التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

ثم ذكر - سبحانه - بعد ذلك مظاهر فضله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال : { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } .

واللام فى قوله { لِّيَغْفِرَ } متعلقة بقوله : { فَتْحاً } وهى للتعليل . والمراد بما تقدم من ذنبه - صلى الله عليه وسلم - ما كان قبل النبوة ، وبما تأخر منه ما كان بعدها .

والمراد بالذنب هنا بالنسبة له - صلى الله عليه وسلم - ما كان خلاف الأولى ، فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، أو المراد بالغفران : الحيلولة بينه وبين الذنوب كلها ، فلا يصدر منه - صلى الله عليه وسلم - ذنب ، لأن غفران الذنوب معناه : سرتها وتغطيتها وإزالتها .

قال الشوكانى : وقوله - تعالى - : { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } اللام : متعلقة بفتحنا وهى لام العلة ، قال المبرد : هى لام كى ومعناها : إنا فتحنا لك فتحا مبينا - أى : ظاهرا واضحا مكشوفا - لكى يجتمع لك مغ المغفرة تمام النعمة فى الفتح ، فلما انضم إلى المغفرة شئ حادث واقع حسن معنى كى .

وقال ابن عطية : المراد أن الله فتح لك لكى يجعل الفتح علامة لغفرانه لك ، فكأنها لام الصيرورة .

وقال بعض العلماء : وقوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } هو كناية عن عدم المؤاخذة . أو المراد بالذنب ما فرط منه - صلى الله عليه وسلم - من خلاف الأولى بالنسبة لمقامه - صلى الله عليه وسلم - أو المراد بالغفران : الحيلولة بينه وبين الذنوب كلها ، فلا يصدر منه ذنب . لأن الغفر هو الستر ، والستر إما بين العبد والذنب ، وهو اللائق بمقام النبوة ، أو بين الذنب وعقوبته ، وهو اللائق بغيره .

واللام فى { لِّيَغْفِرَ } للعلة الغائية . أى : أن مجموع المتعاطفات الأربعة غاية للفتح المبين ، وسبب عنه لا كل واحد منها .

والمعنى : يسرنا لك هذا الفتح لإِتمام النعمة عليك ، وهدايتك إلى الصراط المستقيم ، ولنصرك نصرا عزيزا .

ولما امتن الله عليه بهذه النعم ، صدرها بما هو اعظم ، وهو المغفرة الشاملة ليجمع له بين عزى الدنيا والآخرة . فليست المغفرة مسببة عن الفتح .

ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - مع هذه المغفرة من الله - تعالى - له ، أعبد الناس لربه ، وأشدهم خوفا منه ، وأكثرهم صلة به .

قال ابن كثير : قال الإِمام أحمد : " حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال : سمعت المغيرة بن شعبة يقول : كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يصلى حتى تَرِمَ قدماه أى : تتورهم - فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " أفلا أكون عبدا شكورا " " .

وعن عروة بن الزبير " عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه - أى : تتشقق - فقالت له عائشة : يا رسول الله ، أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟

فقال : " يا عائشة ، أفلا أكون عدبا شكورا . . " " .

وقوله - تعالى - : { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } معطوف على ما قبله . أى : ويتم - سبحانه - نعمه عليك - أيها الرسول الكريم - بأن يظهر دعوتك ، ويكتب بها النصر ، والخلود ، ويعطيك من الخصائص والمناقب ما لم يعطه لأحد من الأنبياء ، فضلا عن غيرهم .

{ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } أى : ويهديك ويرشدك - سبحانه - بفضله وكرمه ، إلى الطريق القويم ، والدين الحق ، والأقوال الطيبة ، والأعمال الصالحة . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، ويتم نعمته عليك ، ويهديك صراطا مستقيما ، وينصرك الله نصرا عزيزا ) . .

