التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (33)

ثم أرشد - سبحانه - الذين لا يجدون وسائل النكاح ، إلى ما يعينهم على حفظ فروجهم ، فقال : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ } .

والاستعفاف : طلب العفة ، واختيار طريق الفضيلة التى من وسائلها ما أشار إليه - سبحانه - فى قوله : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } والمعنى : وعلى المؤمنين والمؤمنات " الذين لا يجدون نكاحا " أى : الذين لا يجدون الوسائل والأسباب التى توصلهم إلى الزواج بسبب ضيق ذات اليد ، أو ما يشبه ذلك ، عليهم أن يتحصنوا بالعفاف وأن يصونوا أنفسهم عن الفواحش ، وأن يستمروا على ذلك حتى يرزقهم الله - تعالى - من فضله رزقا ، يستعينون به على إتمام الزواج .

فهذه الجملة الحكيمة وعد كريم من الله - تعالى - للتائقين إلى الزواج ، العاجزين عن تكاليفه بأنه - سبحانه - سيرزقهم من فضله ما يعينهم على التمكن منه ، متى اعتصموا بطاعته ، وحافظوا على أداء ما أمرهم به .

قال صاحب الكشاف : " وما أحسن ما رتب هذه الأوامر : حيث أمر - أولا - بما يعصم من الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية ، وهو غض البصر . ثم بالنكاح الذى يحصن به الدين ، ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام ، ثم بالحمل على النفس الأمارة بالسوء ، وعزفها عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة عليه " .

ثم حض - سبحانه - على إعانة الأرقاء لكى يتخلصوا من رقهم ويصيروا أحرارا . فقال : { والذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ الله الذي آتَاكُمْ } .

والمراد بالكتاب هنا : المكاتبة التى تكون بين السيد وعبده ، بأن يقول السيد لعبده : إن أديت إلى كذا من المال فأنت حر لوجه الله ، فإذا قبل العبد ذلك وأدى ما طلبه منه سيده ، صار حرا .

أى : والذين يطلبون المكاتبة من عبيدكم - أيها الأحرار . . . . فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ، أى : أمانة وقدرة على الكسب ، وأعينوهم على التحرر من رقهم بأن تعطوهم شيئا من المال الذى آتاكم الله إياه ، بفضله وإحسانه .

وهكذا نرى الإسلام يأمر أتباعه الذين رزقهم الله نعمة الحرية ، أن يعينوا مماليكهم على ما يمكنهم من الحصول على هذه النعمة .

ومن العلماء من يرى أن الأمر فى قوله - تعالى - : { فَكَاتِبُوهُمْ } وفى قوله { وَآتُوهُمْ } للوجوب ، لأنه هو الذى يتناسب مع حرص شريعة الإسلام على تحرير الأرقاء .

ثم نهى - سبحانه - عن رذيلة كانت موجودة فى المجتمع ، لكى يطهره منها ، فقال : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البغآء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياة الدنيا } .

قال الآلوسى : أخرج مسلم وأبو داود عن جابر أن جارية لعبد الله بن أبى بن سلول يقال لها " مسيكة " وأخرى يقال لها " أميمة " كان يكرههما على الزنا ، فشكتا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت .

وأخرج ابن مردويه عن على - رضى الله عنه - أنهم كانوا فى الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا ، ويأخذون أجورهن ، فنهوا عن ذلك فى الإسلام ، ونزلت الآية .

والفتيات جمع فتاة والمراد بهن هنا الإماء ، وعبر عنهن بقوله " فتياتكم " على سبيل التكريم لهن ، ففى الحديث الشريف : " لا يقولن أحدكم عبدى وأمتى ولكن فتاى وفتاتى " .

والبغاء - بكسر الباء - زنى المرأة خاصة ، مصدر بغت المرأة تبغى بغاء إذا فجرت .

والتحصن : التصون والتعفف من الزنا .

والمعنى : ولا تكرهوا - أيها الأحرار - فتياتكم اللائى تملكوهن على الزنا إن كرهنه وأردن العفاف والطهر ، لكى تنالوا من وراء إكراههن على ذلك ، بعذ المال الذى يدفع لهن نظير افتراشهن .

وقوله - تعالى - { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } ليس المقصود منه أنهن إن لم يردن التحصن يكرهن على ذلك ، وإنما المراد منه بيان الواقع الذى نزلت من أجله الآية ، وهو إكرامهم لإمائهم على الزنا مع نفورهن منه . ولأن الإكراه لا يتصور عند رضاهن بالزنا واختيارهن له ، وإنما يتصور عند كراهنتهن له ، وعدم رضاهن عنه ، ولأن فى هذا التعبير تعبيرا لهم ، فكأنه - سبحانه - يقول لهم : كيف يقع منكم إكراههن على البغاء وهن إماء يردن العفة ويأبين الفاحشة ؟ ألم يكن الأولى بكم والأليق بكرامتكم أن تعينوهن على العفاف والطهر ، بدل أن تكرهوهن على ارتكاب الفاحشة من أجل عرض من أعراض الحياة الدنيا ؟

وقوله - تعالى - : { وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بيان لمظهر من مظاهر فضل الله - تعالى - ورحمته - بعباده .

