القبر فى الدنيا ألا تراه يقول - سبحانه - عن عذاب الآخرة : { أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب }

وفى الحديث عن ابن مسعود : إن أرواح آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار ، تعرض على النار بالغداة والعشى ، فيقال : هذه داركم . .

هذا ، والمتأمل فى هذه الآية الكريمة ، يرى أن القرآن قد ساق على لسان مؤمن آل فرعون ، أسمى الأساليب وأحكمها فى الدعوة إلى الحق ، فقد بدأ نصحه بنهى قومه عن قتل موسى - عليه السلام - ثم ذكرهم بنعم الله عليهم ، وبسوء عاقبة الظالمين ، وبأن نعيم الدنيا زائل ، أما نعيم الآخرة فباق ، وبأن ما يدعوهم إليه هو الحق ، وبأن ما يدعونه إليه هو الباطل .

ثم ختم تلك النصائح الغالية بتفويض أمره إلى الله فقال : { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد } فكانت نتيجة هذا التفويض ، أن وقاه الله - تعالى - من سوء مكر أعدائه ، ونجاه من شرورهم ، وأن جعل مكرهم السيئ يحيق بهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ} (46)

21

( النار يعرضون عليها غدواً وعشياً . ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) .

والنص يلهم أن عرضهم على النار غدواً وعشياً ، هو في الفترة من بعد الموت إلى قيام الساعة . وقد يكون هذا هو عذاب القبر . إذ أنه يقول بعد هذا : ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب . . فهو إذن عذاب قبل يوم القيامة . وهو عذاب سيئ . عرض على النار في الصباح وفي المساء . إما للتعذيب برؤيتها وتوقع لذعها وحرها - وهو عذاب شديد - وإما لمزاولتها فعلاً . فكثيراً ما يستعمل لفظ العرض للمس والمزاولة . وهذه أدهى . . ثم إذا كان يوم القيامة أدخلوا أشد العذاب !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ} (46)

قوله : { النار } رفع على البدل من قوله : { سوء } [ غافر : 45 ] . وقالت فرقة : { النار } رفع بالابتداء وخبره : { يعرضون } . وقالت فرقة : هذا الغدو والشعي هو في الدنيا ، أي في كل غدو وعشي من أيام الدنيا يعرض آل فرعون على النار{[10008]} . وروي في ذلك عن الهزيل بن شرحبيل والسدي : أن أرواحهم في أجواف الطير سود تروح بهم وتغدو إلى النار ، وقاله الأوزاعي حين قال له رجل : إني رأيت طيوراً بيضاً تغدو من البحر ثم ترجع بالعشي سوداً مثلها ، فقال الأوزاعي : تلك هي التي في حواصلها أرواح آل فرعون يحترق رياشها وتسود بالعرض على النار . وقال محمد بن كعب القرظي وغيره : أراد أنهم يعرضون في الآخرة على النار على تقدير ما بين الغدو والعشي ، إذا لا غدو ولا عشي في الآخرة ، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا وقوله : { ويوم تقوم الساعة } يحتمل أن يكون { يوم } عطفاً على { عشياً } ، والعامل فيه { يعرضون } ، ويحتمل أن يكون كلاماً مقطوعاً والعامل في : { يوم } { ادخلوا } ، والتقدير : على كل قول يقال ادخلوا .

وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم والأعرج وأبو جعفر وشيبة والأعمش وابن وثاب وطلحة : «أدخلوا » بقطع الألف . وقرأ علي بن أبي طالب وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم والحسن وقتادة : «ادخلوا » بصلة الألف على الأمر ل { آل فرعون } على هذه القراءة منادى مضاف . و : { أشد } نصب على ظرفية .


