بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (33)

ثم أخبر أنه لا رخصة لمن لم يجد النكاح في الزنى ، وأمر بالتعفف للذي لا امرأة له ، فقال عز وجل : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين } ، أي ليحفظ نفسه عن الحرام الَّذِينَ { لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } ، يعني : سعة بالنكاح ، المهر والنفقة ويقال : يعني : امرأة موافقة ، { حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ } ؛ يعني : من رزقه بالنكاح .

وقد قيل : إنَّ الصبر والطلب خير من الهرب .

{ والذين يَبْتَغُونَ الكتاب } ؛ قال ابن عباس : وذلك أن مملوكاً لحُويطب ، يقال له صبيح ، سأل مولاه أن يكاتبه ، فأبى عليه ، فنزلت الآية { والذين يَبْتَغُونَ الكتاب } يعني : يطلبون الكتابة { مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم فكاتبوهم إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } ، يعني : حرفة . قال مجاهد وعطاء ، يعني : مالاً .

وروي ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني قال أدَباً وصلاحاً ، وقال إبراهيم : يعني : وفاءً وصدقاً . وروى يحيى بن أبي كثير ، قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } ، أي حِرْفَةً وَلا تُرْسِلُوهُمْ كَلاًّ عَلَى النَّاسِ } وقال ابن عباس : الخير المال ، كقوله { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت إِن تَرَكَ خَيْرًا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حَقًّا عَلَى المتقين } [ البقرة : 180 ] أي مالاً ، وقيل : { خَيْرًا } ، يعني : صلاحاً في دينه ، لكيلا يقع في الفساد بعد العتق ، وهذا أمر استحباب لا إيجاب ؛ وقال بعضهم : هو واجب . وروى معمر ، عن قتادة قال : سأل سيرين أبو محمد بن سيرين ، أنس بن مالك بأن يكاتبهُ ، فأبى أنس بن مالك ، فرفع عليه عمر الدرة وتلا عليه هذه الآية : { فكاتبوهم إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } .

{ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } ، يعني : أعطاكم ، يعني : يعطيه من الكتابة شيئاً ، ويقال : يعطى من بيت المال ، حتى يؤدي كتابه . وقال عمرو ، عن علي رضي الله عنه : يترك له ربع الكتابة ، وقال قتادة : يترك له العشر ؛ وقال : آتوهم أي حث الموالي وغيرهم أن يعينوهم ، هذا أمر استحباب وليس بواجب ، وقال بعضهم : الحط واجب ، والأول أصح . { وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء } ، يعني : لا تكرهوا إماءكم على الزنى . وقال عكرمة : كانت جارية لعبد الله بن أبيّ ، يقال لها معاذة ، وكان يكلفها الخراج على الزنى ، فنزل : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم عَلَى البغاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } يعني : تعففاً { لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الحياة الدنيا } ، يعني : لتطلبوا بكسبهن وولدهن المال . { وَمَن يُكْرِههُنَّ } ، يعني : يجبرهن على الزنى ، { فِإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ } ؛ يعني : من بعد إجبارهن على الزنى ، { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بهن ، يعني : الإماء ، لأنهن كن مكرهات على فعل الزنى .