أى : ومن يكره إماءه على البغاء فإن الله - تعالى - بفضله وكرمه من بعد إكراهكم لهن ، غفور رحيم لهن ، أما أنتم يا من أكرهتموهن على الزنا فالله وحده هو الذى يتولى حسابكم ، وسيجازيكم بما تستحقون من عقاب .

فمغفرة الله - تعالى - ورحمته إنما هى للمكرهات على الزنا ، لا للمكرهين لهن على ذلك .

قال بعض العلماء : قوله - تعالى - : { فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قيل : غفور لهن : وقيل غفور لهم . وقيل : غفور لهن ولهم .

والأظهر : أن المعنى لهن ، لأن المكره لا يؤاخذ بما يكره عليه ، بل يغفره الله له ، لعذره بالإكراه . فالموعود بالمغفرة والرحمة ، هو المعذور بالإكراه دون المكره - بكسر الراء - لأنه غير معذور بفعله القبيح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (33)

27

وفي انتظار قيام الجماعة بتزويج الأيامى يأمرهم بالاستعفاف حتى يغنيهم الله بالزواج : ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ) . . ( والله واسع عليم ) . . لا يضيق على من يبتغي العفة ، وهو يعلم نيته وصلاحه .

وهكذا يواجه الإسلام المشكلة مواجهة عملية ؛ فيهيئ لكل فرد صالح للزواج أن يتزوج ؛ ولو كان عاجزا من ناحية المال . والمال هو العقبة الكؤود غالبا في طريق الإحصان .

ولما كان وجود الرقيق في الجماعة من شأنه أن يساعد على هبوط المستوى الخلقي ، وأن يعين على الترخص والإباحية بحكم ضعف حساسية الرقيق بالكرامة الإنسانية . وكان وجود الرقيق ضرورة إذ ذاك لمقابلة أعداء الإسلام بمثل ما يعاملون به أسرى المسلمين . لما كان الأمر كذلك عمل الإسلام على التخلص من الأرقاء كلما واتت الفرصة . حتى تتهيأ الأحوال العالمية لإلغاء نظام الرق كله ، فأوجب إجابة الرقيق إلى طلب المكاتبة على حريته . وذلك في مقابل مبلغ من المال يؤديه فينال حريته :

( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم . إن علمتم فيهم خيرا ) . .

وآراء الفقهاء مختلفة في هذا الوجوب . ونحن نراه الأولى ؛ فهو يتمشى مع خط الإسلام الرئيسي في الحرية وفي كرامة الإنسانية . ومنذ المكاتبة يصبح مال الرقيق له ، وأجر عمله له ، ليوفي منه ما كاتب عليه ؛ ويجب له نصيب في الزكاة : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) . ذلك على شرط أن يعلم المولى في الرقيق خيرا . والخير هو الإسلام أولا . ثم هو القدرة على الكسب . فلا يتركه كلا على الناس بعد تحرره . وقد يلجأ إلى أحط الوسائل ليعيش ، ويكسب ما يقيم أوده . والإسلام نظام تكافل . وهو كذلك نظام واقع . فليس المهم أن يقال : إن الرقيق قد تحرر . وليست العنوانات هي التي تهمه . إنما تهمه الحقيقة الواقعة . ولن يتحرر الرقيق حقا إلا إذا قدر على الكسب بعد عتقه ؛ فلم يكن كلا على الناس ؛ ولم يلجأ إلى وسيلة قذرة يعيش منها ، ويبيع فيها ما هو أثمن من الحرية الشكلية وأغلى ، وهو أعتقه لتنظيف المجتمع لا لتلويثه من جديد ؛ بما هو أشد وأنكى .

وأخطر من وجود الرقيق في الجماعة ، احتراف بعض الرقيق للبغاء . وكان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني ؛ وجعل عليها ضريبة يأخذها منها - وهذا هو البغاء في صورته التي ما تزال معروفة حتى اليوم - فلما أراد الإسلام تطهير البيئة الإسلامية حرم الزنا بصفة عامة ؛ وخص هذه الحالة بنص خاص :

( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء . إن أردن تحصنا . لتبتغوا عرض الحياة الدنيا . ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) .

فنهى الذين يكرهون فتياتهم على هذا المنكر ، ووبخهم على ابتغاء عرض الحياة الدنيا من هذا الوجه الخبيث . ووعد المكرهات بالمغفرة والرحمة ، بعد الإكراه الذي لا يد لهن فيه .

قال السدي : أنزلت هذه الآية الكريمة في عبد الله بن أبي بن سلول ، رأس المنافقين ، وكانت له جارية تدعى معاذة . وكان إذ نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها ، إرادة الثواب منه ، والكرامة له . فأقبلت الجارية إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فشكت إليه ذلك ؛ فذكره أبو بكر للنبي [ صلى الله عليه وسلم ] فأمره بقبضها . فصاح عبد الله بن أبي : من يعذرنا من محمد ? يغلبنا على مملوكتنا ! فأنزل الله فيهم هذا .

