الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (33)

قوله تعالى ذكره : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا } [ 33 ] ، إلى قوله : { والله بكل شيء عليم } .

أي وليمتنع{[48421]} عن الحرام الذين لا يجدون ما{[48422]} ينكحون حتى يوسع الله عليهم من فضله ، فالنكاح في هذا الموضع : اسم لما ينكح به من المهر ، والنفقة فسمي ما ينكح به نكاح ، كما قيل{[48423]} : لما يلتحف به كاف{[48424]} ولما يرتدي{[48425]} به رداء ، ولما يلبس لباس{[48426]} .

ثم قال : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا }[ 33 ] ، هذا ندب{[48427]} ندب الله عباده{[48428]} إليه ومعنى { إن علمتم فيهم خيرا } إن علمتم فيهم{[48429]} مقدرة على{[48430]} التكسب لأداء ما كتب عليه مع القيام بما يلزمه من أمر{[48431]} نفسه ، ومع إقامة / فروضهم{[48432]} ، فالمكاتبة معلومة ما هي ، وولاء المكاتب لمن{[48433]} كاتبه .

وقد قال ابن جرير : فرض على الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علم فيه خيرا ، إذا سأله العبد ذلك ، وقاله{[48434]} عطاء ، وروي{[48435]} ذلك{[48436]} عن عمر ، وابن عباس ، وهو اختيار الطبري{[48437]} لأن ظاهر الآية الأمر بالمكاتبة ، وأمر الله فرض ، إلا أن يدل على أنه ندب إجماع أو سنة{[48438]} .

ومذهب{[48439]} أهل المدينة مالك وأصحابه : أنه ندب من غير فرض .

وقال{[48440]} الثوري : لا يجبر السيد على المكاتبة{[48441]} .

وكره{[48442]} ابن عمر أن يُكاتب العبد إذا لم تكن له حرفة وقال : تطعمني أوساخ أيدي الناس .

قال{[48443]} ابن عباس : { إن علمتم فيهم خيرا } [ 33 ] ، أي إن علمتم أن لهم حيلة لا يُلقون مؤنتهم على الناس{[48444]} .

وقال{[48445]} مالك : إنه ليقال : الخير القوة والأداء ، وهو قول{[48446]} ابن زيد{[48447]} .

وقال{[48448]} الحسن : معناه : إن علمتم فيهم صدقا ، ووفاء وأداء الأمانة .

وقال{[48449]} مجاهد وطاوس : مالا وأمانة .

وعن ابن مسعود : الخير إقامة الصلاة ، وكذا قال ابن سيرين{[48450]} ، وعبيدة{[48451]} .

وقال{[48452]} مالك : الخير القوة على الأداء ، وقال أبو{[48453]} صالح وعطاء{[48454]} : إن علمت{[48455]} فيهم خيرا{[48456]} لنفسك يؤدي إليك ، ويصدقك ما حدثك فكاتبه{[48457]} .

وقال{[48458]}ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وابن جرير : معناه : إن علمتم لهم{[48459]} مالا .

ويقال : إن هذه الآية نزلت{[48460]} في صبيح القبطي مملوك لحاطب{[48461]} بن أبي بلتعة ، وكان صالحا ، ثم هي عامة لجميع المسلمين .

قال{[48462]} تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم }[ 33 ] ، يعني{[48463]} هبوهم من مال{[48464]} الكتابة .

قال{[48465]} علي بن أبي طالب : ربع الكتابة يحطها{[48466]} عنه .

وقال{[48467]} ابن عباس : ضعوا عنهم مما قاطعتموهم عليه ، وكان{[48468]} ابن عمر : يضع عن المكاتب في آخر كتابته ما شاء ، وهو قول مالك{[48469]} .

وقال{[48470]} النخعي : هو أمر للمسلمين أن يعطوا المكاتبين{[48471]} من صدقاتهم يتقوون بها{[48472]} على أداء الكتابة ، وهو قوله : ( في الصدقات وفي الرقاب ){[48473]} .