تفتتح السورة بهذا الفيض الإلهي على رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] : فتح مبين . ومغفرة شاملة . ونعمة تامة . وهداية ثابتة . ونصر عزيز . . إنها جزاء الطمأنينة التامة لإلهام الله وتوجيهه . والاستسلام الراضي لإيحائه وإشارته . والتجرد المطلق من كل إرادة ذاتية . والثقة العميقة بالرعاية الحانية . . يرى الرؤيا فيتحرك بوحيها . وتبرك الناقة ، ويتصايح الناس : خلأت القصواء . فيقول . " ما خلأت . وما هو لها بخلق . ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة . لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلى أعطيتهم إياها " . . ويسأله عمر بن الخطاب في حمية : فلم نعطي الدنية في ديننا ? فيجيبه : " أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني " . . ذلك وحين يشاع أن عثمان قتل يقول [ صلى الله عليه وسلم ] : " لا نبرح حتى نناجز القوم " . . ويدعو الناس إلى البيعة ، فتكون بيعة الرضوان التي فاض منها الخير على الذين فازوا بها وسعدوا .

وكان هذا هو الفتح ؛ إلى جانب الفتح الآخر الذي تمثل في صلح الحديبية ، وما أعقبه من فتوح شتى في صور متعددة :

كان فتحا في الدعوة . يقول الزهري : فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه . إنما كان القتال حيث التقى الناس . فلما كانت الهدنة ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس بعضهم بعضا ، والتقوا ، فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، ولم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه . ولقد دخل في تينك السنتين " بين صلح الحديبية وفتح مكة " مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر .

قال ابن هشام : والدليل على قول الزهري أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] خرج إلى الحديبية في ألف وأربع مائة في قول جابر بن عبد الله . ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف .

وكان ممن أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص .

وكان فتحا في الأرض . فقد أمن المسلمون شر قريش ، فاتجه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى تخليص الجزيرة من بقايا الخطر اليهودي - بعد التخلص من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة - وكان هذا الخطر يتمثل في حصون خيبر القوية التي تهدد طريق الشام . وقد فتحها الله على المسلمين ، وغنموا منها غنائم ضخمة ، جعلها الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] فيمن حضر الحديبية دون سواهم .

وكان فتحا في الموقف بين المسلمين في المدينة وقريش في مكة وسائر المشركين حولها . يقول الأستاذ محمد عزة دروزة بحق في كتابه : [ سيرة الرسول . صور مقتبسة من القرآن الكريم ] :

" ولا ريب في أن هذا الصلح الذي سماه القرآن بالفتح العظيم يستحق هذا الوصف كل الاستحقاق . بل إنه ليصح أن يعد من الأحداث الحاسمة العظمى في السيرة النبوية ، وفي تاريخ الإسلام وقوته وتوطده ، أو بالأحرى من أعظمها . فقد اعترفت قريش بالنبي والإسلام وقوتهما وكيانهما ، واعتبرت النبي والمسلمين أندادا لها ، بل دفعتهم عنها بالتي هي أحسن ، في حين أنها غزت المدينة في سنتين مرتين ، وكانت الغزوة الأخيرة قبل سنة من هذه الزيارة وبحشد عظيم مؤلف منها ومن أحزابها لتستأصل شأفتهم ، وبعثت هذه الغزوة في نفوس المسلمين أشد الاضطراب والهلع لضعفهم وقلتهم إزاء الغزاة . ولهذا شأن عظيم في نفوس العرب ، الذين كانوا يرون في قريش الإمام والقدوة ، والذين كانوا متأثرين بموقفهم الجحودي كل التأثر . وإذا لوحظ أن الأعراب كانوا يقدرون أن النبي والمسلمين لن يعودوا سالمين من هذه الرحلة ، وأن المنافقين كانوا يظنون أسوأ الظنون . بدت لنا ناحية من نواحي خطورة هذا الفتح وبعد مداه .

