التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

وقوله - سبحانه - : { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } أمر من الله - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرد عليهم فيما استبعدوه وأنكروه من إعادتهم إلى الحياة بعد موتهم .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل الرد على استبعادهم ، والتحقير من شأنهم ، والتعجيز لهم : { كونوا } - إن استطعتم - { حجارة } كالتى تعبدونها من دون الله ، { أو حديدا } كالذى تستعملونه فى شئون حياتكم ، { أو } كونوا { خلقا } أى : مخلوقا سوى الحجارة والحديد { مما يكبر } أى : يعظم ويستبعد - { فى صدوركم } المظلمة - قبوله للحياة ، قل لهم : كونوا أى شئ من ذلك أو غيره إن استطعتم ، فإن الله - تعالى - لا يعجزه أن يعيدكم إلى الحياة مرة أخرى ، لكى يحاسبكم على أعمالكم ، ويجازيكم عليها بما تستحقون من عقاب .

فالمقصود من الجملة الكريمة ، بيان أن قدرة الله - تعالى - لا يعجزها شئ . .

قال الجمل : أجابهم الله - تعالى - بما معناه : تحولوا بعد الموت إلى أى صفة تزعمون أنها أشد منافاة للحياة ، وأبعد عن قبولها ، كصفة الحجرية والحديدية ونحوهما . فليس المراد الأمر ، بل المراد أنكم لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله - تعالى - عن الإِعادة .

وقوله - تعالى - : { فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا } أى : فسيقولون لك - أيها الرسول الكريم - من يعيدنا إلى الحياة مرة أخرى بعد أن نكون حجارة أو حديدا أو غيرهما ؟ .

وقوله - سبحانه - : { قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } رد على جهالاتهم وإنكارهم للبعث والحساب .

أى : قل لهم : الله - تعالى - الذى فطركم وخلقكم ، أول مرة ، على غير مثال سابق ، قادر على أن يعيدكم الى الحياة مرة أخرى . كما قال - تعالى - : { وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المثل الأعلى فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم } ثم بين - سبحانه - ما يكون منهم من استهزاء وسوء أدب عندما يسمعون من الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الإِجابات السديدة ، فقال : { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ متى هُوَ . . . } .

أى : فسيحركون إليك رءوسهم عندما يسمعون ردك عليهم ، ويقولون على سبيل الاستهزاء والسخرية والتكذيب : متى هو ؟ أى ما ذكرته من الإِعادة بعد الموت ، أو متى هو ذلك اليوم الذى سنعود فيه إلى الحياة بعد أن نصير عظاما ورفاتا .

فالجملة الكريمة تصور تصويرا بليغا ما جبلوا عليه من تكذيب بيوم القيامة ومن استهزاء بمن يذكرهم بأحوال ذلك اليوم العصيب . ومن استبعاد لحصوله كما قال - تعالى - : حكاية عنهم فى آية أخرى : { وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وقوله - تعالى - : { قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيباً } تذييل قصد به التهديد والوعيد لهم .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل التأنيب والوعيد : عسى هذا اليوم الذى تستبعدون حصوله ، يكون قريبا جدا وقوعه .

ولا شك فى أنه قريب ، لأن عسى فى كلام الله - تعالى - لما هو محقق الوقوع ، وكل ما هو محقق الوقوع فهو قريب ، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " - وأشار بالسبابة والوسطى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

40

( فسيقولون : من يعيدنا )?

من يردنا إلى الحياة إن كنا رفاتا وعظاما ، أو خلقا آخر أشد إيغالا في الموت والخمود ? ( قل : الذي فطركم أول مرة ) . .

وهو رد يرجع المشكلة إلى تصور بسيط واضح مريح . فالذي أنشاهم إنشاء قادر على أن يردهم أحياء . ولكنهم لا ينتفعون به ولا يقتنعون :

( فسينغضون إليك رؤوسهم ) ينغضونها علوا أو سفلا ، استنكارا و استهزاء :

( ويقولون : متى هو ? ) : استبعادا لهذا الحادث واستنكارا .

( قل : عسى أن يكون قريبا ) . .

فالرسول لا يعلم موعده تحديدا . ولكن لعله أقرب مما يظنون . وما أجدرهم أن يخشوا وقوعه وهم في غفلتهم يكذبون ويستهزئون !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

{ أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ }

قال ابن إسحاق عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : سألت ابن عباس عن ذلك فقال : هو الموت .

وروى عطية ، عن ابن عمر أنه قال في تفسير هذه الآية : لو كنتم موتى لأحييتكم . وكذا قال سعيد بن جبير ، وأبو صالح ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك .

ومعنى ذلك : أنكم لو فرضتم أنكم لو{[17584]} صِرْتُم مَوْتًا الذي هو ضد الحياة لأحياكم الله إذا شاء ، فإنه لا يمتنع{[17585]} عليه شيء إذا أراده .