وقيل : إن قوله : " وآتوهم " ترغيب لكل الناس من الموالي وغيرهم حضهم{[48474]} الله أن يعطوا المكاتبين من صدقاتهم ليتقووا بها على أداء كتابتهم .

وقيل{[48475]} : هو خطاب لغير الموالي المخاطبين بالمكاتبة رغّب الناس أن يعطوهم من زكواتهم ، والضميران مختلفان بمنزلة قوله تعالى : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن }{[48476]} هو خطاب للأولياء ، وصدر الكلام خطاب للأزواج .

وقال ابن زيد : ذلك من الزكاة .

ثم قال : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء }[ 33 ] ، أي{[48477]} : الزنا { إن أردن تحصنا } أي : تعففا { لتبتغوا عرض الحياة الدنيا }[ 33 ] ، أي{[48478]} : ليكسبن لكم من زنائهن .

وقيل قوله : { إن أردن تحصنا } متعلق{[48479]} بقوله : { وأنكحوا الأيامى منكم{[48480]} إن أردن تحصنا }[ 33 ] .

ويقال{[48481]} : إن هذه الآية نزلت{[48482]} في عبد الله بن{[48483]} أبي{[48484]} بن سلول المنافق ، كانت له جاريتا : معاذة{[48485]} وزينب ، وكانتا تردان عليه خرجا{[48486]} من زنائهما ، قبل أن يسلما{[48487]} ، فلما دخلتا في الإسلام ، امتنعتا من الزنا فكان يكرههما على الزنا ، فنهى الله عن ذلك ، وأعلم المكره له{[48488]} أنه له{[48489]} غفور رحيم .

وقوله : { ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم }[ 33 ] ، ومعاذة{[48490]} هذه أم خولة ، وخولة هي التي جادلت الرسول صلى الله عليه وسلم{[48491]} في زوجها{[48492]} ، وفي ذلك نزل : { لقد سمع الله }{[48493]} الآية .

ويروى{[48494]} أن عبد الله بن أبي : أمر جاريته أن تزني{[48495]} فجاءته ببرد ، فأمرها أن تعود إلى الزنا ، فأنزل الله جل ذكره : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء }[ 33 ] الآية .

وقال{[48496]} جابر : كانت لعبد الله بن أبيّ جارية يقال لها مسيكة{[48497]} ، وكان يأمرها{[48498]} بالبغاء لتكسب له فنهى الله عن ذلك .

قال{[48499]} مجاهد : معناه : فإن الله للمكرهات من بعد إكراههن غفور رحيم .

وقيل إن معاذة وزينب جاريتا عبد الله بن أبي لما أسلمتا أتيا{[48500]} إلى النبي عليه السلام ، فشكتا إليه أن مولاهما يكرههما على الزنا فنزلت الآية في ذلك .

ومن قال{[48501]} : إن { فكاتبوهم } ندب ، و{ آتوهم } حتم ، وقف{[48502]} على { خيرا }{[48503]} ثم ابتدأ بالحتم{[48504]} بعد/{[48505]} تقدم الندب ، لأنه ليس بمعطوف عليه لاختلاف معنييهما{[48506]} ، وهذا قول الشافعي . قال{[48507]} : المكاتبة : ندب ، ويجبر السيد أن يضع عن عبده من المكاتبة .

ومن قال{[48508]} : هما واجبان لم يقف{[48509]} إلا على { آتاكم } لأن الثاني معطوف على الأول إذ معناهما جميعا : عنده الحتم .

ومن قال : كلاهما ندب لم يقف أيضا إلا على { آتاكم } لأن الثاني أيضا معطوف على الأول إذ{[48510]} معناهما جميعا الندب وهو مذهب مالك والثوري{[48511]} .


