التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

والمراد بالإِنسان هنا : الجنس وليس واحدا معينا .

قال الآلوسى : وقوله : { دعاءه بالخير } أى : دعاء كدعائه بالخير ، فحذف الموصوف وحرف التشبيه وانتصب المجرور على المصدرية .

والمعنى : ويدعو الإِنسان حال غضبه وضجره ، على نفسه ، أو على غيره ، { بالشر } كأن يقول : " اللهم أهلكنى ، أو أهلك فلانا . . " .

{ دعاءه بالخير } أى : يدعو بالشر على نفسه أو على غيره ، كدعائه بالخير ، كأن يقول : اللهم اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين .

قال ابن كثير : يخبر - تعالى - عن عجلة الإِنسان ، ودعائه فى بعض الأحيان على نفسه أو ولده ، أو ماله ، { بالشر } أى : بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك ، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه ، كما قال - تعالى - : .

{ وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ . . } وفى الحديث : " لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم ، أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها " .

وقيل المراد بالإِنسان هنا : الكافر ، أو الفاسق الذى يدعو الله - تعالى - بالشر ، كأن يسأله بأن ييسر له أمرا محرما كالقتل والسرقة والزنا وما يشبه ذلك .

وقد أشار القرطبى إلى هذا الوجه بقوله : " وقيل نزلت فى النضر بن الحارث ، كان يدعو ويقول - كما حكى القرآن عنه - : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقيل : هو أن يدعو فى طلب المحظور ، كما يدعو فى طلب المباح . كما فى قول الشاعر :

أطوف بالبيت فيمن يطوف . . . وأرفع من مئزرى المُسْبَلِ

واسجل بالليل حتى الصباح . . . وأتلوا من المحكمِ المنزلِ

عسى فارج الهم عن يوسفٍ . . . يُسخر لى ربة المَحْمَلِ

ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب ، لأنه المأثور عن بعض الصحابة والتابعين وهم أدرى بتفسير كتاب الله من غيرهم .

قال ابن جرير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية : عن ابن عباس قال فى قوله - تعالى - : { وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير . . } يعنى قول الإِنسان اللهم العنه واغضب عليه ، فلو يعجل له الله ذلك كما يعجل له الخير لهلك . . .

وقال قتادة : يدعو على ماله فيلعن ماله ، ويدعو على ولده ، ولو استجاب الله له لأهلكه .

وقال مجاهد : ذلك دعاء الإِنسان بالشر على ولده وعلى امرأته ولا يحب أن يجاب .

وقوله - تعالى - : { وَكَانَ الإنسان عَجُولاً } بيان للسبب الذى حمل الإِنسان على أن يدعو بالشر كما يدعو بالخير .

والعجول من العجل - بفتح العين والجيم - وهو الإِسراع فى طلب الشئ قبل وقته .

يقال : عجل - بزنة تعب - يعجل فهو عجلان ، إذا أسرع .

أى : وكان الإِنسان متسرعا فى طلب كل ما يقع فى قلبه ، ويخطر بباله ، لا يتأنى فيه تأنى المتبصر ، ولا يتأمل تأمل المتدبر .

وشبيه بهذه الجملة قوله - تعالى - : { خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

( ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا ) . .

ذلك أنه لا يعرف مصائر الأمور وعواقبها . ولقد يفعل الفعل وهو شر ، ويعجل به على نفسه وهو لا يدري . أو يدري ولكنه لا يقدر على كبح جماحه وضبط زمامه . . فأين هذا من هدى القرآن الثابت الهادى ء الهادي?

ألا إنهما طريقان مختلفان : شتان شتان . هدى القرآن وهوى الإنسان !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

يخبر تعالى عن عجلة الإنسان ، ودعائه في بعض الأحيان على نفسه أو ولده أو ماله { بِالشَّرِّ } أي : بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك ، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه ، كما قال تعالى : { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } [ يونس : 11 ] ، وكذا فسره ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وقد تقدم في الحديث : " لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم ، أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها " .

وإنما يحمل ابن آدم على ذلك عجلته وقلقه ؛ ولهذا قال تعالى { وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا }

وقد ذكر سلمان الفارسي وابن عباس - رضي الله عنهما - هاهنا قصة آدم ، عليه السلام ، حين همّ بالنهوض قائمًا قبل أن تصل الروح إلى رجليه ، وذلك أنه جاءته النفخة من قبل رأسه ، فلما وصلت إلى دماغه عطس ، فقال : الحمد لله . فقال الله : يرحمك ربك يا آدم . فلما وصلت إلى عينيه فتحهما ، فلما سرت إلى أعضائه وجسده جعل ينظر إليه ويعجبه ، فهمّ بالنهوض قبل أن تصل إلى رجليه فلم يستطع{[17237]} وقال : يا رب عجل{[17238]} قبل الليل .


[17237]:في ت: "قبل أن يستطيع".
[17238]:في ت، ف: "اعجل".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

{ ويدع الإنسان بالشّر } ويدعو الله تعالى عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله ، أو يدعوه بما حسبه خيرا وهو شر . { دعاءه بالخير } مثل دعائه بالخير . { وكان الإنسان عجولاً } يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته . وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط . روي : أنه عليه السلام دفع أسيرا إلى سودة بنت زمعة فحرمته لأنينه فأخرت كتافه ، فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم فقال عليه السلام : اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت . ويجوز أن يريد بالإنسان الكافر وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن الحارث : اللهم انصر خير الحزبين ، { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } الآية . فأجيب له فضرب عنقه صبرا يوم بدر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا} (11)

موقع هذه الآية هنا غامض ، وانتزاع المعنى من نظمها وألفاظها أيضاً ، ولم يأت فيها المفسرون بما ينثلج له الصدر . والذي يظهر لي أن الآية التي قبلها لما اشتملت على بشارة وإنذار وكان المنذرون إذا سمعوا الوعيد والإنذار يستهزئون به ويقولون : { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يس : 48 ] عُطف هذا الكلام على ما سبق تنبيهاً على أن لذلك الوعد أجلاً مسمى . فالمراد بالإنسان الإنسان الذي لا يؤمن بالآخرة كما هو في قوله تعالى : { ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حياً } و { أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً } [ مريم : 66 67 ] وإطلاق الإنسان على الكافر كثير في القرآن .

وفعل يدعو } مستعمل في معنى يطلب ويبتغي ، كقول لبيد

ادْعُو بهن لعَاقر أو مُطْفِل *** بُذِلَت لجيران الجميع لِحَامُها

وقوله : { دعاءه بالخير } مصدر يفيد تشبيهاً ، أي يستعجل الشر كاستعجاله الخير ، يعني يستبطىء حلول الوعيد كما يستبطىء أحد تأخر خير وعد به .

وقوله : { وكان الإنسان عجولاً } تذييل ، فالإنسان هنا مراد به الجنس لأنه المناسب للتذييل ، أي وما هؤلاء الكافرون الذين لا يؤمنون بالآخرة إلا من نوع الإنسان ، وفي نوع الإنسان الاستعجال فإن ( كان ) تدل على أن اسمها متصف بخبرها اتصافاً متمكناً كقوله تعالى : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } [ الكهف : 54 ] .

والمقصود من قوله : { وكان الإنسان عجولاً } الكناية عن عدم تبصره وأن الله أعلم بمقتضى الحكمة في توقيت الأشياء { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم } [ يونس : 11 ] ، ولكنه دَرّج لهم وصول الخير والشر لطفاً بهم في الحالين .

والباء في قوله : بالشر وبالخير لتأكيد لصوق العامل بمعموله كالتي في قوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } [ المائدة : 6 ] ؛ أو لتضمين مادة الدعاء معنى الاستعجال ، فيكون كقوله تعالى : { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } [ الشورى : 18 ] .

وعجول : صيغة مبالغة في عاجل . يقال : عجل فهو عاجل وعجول .

وكتب في المصحف { ويدع } بدون واو بعد العين إجراء لرسم الكلمة على حالة النطق بها في الوصل كما كتب { سَنْدُع الزبانية } [ العلق : 18 ] ونظائرها . قال الفراء : لو كتبت بالواو لكان صواباً .