" ولقد أثبتت الأحداث صدق إلهام النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فيما فعل ، وأيده فيه القرآن ، وأظهرت عظم الفوائد المادية والمعنوية والسياسية والحربية والدينية التي عادت على المسلمين منه . إذ قووا في عيون القبائل ، وبادر المتخلفون من الأعراب إلى الاعتذار ، وازداد صوت المنافقين في المدينة خفوتا وشأنهم ضآلة ، وإذ صار العرب يفدون على النبي[ صلى الله عليه وسلم ] من أنحاء قاصية ، وإذ تمكن من خضد شوكة اليهود في خيبر وغيرها من قراهم المتناثرة على طريق الشام ، وإذ صار يستطيع أن يبعث بسراياه إلى أنحاء قاصية كنجد واليمن والبلقاء ، وإذ استطاع بعد سنتين أن يغزو مكة ويفتحها ، وكان في ذلك النهاية الحاسمة ، إذ جاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجا " . .

ونحن نعود فنؤكد أنه كان هناك - إلى جانب هذا كله - فتح آخر . فتح في النفوس والقلوب ، تصوره بيعة الرضوان ، التي رضي عنها الله وعن أصحابها ذلك الرضى الذي وصفه القرآن . ورسم لهم على ضوئه تلك الصورة الوضيئة الكريمة في نهاية السورة : محمد رسول الله . والذين معه . . . الخ . فهذا فتح في تاريخ الدعوات له حسابه ، وله دلالته ، وله آثاره بعد ذلك في التاريخ .

ولقد فرح رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بهذه السورة . فرح قلبه الكبير بهذا الفيض الرباني عليه وعلى المؤمنين معه . فرح بالفتح المبين . وفرح بالمغفرة الشاملة ، وفرح بالنعمة التامة ، وفرح بالهداية إلى صراط الله المستقيم . وفرح بالنصر العزيز الكريم . وفرح برضى الله عن المؤمنين ووصفهم ذلك الوصف الجميل . وقال - في رواية - : " نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها " . . وفي رواية : " لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس " . . وفاضت نفسه الطيبة بالشكر لربه على ما أولاه من نعمته . فاضت بالشكر في صورة صلاة طويلة مديدة ، تقول عنها عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا صلى قام حتى تنفر رجلاه ، فقالت له عائشة - رضي الله عنها - يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ? فقال [ صلى الله عليه وسلم ] : " يا عائشة ، أفلا أكون عبدا شكورا ? " . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

وقوله : { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } : هذا من خصائصه - صلوات الله وسلامه عليه - التي لا يشاركه فيها غيره . وليس صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو - صلوات الله وسلامه عليه - في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة التي لم ينلها بشر سواه ، لا من الأولين ولا من الآخرين ، وهو أكمل البشر على الإطلاق ، وسيدهم في الدنيا والآخرة . ولما كان أطوع خلق الله لله ، وأكثرهم{[26761]} تعظيما لأوامره{[26762]} ونواهيه . قال حين بركت به الناقة : " حبسها حابس الفيل " ثم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها " {[26763]} فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح ، قال الله له : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } أي : في الدنيا والآخرة ، { وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } أي : بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم .


[26761]:- (2) في ت، أ: "وأشدهم"
[26762]:- (3) في ت: "لأوامر الله".
[26763]:- (4) رواه البخاري في صحيحه برقم (2731، 2732).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

يعني بقوله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا يقول : إنا حكمنا لك يا محمد حكما لمن سمعه أو بلغه على من خالفك وناصبك من كفار قومك ، وقضينا لك عليهم بالنصر والظفر ، لتشكر ربك ، وتحمده على نعمته بقضائه لك عليهم ، وفتحه ما فتح لك ، ولتسبحه وتستغفره ، فيغفر لك بفعالك ذلك ربك ، ما تقدّم من ذنبك قبل فتحه لك ما فتح ، وما تأخّر بعد فتحه لك ذلك ما شكرته واستغفرته .

