قوله تعالى ذكره : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا } [ 33 ] ، إلى قوله : { والله بكل شيء عليم } .
أي وليمتنع{[48421]} عن الحرام الذين لا يجدون ما{[48422]} ينكحون حتى يوسع الله عليهم من فضله ، فالنكاح في هذا الموضع : اسم لما ينكح به من المهر ، والنفقة فسمي ما ينكح به نكاح ، كما قيل{[48423]} : لما يلتحف به كاف{[48424]} ولما يرتدي{[48425]} به رداء ، ولما يلبس لباس{[48426]} .
ثم قال : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا }[ 33 ] ، هذا ندب{[48427]} ندب الله عباده{[48428]} إليه ومعنى { إن علمتم فيهم خيرا } إن علمتم فيهم{[48429]} مقدرة على{[48430]} التكسب لأداء ما كتب عليه مع القيام بما يلزمه من أمر{[48431]} نفسه ، ومع إقامة / فروضهم{[48432]} ، فالمكاتبة معلومة ما هي ، وولاء المكاتب لمن{[48433]} كاتبه .
وقد قال ابن جرير : فرض على الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علم فيه خيرا ، إذا سأله العبد ذلك ، وقاله{[48434]} عطاء ، وروي{[48435]} ذلك{[48436]} عن عمر ، وابن عباس ، وهو اختيار الطبري{[48437]} لأن ظاهر الآية الأمر بالمكاتبة ، وأمر الله فرض ، إلا أن يدل على أنه ندب إجماع أو سنة{[48438]} .
ومذهب{[48439]} أهل المدينة مالك وأصحابه : أنه ندب من غير فرض .
وقال{[48440]} الثوري : لا يجبر السيد على المكاتبة{[48441]} .
وكره{[48442]} ابن عمر أن يُكاتب العبد إذا لم تكن له حرفة وقال : تطعمني أوساخ أيدي الناس .
قال{[48443]} ابن عباس : { إن علمتم فيهم خيرا } [ 33 ] ، أي إن علمتم أن لهم حيلة لا يُلقون مؤنتهم على الناس{[48444]} .
وقال{[48445]} مالك : إنه ليقال : الخير القوة والأداء ، وهو قول{[48446]} ابن زيد{[48447]} .
وقال{[48448]} الحسن : معناه : إن علمتم فيهم صدقا ، ووفاء وأداء الأمانة .
وقال{[48449]} مجاهد وطاوس : مالا وأمانة .
وعن ابن مسعود : الخير إقامة الصلاة ، وكذا قال ابن سيرين{[48450]} ، وعبيدة{[48451]} .
وقال{[48452]} مالك : الخير القوة على الأداء ، وقال أبو{[48453]} صالح وعطاء{[48454]} : إن علمت{[48455]} فيهم خيرا{[48456]} لنفسك يؤدي إليك ، ويصدقك ما حدثك فكاتبه{[48457]} .
وقال{[48458]}ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وابن جرير : معناه : إن علمتم لهم{[48459]} مالا .
ويقال : إن هذه الآية نزلت{[48460]} في صبيح القبطي مملوك لحاطب{[48461]} بن أبي بلتعة ، وكان صالحا ، ثم هي عامة لجميع المسلمين .
قال{[48462]} تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم }[ 33 ] ، يعني{[48463]} هبوهم من مال{[48464]} الكتابة .
قال{[48465]} علي بن أبي طالب : ربع الكتابة يحطها{[48466]} عنه .
وقال{[48467]} ابن عباس : ضعوا عنهم مما قاطعتموهم عليه ، وكان{[48468]} ابن عمر : يضع عن المكاتب في آخر كتابته ما شاء ، وهو قول مالك{[48469]} .
وقال{[48470]} النخعي : هو أمر للمسلمين أن يعطوا المكاتبين{[48471]} من صدقاتهم يتقوون بها{[48472]} على أداء الكتابة ، وهو قوله : ( في الصدقات وفي الرقاب ){[48473]} .
وقيل : إن قوله : " وآتوهم " ترغيب لكل الناس من الموالي وغيرهم حضهم{[48474]} الله أن يعطوا المكاتبين من صدقاتهم ليتقووا بها على أداء كتابتهم .
وقيل{[48475]} : هو خطاب لغير الموالي المخاطبين بالمكاتبة رغّب الناس أن يعطوهم من زكواتهم ، والضميران مختلفان بمنزلة قوله تعالى : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن }{[48476]} هو خطاب للأولياء ، وصدر الكلام خطاب للأزواج .
وقال ابن زيد : ذلك من الزكاة .
ثم قال : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء }[ 33 ] ، أي{[48477]} : الزنا { إن أردن تحصنا } أي : تعففا { لتبتغوا عرض الحياة الدنيا }[ 33 ] ، أي{[48478]} : ليكسبن لكم من زنائهن .
وقيل قوله : { إن أردن تحصنا } متعلق{[48479]} بقوله : { وأنكحوا الأيامى منكم{[48480]} إن أردن تحصنا }[ 33 ] .
ويقال{[48481]} : إن هذه الآية نزلت{[48482]} في عبد الله بن{[48483]} أبي{[48484]} بن سلول المنافق ، كانت له جاريتا : معاذة{[48485]} وزينب ، وكانتا تردان عليه خرجا{[48486]} من زنائهما ، قبل أن يسلما{[48487]} ، فلما دخلتا في الإسلام ، امتنعتا من الزنا فكان يكرههما على الزنا ، فنهى الله عن ذلك ، وأعلم المكره له{[48488]} أنه له{[48489]} غفور رحيم .
وقوله : { ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم }[ 33 ] ، ومعاذة{[48490]} هذه أم خولة ، وخولة هي التي جادلت الرسول صلى الله عليه وسلم{[48491]} في زوجها{[48492]} ، وفي ذلك نزل : { لقد سمع الله }{[48493]} الآية .
ويروى{[48494]} أن عبد الله بن أبي : أمر جاريته أن تزني{[48495]} فجاءته ببرد ، فأمرها أن تعود إلى الزنا ، فأنزل الله جل ذكره : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء }[ 33 ] الآية .
وقال{[48496]} جابر : كانت لعبد الله بن أبيّ جارية يقال لها مسيكة{[48497]} ، وكان يأمرها{[48498]} بالبغاء لتكسب له فنهى الله عن ذلك .
قال{[48499]} مجاهد : معناه : فإن الله للمكرهات من بعد إكراههن غفور رحيم .
وقيل إن معاذة وزينب جاريتا عبد الله بن أبي لما أسلمتا أتيا{[48500]} إلى النبي عليه السلام ، فشكتا إليه أن مولاهما يكرههما على الزنا فنزلت الآية في ذلك .
ومن قال{[48501]} : إن { فكاتبوهم } ندب ، و{ آتوهم } حتم ، وقف{[48502]} على { خيرا }{[48503]} ثم ابتدأ بالحتم{[48504]} بعد/{[48505]} تقدم الندب ، لأنه ليس بمعطوف عليه لاختلاف معنييهما{[48506]} ، وهذا قول الشافعي . قال{[48507]} : المكاتبة : ندب ، ويجبر السيد أن يضع عن عبده من المكاتبة .
ومن قال{[48508]} : هما واجبان لم يقف{[48509]} إلا على { آتاكم } لأن الثاني معطوف على الأول إذ معناهما جميعا : عنده الحتم .
ومن قال : كلاهما ندب لم يقف أيضا إلا على { آتاكم } لأن الثاني أيضا معطوف على الأول إذ{[48510]} معناهما جميعا الندب وهو مذهب مالك والثوري{[48511]} .