هذا النهي عن إكراه الفتيات على البغاء - وهن يردن العفة - ابتغاء المال الرخيص كان جزءا من خطة القرآن في تطهير البيئة الإسلامية ، وإغلاق السبل القذرة للتصريف الجنسي . ذلك أن وجود البغاء يغري الكثيرين لسهولته ؛ ولو لم يجدوه لانصرفوا إلى طلب هذه المتعة في محلها الكريم النظيف .

ولا عبرة بما يقال من أن البغاء صمام أمن ، يحمي البيوت الشريفة ؛ لأنه لا سبيل لمواجهة الحاجة الفطرية إلا بهذا العلاج القذر عند تعذر الزواج . أو تهجم الذئاب المسعورة على الأعراض المصونة ، إن لم تجد هذا الكلأ المباح !

إن في التفكير على هذا النحو قلبا للأسباب والنتائج . فالميل الجنسي يجب أن يظل نظيفا بريئا موجها إلى إمداد الحياة بالأجيال الجديدة . وعلى الجماعات أن تصلح نظمها الاقتصادية بحيث يكون كل فرد فيها في مستوى يسمح له بالحياة المعقولة وبالزواج . فإن وجدت بعد ذلك حالات شاذة عولجت هذه الحالات علاجا خاصا . . وبذلك لا تحتاج إلى البغاء ، وإلى إقامة مقاذر إنسانية ، يمر بها كل من يريد أن يتخفف من أعباء الجنس ، فيلقي فيها بالفضلات ، تحت سمع الجماعة وبصرها !

إن النظم الاقتصادية هي التي يجب أن تعالج ، بحيث لا تخرج مثل هذا النتن . ولا يكون فسادها حجة على ضرورة وجود المقاذر العامة ، في صور آدمية ذليلة .

وهذا ما يصنعه الإسلام بنظامه المتكامل النظيف العفيف ، الذي يصل الأرض بالسماء ، ويرفع البشرية إلى الأفق المشرق الوضيء المستمد من نور الله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (33)

{ وليستعفف } وليجتهد في العفة وقمع الشهوة . { الذين لا يجدون نكاحا } أسبابه ، ويجوز أن يراد بالنكاح ما ينكح به أو بالوجدان التمكن منه . { حتى يغنيهم الله من فضله } فيجدوا ما يتزوجون به . { والذين يبتغون الكتاب } المكاتبة وهو أن يقول الرجل لمملوكه كاتبتك على كذا من الكتاب لأن السيد كتب على نفسه عتقه إذا أدى المال ، أو لأنه مما يكتب لتأجيله أو من الكتب بمعنى الجمع لأن العوض فيه يكون منجما بنجوم يضم بعضها إلى بعض . { مما ملكت أيمانكم } عبدا كان أو أمة والموصول بصلته مبتدأ خبره . { فكاتبوهم } أو مفعول لمضمر هذا تفسيره والفاء لتضمن معنى الشرط ، والأمر فيه للندب عند أكثر العلماء لأن الكتابة معاوضة تتضمن الارفاق فلا تجب كغيرها واحتجاج الحنفية بإطلاقه على جواز الكتابة الحالية ضعيف لأن المطلق لا يعم مع أن العجز عن الأداء في الحال يمنع صحتها كما في السلم فيما لا يوجد عند المحل . { إن علمتم فيهم خيرا } أمانة وقدرة على أداء المال بالاحتراف ، وقد روي مثله مرفوعا وقيل صلاحا في الدين . وقيل مالا وضعفه ظاهر لفظا ومعنى وهو شرط الأمر فلا يلزم من عدمه عدم الجواز . { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } أمر للموالي كما قبله بأن يبذلوا لهم شيئا من أموالهم ، وفي معناه حط شيء من مال الكتابة وهو للوجوب عند الأكثر ويكفي أقل ما يتمول . وعن علي رضي الله تعالى عنه يحط الربع ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الثلث ، وقيل ندب لهم إلى الإنفاق عليهم بعد أن يؤتوا ويعتقوا ، وقيل أمر لعامة المسلمين بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم من الزكاة ويحل للمولى وإن كان غنيا ، لأنه لا يأخذه صدقة كالدائن والمشتري ، ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث بريرة " هو لها صدقة ولنا هدية " { ولا تكرهوا فتياتكم } إماءكم . { على البغاء } على الزنا ، كانت لعبد اله بن أبي ست جوار يكرههن على الزنا وضرب عليهن الضرائب فشكا بعضهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت . { إن أردن تحصنا } تعففا شرط للإكراه فإنه لا يوجد دونه ، وإن جعل شرطا للنهي لم يلزم من عدمه جواز الإكراه لجواز أن يكون ارتفاع النهي بامتناع المنهي عنه ، وإيثار إن على إذا لأن إرادة التحصن من الإماء كالشاذ النادر . { لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } أي لهن أوله إن تاب ، والأول أوفق للظاهر ولما في مصحف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ولا يرد عليه أن المكرمة غير آثمة فلا حاجة إلى المغفرة لأن الإكراه لا ينافي المؤاخذة بالذات ولذلك حرم على المكره القتل وأوجب عليه القصاص .