وإنما اخترنا هذا القول في تأويل هذه الآية لدلالة قول الله عزّ وجلّ إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالفَتْح ، ورأيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أفْوَاجا ، فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كانَ تَوّابا على صحته ، إذ أمره تعالى ذكره أن يسبح بحمد ربه إذا جاءه نصر الله وفتح مكة ، وأن يستغفره ، وأعلمه أنه توّاب على من فعل ذلك ، ففي ذلك بيان واضح أن قوله تعالى ذكره : لَيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخّرَ إنما هو خبر من الله جلّ ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام عن جزائه له على شكره له ، على النعمة التي أنعم بها عليه من إظهاره له ما فتح ، لأن جزاء الله تعالى عباده على أعمالهم دون غيرها .

وبعد ففي صحة الخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم حتى ترِم قدماه ، فقيل له : يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : «أفَلا أكُونُ عَبْدا شَكُورا ؟ » ، الدلالة الواضحة على أن الذي قلنا من ذلك هو الصحيح من القول ، وأن الله تبارك وتعالى ، إنما وعد نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم غفران ذنوبه المتقدمة ، فتح ما فتح عليه ، وبعده على شكره له ، على نعمه التي أنعمها عليه . وكذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم : «إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ وأتُوبُ إلَيْهِ فِي كُلّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرّةٍ » ولو كان القول في ذلك أنه من خبر الله تعالى نبيه أنه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر على غير الوجه الذي ذكرنا ، لم يكن لأمره إياه بالاستغفار بعد هذه الآية ، ولا لاستغفار نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ربه جلّ جلاله من ذنوبه بعدها معنى يعقل ، إذ الاستغفار معناه : طلب العبد من ربه عزّ وجلّ غفران ذنوبه ، فإذا لم يكن ذنوب تغفر لم يكن لمسألته إياه غفرانها معنى ، لأنه من المحال أن يقال : اللهمّ اغفر لي ذنبا لم أعمله . وقد تأوّل ذلك بعضهم بمعنى : ليغفر لك ما تقدّم من ذنبك قبل الرسالة ، وما تأخر إلى الوقت الذي قال : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ . وأما الفتح الذي وعد الله جلّ ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم هذه العدة على شكره إياه عليه ، فإنه فيما ذُكر الهدنة التي جرت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش بالحديبية .

وذُكر أن هذه السورة أُنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفة عن الحديبية بعد الهدنة التي جرَت بينه وبين قومه . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : قضينا لك قضاءً مبينا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا والفتح : القضاء .

ذكر الرواية عمن قال : هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ذكرت :

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن عامر إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : الحديبية .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : نحرُه بالحديبية وحَلْقُه .

حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا أبو بحر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا جامع بن شدّاد ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : لما أقبلنا من الحُديبية أعرسنا فنمنا ، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت ، فاستيقظنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم ، قال : فقلنا أيقظوه ، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «افْعَلُوا كمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ ، فكذلك من نام أو نسي » قال : وفقدنا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدناها قد تعلّق خطامها بشجرة ، فأتيته بها ، فركب فبينا نحن نسير ، إذ أتاه الوحي ، قال : وكان إذا أتاه اشتدّ عليه فلما سري عنه أخبرنا أنه أُنزل عليه : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا .

حدثنا أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي يحدّث عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : لما رجعنا من غزوة الحديبية ، وقد حيل بيننا وبين نسكنا ، قال : فنحن بين الحزن والكآبة ، قال : فأنزل الله عزّ وجلّ : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ ، وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ، ويَهْدِيَكَ صِرَاطا مُسْتَقِيما ، أو كما شاء الله ، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَليّ آيَةٌ أحَبّ إليّ مِنَ الدّنْيا جَمِيعا » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، في قوله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم مرجعه من الحديبية ، وقد حيل بينهم وبين نسكهم ، فنحر الهدي بالحديبية ، وأصحابه مخالطو الكآبة والحزن ، فقال : «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَليّ آيَةٌ أحَبّ إليّ مِنَ الدّنْيا جَمِيعا » ، فَقَرأ إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا . لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ . . . إلى قوله : عَزِيزا فقال أصحابه هنيئا لك يا رسول الله قد بين الله لنا ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ، فأنزل الله هذه الآية بعدها لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنات جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارَ خالِدِينَ فِيها . . . إلى قوله : وكانَ ذلكَ عِنْدَ اللّهِ فَوْزا عَظِيما .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا همام ، قال : حدثنا قتادة ، عن أنس ، قال : أُنزلت هذه الآية ، فذكر نحوه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بنحوه ، غير أنه قال في حديثه : فَقال رجل من القوم : هنيئا لك مريئا يا رسول الله ، وقال أيضا : فبين الله ماذا يفعل بنبيه عليه الصلاة والسلام ، وماذا يفعل بهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : «نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ مرجعه من الحديبية ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ نَزَلَتْ عَليّ آيَةٌ أحَبّ إليّ مِمّا عَلى الأرْضِ » ، ثم قرأها عليهم ، فقالوا : هنيئا مريئا يا نبيّ الله ، قد بين الله تعالى ذكره لك ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه : لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ . . . إلى قوله : فَوْزا عَظِيما » .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت هذه الآية إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ ، وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ، ويَهْدِيَكَ صِرَاطا مُسْتَقِيما قالوا : هنيئا مريئا لك يا رسول الله ، فماذا لنا ؟ فنزلت لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها ، وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة يحدّث عن أنس في هذه الآية إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : الحديبية .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : ما كنا نعدّ فتح مكة إلا يوم الحديبية .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن عبد العزيز بن سياه ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل ، قال : تكلم سهل بن حنيف يوم صفّين ، فقال : يا أيها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد رأيتنا يوم الحديبية ، يعني الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ألسنا على حقّ وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : «بَلى » ، قال : ففيم نُعطَى الدنية في ديننا ، ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : «يا بْنَ الخَطّابِ ، إنّي رَسُولُ الله ، وَلَنْ يُضَيّعَنِي أبَدا » ، قال : فرجع وهو متغيظ ، فلم يصبر حتى أتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : ففيم نعطَى الدنية في ديننا ، ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : يا بن الخطاب إنه رسول الله ، لن يضيعه الله أبدا ، قال : فنزلت سورة الفتح ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ، فأقرأه إياها ، فقال : يا رسول الله ، أوَ فَتْح هو ؟ قال : «نَعَمْ » .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن جابر ، قال : ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة مِئة ، والحديبية : بئر .

حدثني موسى بن سهل الرملي ، حدثنا محمد بن عيسى ، قال : حدثنا مُجَمع بن يعقوب الأنصاريّ ، قال : سمعت أبي يحدّث عن عمه عبد الرحمن بن يزيد ، عن عمه مجمّع بن جارية الأنصاريّ ، وكان أحد القرّاء الذين قرأوا القرآن ، قال : شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرفنا عنها ، إذا الناس يهزّون الأباعر ، فقال بعض الناس لبعض : ما للناس ، قالوا : أُوحِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا ، لَيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ فقال رجل : أوَ فتحٌ هو يا رسول الله ؟ قال : «نَعَمْ » ، «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّهُ لَفَتْحٌ » ، قال : فقُسّمَت خيبر على أهل الحديبية ، لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية ، وكان الجيش ألفا وخمس مئة ، فيهم ثلاث مئة فارس ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبيّ ، قال : نزلت إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا بالحديبية ، وأصاب في تلك الغزوة ما لم يصبه في غزوة ، أصاب أن بُويع بيعة الرضوان ، وغُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، وظهرت الروم على فارس ، وبلغ الهَدْىُ مَحِله ، وأُطعموا نخل خيبر ، وفرح المؤمنون بتصديق النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وبظهور الروم على فارس .