[10008]:خرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه معقده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ} (46)

وقوله : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عليها غُدُواً وعَشياً } يجوز أن يكون جملة وقعت بدلاً من جملة { وحاق بآل فرعون سوء العذاب } ، فيجعل { النَّار } مبتدأ ويجعل جملة { يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } خبراً عنه ويكون مجموع الجملة من المبتدأ وخبره بدل اشتمال من جملة { وحَاقَ بِآلِ فِرعون سُوءُ العَذَّابِ } لأن سوء العذاب إذا أريد به الغرق كان مشتملاً على موتهم وموتُهم يشتمل على عرضهم على النار غدُوًّا وعشِيًّا ، فالمذكور عَذَابَان : عذاب الدنيا وعذابُ الغرق وما يلحق به من عذاببٍ قبل عذاب يوم القيامة .

ويجوز أن يكون { النار } بدلاً مفرداً من { سُوءُ العَذَابِ } بدلاً مطابقاً وجملة { يُعْرَضُونَ عليها } حالاً من { النار } فيكون المذكور في الآية عذاباً واحداً ولم يذكر عَذاب الغرق . وعلى كلا الوجهين فالمذكور في الآية عذاب قبل عذاب يوم القيامة فذلك هو المذكور بعده بقوله : { ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ادْخِلُوا ءالَ فِرْعَونَ أشَدَّ العَذَابِ } .

والعرض حقيقته : إظهار شيء لمن يراه لترغيب أو لتحذير وهو يتعدّى إلى الشيء المظْهَر بنفسه وإلى من يُظهَر لأجله بحرف ( على ) ، وهذا يقتضي أن المعروض عليه لا يكون إلا من يَعقل ومنزّلاً منزلة من يعقل ، وقد يقلب هذا الاستعمال لقصد المبالغة كقول العرب « عرضتُ الناقةَ على الحوض » ، وحقه : عرضت الحوض على الناقة ، وهو الاستعمال الذي في هذه الآية وقوله في سورة الأحقاف ( 20 ) { ويوم يعرض الذين كفروا على النار } وقد عدَّ علماء المعاني القلب من أنواع تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ومثلوا له بقول العرب : عرضت الناقة على الحوض . واختلفوا في عدّه من أفانين الكلام البليغ فعدّه منها أبو عبيدة والفارسي والسكاكي ولم يقبله الجمهور ، وقال القزويني : إن تضمن اعتباراً لطيفاً قُبِل وإلاّ رُدّ .

وعندي أن الاستعمالين على مقتضى الظاهر وأن العَرض قد كثر في معنى الإمرار دون قصد الترغيب كما يقال : عُرض الجيش على أميره واستعرضه الأمير .

ولعلّ أصله مجاز ساوى الحقيقة فليس في الآيتين قلب ولا في قول العرب : عرضت الناقة على الحوض ، قَلب ، ويقال : عُرض بنو فلان على السيف ، إذا قُتلوا به . وخرج في « الكشف » آية الأحقاففِ على قولهم : عُرض على السيففِ .

ومعنى عرضهم على النار أن أرواحهم تُشاهِد المواضع التي أعدت لها في جهنم ، وهو ما يبينه حديث عبد الله بن عُمر في « الصحيح » قال : قال رسول الله : " إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقْعَدُه بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثَك الله يوم القيامة "

وقولُه : { غُدُوّاً وعَشِيّاً } كناية عن الدوام لأن الزمان لا يخلو عن هاذين الوقتين .

وقوله : { ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة أدْخِلوا ءالَ فِرْعون أشدَّ العَذَابِ } هذا ذكر عذاب الآخرة الخالد ، أي يُقال : أَدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، وعلم من عذاب آل فرعون أن فرعون داخل في ذلك العذاب بدلالة الفحوى .

وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وأبو جعفر ويعقوب { أدخلوا } بهمزة قطع وكسر الخاء . وقرأ الباقون بهمزة وصل وضم الخاء على معنى أن القول مُوجّه إلى آل فرعون وأن { ءَالَ فِرْعَونَ } منادى بحذف الحرف .