وقد ذكر بن جرير [ هاهنا ]{[17586]} حديث : " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كَبْش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، أتعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم . ثم يقال : يا أهل النار ، أتعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم . فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، خلود بلا موت ، ويا أهل النار ، خلود بلا موت " {[17587]} .

وقال مجاهد : { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } يعني : السماء والأرض والجبال .

وفي رواية : ما شئتم فكونوا ، فسيعيدكم الله بعد موتكم .

وقد وقع في التفسير المروي عن الإمام مالك ، عن الزهري في قوله { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } قال : النبي صلى الله عليه وسلم ، قال مالك : ويقولون : هو الموت .

وقوله [ تعالى ]{[17588]} { فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا } أي : من يعيدنا إذا كنا حجارة أو حديدًا أو خلقًا آخر شديدًا { قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي : الذي خلقكم ولم تكونوا شيئًا مذكورًا ، ثم صرتم بشرًا تنتشرون ؛ فإنه قادر على إعادتكم ولو صرتم إلى أي حال { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] .

وقوله [ تعالى ]{[17589]} : { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ } : قال ابن عباس وقتادة : يحركونها استهزاء .

وهذا الذي قالاه هو الذي تفهمه العرب من لغاتها ؛ لأن{[17590]} الإنغاض هو : التحرك من أسفل إلى أعلى ، أو من أعلى إلى أسفل ، ومنه قيل للظليم - وهو ولد النعامة - : نغضًا ؛ لأنه إذا مشى عَجل{[17591]} في مشيته وحَرك رأسه . ويقال : نَغَضَت{[17592]} سنُه إذا تحركت وارتفعت من مَنْبَتها ؛ قال : الراجز{[17593]} :

ونَغَضَتْ مِنْ هَرَم أسنانها . . .

وقوله : { وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ } إخبار عنه بالاستبعاد منهم لوقوع{[17594]} ذلك ، كما قال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الملك : 25 ] ، وقال تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا } [ الشورى : 18 ] .

وقوله : { قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا } أي : احذروا ذلك ، فإنه قريب إليكم ، سيأتيكم لا محالة ، فكل ما هو آت آت .


[17584]:في ف: "قد".
[17585]:في ت: "إذا شاء فلا".
[17586]:زيادة من أ.
[17587]:تفسير الطبري (15/69) من طريق العوفيين عن ابن عمر، رضي الله عنه، وإسناده مسلسل بالضعفاء وأصله في صحيح مسلم برقم (2849) من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه.
[17588]:زيادة من ت.
[17589]:زيادة من ت.
[17590]:في ت، ف: "فإن".
[17591]:في ت، ف: "أعجل".
[17592]:في ت: "نغض".
[17593]:الرجز في تفسير الطبري (15/70).
[17594]:في ت: "وقوع".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

وقال مجاهد أراد ب «الخلق » ، الذي يكبر في الصدور : السماوات والأرض والجبال ، وقال ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو والحسن وابن جبير والضحاك : أراد الموت ، وقال قتادة ومجاهد : بل أحال على فكرتهم عموماً ، ورجحه الطبري ، وهذا هو الأصح ، لأنه بدأ بشيء صلب ، ثم تدرج القول إلى أقوى منه ، ثم أحال على فكرهم ، إن شاؤوا في أشد من الحديد ، فلا وجه لتخصيص شيء دون شيء ، ثم احتج عليهم عز وجل في الإعادة بالفطرة الأولى ، من حيث خلقهم ، واخترعهم من تراب ، فكذلك يعيدهم إذا شاء ، لا رب غيره ، وقوله { فسينغضون } معناه : يرفعون ويخفضون يريد على جهة التكذيب ، قال ابن عباس : والاستهزاء .

قال الزجاج : تحريك من يبطل الشيء ويستبطئه ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]

أنغض نحوي رأسه وأقنعا . . . كأنما أبصر شيئاً أطمعا{[7594]}

ويقال نغضت السنّ إذا تحركت وقال ذو الرمة : [ الطويل ]

ظعائن لم يسكن أكناف قرية . . . بسيف ولم تنغض بهن القناطر{[7595]}

قال الطبري وابن سلام و { عسى } من الله واجبة والمعنى : وهو قريب .

قال القاضي أبو محمد : وهذه إنما هي من النبي عليه السلام ، ولكنها بأمر الله ، فيقربها ذلك من الوجوب ، وكذلك قال عليه السلام «بعثت أنا والساعة كهاتين »{[7596]} ، وفي ضمن اللفظ توعد لهم .