[48421]:ز: وليمنع.
[48422]:ز: نحاحا.
[48423]:انظر: القرطبي 2/243.
[48424]:ز: لحفا.
[48425]:ز: يردى.
[48426]:ز: لباس.
[48427]:ز: تدب.
[48428]:ز: عبده.
[48429]:ز:فيه.
[48430]:"على" ساقطة من ز.
[48431]:ز: أحد.
[48432]:ز: فريضتهم.
[48433]:ز: ممن.
[48434]:انظر: تفسير ابن جرير 18/126، وأحكام القرآن لابن العربي 3/1382، والرازي 23/218، والقرطبي 12/224، وابن كثير 5/96، ومجمع البيان 18/42.
[48435]:انظر: تفسير ابن جرير 18/126، وأحكام القرآن للجصاص 3/321، والقرطبي 12/245.
[48436]:"ذلك" ساقطة من ز.
[48437]:انظر: تفسير ابن جرير 18/127، والرازي 23/218، والقرطبي12/245، ومجمع البيان 18/42.
[48438]:هكذا في ز: ولم أتبينه في الأصل.
[48439]:انظر: تفسير ابن جرير 18/127، والكشاف، 3/66، وزاد المسير 6/37، والتسهيل3/143، والبحر 6/452، وابن كثير 5/96، ومجمع البيان 18/42.
[48440]:انظر: تفسير ابن جرير 18/127، وابن كثير 5/96.
[48441]:ذهب محمد بن الحسين النيسابوري أنها ندب وقال: "لأن طلب الكتابة كطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة فلا تجب الإجابة" انظر: 18/100. من غرائب القرآن.
[48442]:انظر: تفسير ابن جرير 18/127، والقرطبي 12/246، والخازن 5/74، والدر المنثور 18/190-191، وفتح القدير 4/31.
[48443]:انظر: زاد المسير 6/37، والبحر6/452، وابن كثير 5/96، والدر المنثور 18/191.
[48444]:ز: المسلمين، وانظر: كذلك ابن جرير 18/127.
[48445]:ز: قال.
[48446]:انظر: تفسير ابن جرير 18/127، وأحكام القرآن لابن العربي 3/1383، والقرطبي 12/145، والتسهيل 3/143.
[48447]:ابن زيد: هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه توفي رحمه الله تعالى سنة 180هـ انظر: تهذيب التهذيب 6/177.
[48448]:انظر: تفسير ابن جرير 18/128، والكشاف 3/66، وأحكام القرآن لابن العربي 3/1338، ومعزوا للشافعي، والبحر 6/452، وابن كثيرا 5/96، والدر المنثور 18/191.
[48449]:انظر: تفسير ابن جرير 18/128، وأحكام القرآن لابن العربي 3/1383، والتسهيل 3/143، والبحر 6/452، وأبو السعود 4/86، وفتح القدير 4/29.
[48450]:هو محمد بن سيرين البصري الأنصاري بالولاء، أبو بكر إمام وقته في علوم الدين بالبصرة. تابعي، من أشرف الكتاب مولده بالبصرة سنة33هـ، ووفاته بها سنة110هـ. انظر: تهذيب التهذيب 9/214، ووفيات الأعيان 1/453، وحلية الأولياء 2/263، ومعجم البلدان6/253، وتاريخ بغداد 5/331، والأعلام 7/25.
[48451]:انظر: غاية النهاية 1/498 رقم الترجمة 2073.
[48452]:انظر: التسهيل 3/143.
[48453]:هو باذان، ويقال بادان: أبو صالح: مولى أم هانئ بنت أبي طالب. انظر: ترجمته في تهذيب التهذيب 1/416، وتذكرة الحفاظ 1/89، وطبقات الحفاظ ص:33.
[48454]:انظر: تفسير ابن جرير 18/128 رواية عن ابن زيد.
[48455]:ز: علمتم.
[48456]:ز: خير.
[48457]:ز: فكاتبوه.
[48458]:انظر: تفسير ابن جرير 18/128، وأحكام القرآن للجصاص 3/322، والرازي 23/219، والنهر الماد2/1/2/545، والدر المنثور 18/190، وفتح القدير 4/31، وروح المعاني 18/154.
[48459]:ز: فيهم.
[48460]:انظر: الواحدي ص245، والسيوطي ص201.
[48461]:هو حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، صحابي، شهد الوقائع كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أشد الرماة في الصحابة، وكانت له تجارة واسعة، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى المقوقس صاحب الإسكندرية. ولد سنة 35 ومات في المدينة سنة 30هـ كان أحد فرسان قريش وشعرائها في الجاهلية. انظر: الإصابة 1/300، والأعلام2/163.
[48462]:ز: ثم قال.
[48463]:ز: يعذ.
[48464]:ز: مالك.
[48465]:انظر: تفسير ابن جرير 18/130، وأحكام القرآن لابن العربي 3/1384، والكشاف 3/66، والرازي 23/219، والقرطبي 12/252، والخازن5/74، والتسهيل 3/143، وابن كثير 5/96، ومجمع البيان 18/42، والدر المنثور 18/191، وأبو السعود 4/86، وفتح القدير 4/29، وروح المعاني 18/155.
[48466]:ز: يحفظها، تحريف.
[48467]:انظر: تفسير ابن جرير 18/130.
[48468]:ز: وقال.
[48469]:انظر: تفسير ابن جرير 18/130-131، وأحكام القرآن للجصاص3/322، والقرطبي 12/252، والخازن5/74، وابن كثير5/96.
[48470]:انظر: القرطبي12/252.
[48471]:ز: للمكاتبين.
[48472]:"بها" ساقطة من ز.
[48473]:"في" ساقطة من ز.
[48474]:ز: "حظمهم".
[48475]:هو قول الحسن، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأبيه، ومقاتل بن حيان، واختيار ابن جرير. انظر: 18/132، وانظر: أحكام القرآن للكيا الهراسي 4/294-295، وابن كثير 5/96-97.
[48476]:البقرة: 232.
[48477]:"أي" ساقطة من ز.
[48478]:"أي" ساقطة من ز.
[48479]:ز: متعلقا.
[48480]:بعده في ز: أي.
[48481]:انظر: الواحدي ص245-246، والسيوطي 201-202.
[48482]:انظر: الواحدي ص245-246، والسيوطي ص201-202.
[48483]:ز: ابن.
[48484]:"أبي" ساقطة من ز.
[48485]:انظر: أعلام النساء 5/59-60.
[48486]:ز: خراجا.
[48487]:ز: تسلما.
[48488]:"له" ساقطة من ز.
[48489]:ز: به.
[48490]:انظر: القرطبي 12/254.
[48491]:"عليه" ساقطة من ز.
[48492]:ز: زوجتها.
[48493]:المجادلة: 1.
[48494]:انظر: تفسير ابن جرير 18/133، وأحكام القرآن لابن العربي 3/1387.
[48495]:ز: تزن: تحريف.
[48496]:انظر: تفسير ابن جرير 18/132، وأحكام القرآن لابن العربي 3/1386.
[48497]:أسد الغابة 6/265.
[48498]:"الهاء" من يأمرها ساقطة من ز.
[48499]:انظر: تفسير ابن جرير 18/133، وابن كثير 5/99.
[48500]:ز: أتتا.
[48501]:مالك وأصحابه، انظر: الطبري18/127.
[48502]:انظر: منار الهدى ص195.
[48503]:ز: خبره.
[48504]:ز: الحتم.
[48505]:ز: من بعد ما تقدم.
[48506]:ز: معانيها.
[48507]:انظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/1384.
[48508]:قاله ابن جريج، وعطاء، وعمر، وابن عباس، وهو اختيار ابن جرير انظر: 18/126-127.
[48509]:انظر: منار الهدى ص195، والمكتفى ص408.
[48510]:"إذ" سقطت من ز.
[48511]:انظر: ابن جرير 18/127.