[7594]:يستشهد ابن عطية بهذا الرجز على ـأن (أنغض) بمعنى: حرك رأسه حركة من يبطل الشيء ويستبطئه، قال الفراء: "أنغض رأسه إذا حركه إلى فوق وإلى أسفل". وفي اللسان: "الرأس ينغض وينغص، لغتان"، وأقنعا:رفع بصره ووجهه إلى ما حيال رأسه من السماء مع شخوص البصر نحو الشيء لا يصرفه عنه، وفي التنزيل العيز: {مقنعي رءوسهم}. يصفه في البيتين بأنه حرك رأسه حركة من لا يقبل الشيء، وشخص ببصره نحو السماء لا يصرفه كأنه رأى شيئا طمع فيه.
[7595]:الظعائن: جمع ظعينة، والظعينة في الأصل: الجمل يظعن عليه، أو الهودج، ثم قيل للمرأة في الهودج: ظعينة، سميت بذلك على حد تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه. والأكناف: جمع كنف وهو ناحية الشيء، فأكناف القرية: نواحيها، والسيف: ساحل البحر، وقال ابن الأعرابي: الموضع النقي من الماء، وفي حديث جابر: (فأتينا سيف البحر) أي: ساحله. وقد استشهد في اللسان (نغض) بالجزء الأخير من البيت، قال: "وكل حركة في ارتجاف نغض، يقال: نغض رحل البعير وثنية الغلام نغضا ونغضانا، قال ذو الرمة: ولم تنغض بهن القناطر".
[7596]:أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري، ومسلم، والترمذي، عن أنس رضي الله عنه، وأخرجه الإمام أحمد أيضا في مسنده، والبخاري، ومسلم، عن سهل بن سعد، ورمز له الإمام السيوطي بالصحة في الجامع الصغير.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

والخلق : بعنى المخلوق ، أي أو خلقاً آخر مما يعظم في نفوسكم عن قبوله الحياة ويستحيل عندكم على الله إحياؤه مثل الفولاذ والنحاس .

وقوله : { مما يكبر في صدوركم } صفة { خلقاً } .

ومعنى { يكبر } يعظم وهو عظم مجازي بمعنى القوي في نوعه وصفاته ، والصدور : العقول ، أي مما تعدونه عظيماً لا يتغير .

وفي الكلام حذف دل عليْه الكلام المردود وهو قولهم : { أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون } [ الإسراء : 49 ] . والتقدير : كونوا أشياء أبعد عن قبول الحياة من العظام والرفات .

والمعنى : لو كنتم حجارة أو حديداً لأحياكم الله ، لأنهم جعلوا كونهم عظاماً حجة لاستحالة الإعادة ، فرد عليهم بأن الإعادة مقدرة لله تعالى ولو كنتم حجارة أو حديداً ، لأن الحجارة والحديد أبعد عن قبول الحياة من العظام والرفات إذ لم يسبق فيهما حلول الحياة قط بخلاف الرفات والعظام .

والتفريع في { فسيقولون من يعيدنا } على جملة { قل كونوا حجارة } أي قل لهم ذلك فسيقولون لك : من يعيدنا .

وجُعِلَ سؤالهم هنا عن المعيد لا عن أصل الإعادة لأن البحث عن المعيد أدخل في الاستحالة من البحث عن أصل الإعادة ، فهو بمنزلة الجواب بالتسليم الجدلي بعد الجواب بالمنع فإنهم نفوا إمكان إحياء الموتى ، ثم انتقلوا إلى التسليم الجدلي لأن التسليم الجدلي أقوى ، في معارضة الدعوى ، من المنع .

والاستفهام في { من يعيدنا } تهكمي . ولما كان قولهم هذا محقق الوقوع في المستقبل أمر النبي بأن يجيبهم عندما يقولونه جواب تعيين لمن يعيدهم إبطالاً للازم التهكم ، وهو الاستحالة في نظرهم بقوله : { قل الذي فطركم أول مرة } إجراء لظاهر استفهامهم على أصله بحمله على خلاف مرادهم ، لأن ذلك أجدر على طريقة الأسلوب الحكيم لزيادة المحاجة ، كقوله في محاجة موسى لفرعون { قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين } [ الشعراء : 25 26 ] .

وجيء بالمسند إليه موصولاً لقصد ما في الصلة من الإيماء إلى تعليل الحكم بأن الذي فطرهم أول مرة قادر على إعادة خلقهم ، كقوله تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] فإنه لقدرته التي ابتدأ بها خلقكم في المرة الأولى قادر أن يخلقكم مرة ثانية .

والإنغاض : التحريك من أعلى إلى أسفل والعكس . فإنغاض الرأس تحريكه كذلك ، وهو تحريك الاستهزاء .

واستفهموا عن وقته بقولهم : { متى هو } استفهام تهكم أيضاً ؛ فأمر الرسول بأن يجيبهم جواباً حقاً إبطالاً للازم التهكم ، كما تقدم في نظيره آنفاً .

وضمير { متى هو } عائد إلى العود المأخوذ من قوله : { يعيدنا } كقوله : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] .

و { عسى } للرجاء على لسان الرسول : والمعنى لا يبعد أن يكون قريباً .