وقوله تعالى : وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بإظهاره إياك على عدوّك ، ورفعه ذكرك في الدنيا ، وغفرانه ذنوبك في الاَخرة ويَهْدِيَكَ صِرَاطا مُسْتَقِيما يقول : ويرشدك طريقك من الدين لا اعوجاج فيه ، يستقيم بك إلى رضا ربك وَيَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْرا عَزِيزا يقول : وينصرك على سائر أعدائك ، ومن ناوأك نصرا ، لا يغلبه غالب ، ولا يدفعه دافع ، للبأس الذي يؤيدك الله به ، وبالظفر الذي يمدّك به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا} (2)

ثم عظم الله أمر نبيه بأن نبأه أنه غفر له { ما تقدم } من ذنبه { وما تأخر } ، فقوله : { ليغفر } هي لام كي ، لكنها تخالفها في المعنى والمراد هنا أن الله فتح لك لكي يجعل ذلك أمارة وعلامة لغفرانه لك ، فكأنها لام صيرورة ، ولهذا قال عليه السلام : «لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة هي أحب إليّ من الدنيا »{[10396]} . وقال الطبري وابن كيسان المعنى : { إنا فتحنا لك } فسبح بحمد ربك واستغفره ليغفر لك ، وبنيا هذه الآية مع قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح }{[10397]} [ النصر : 1 ] السورة إلى آخرها .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف من وجهين أحدهما : أن سورة ، { إذا جاء نصر الله والفتح } [ النصر : 1 ] إنما نزلت من أخر مدة النبي عليه السلام ناعية له نفسه حسبما قال ابن عباس عندما سأل عمر عن ذلك . والآخر : أن تخصيص النبي عليه السلام بالتشريف كان يذهب ، لأن كل أحد من المؤمنين هو مخاطب بهذا الذي قال الطبري ، أي سبح واستغفر لكي يغفر الله ، ولا يتضمن هذا أن الغفران قد وقع ، وما قدمناه أولاً يقتضي وقوع الغفران للنبي عليه السلام ، ويدل على ذلك قول الصحابة له حين قام حتى تورمت قدماه : أتفعل هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال :

«أفلا أكون عبداً شكوراً » ؟{[10398]} فهذا نص في أن الغفران قد وقع . وقال منذر بن سعيد المعنى : مجاهدتك بالله المقترنة بالفتح هي ليغفر . وحكى الثعلبي عن الحسن بن الفضل أن المعنى : { إنا فتحنا لك } فاستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات { ليغفر لك } الآية ، وهذا نحو قول الطبري .

وقوله : { ما تقدم من ذنبك وما تأخر } قال سفيان الثوري : { ما تقدم } يريد قبل النبوءة . { وما تأخر } كل شيء لم تعلمه وهذا ضعيف ، وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب البتة ، وأجمع العلماء على عصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل ، [ وجوز بعضهم الصغائر التي ليست برذائل ]{[10399]} ، واختلفوا هل وقع ذلك من محمد عليه السلام أو لم يقع ، وحكى الثعلبي عن عطاء الخراساني أنه قال : { ما تقدم } هو ذنب آدم وحواء ، أي ببركتك { وما تأخر } هي ذنوب أمتك بدعائك . قال الثعلبي : الإمامية لا تجوز الصغائر على النبي ولا على الإمام ، والآية ترد عليهم . وقال بعضهم : { وما تقدم } هو قوله يوم بدر : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد » . { وما تأخر } هو قوله يوم حنين : «لن نغلب اليوم من قلة » .

قال القاضي أبو محمد : وإتمام النعمة عليه ، هو إظهاره وتغلبه على عدوه والرضوان في الآخرة .

وقوله تعالى : { ويهديك صراطاً مستقيماً } معناه : إلى صراط ، فحذف الجار فتعدى الفعل ، وقد يتعدى هذا بغير حرف جر .


[10396]:هذا الحديث سبق تخريجه في صفحة(428، وقد أخرج البخاري، وابن جرير، وابن مردويه، عن البراء رضي الله عنه، قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية...الحديث. كذلك أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {ليغفر لك الله...}الآية، فقال لقد أنزلت عليّ آية هي أحب إليّ مما على الأرض...الحديث.
[10397]:الآية(1) من سورة (النصر).
[10398]:أخرجه ابن المنذر، وابن مردويه، وابن عساكر، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} الآية... اجتهد في العبادة، فقيل: يا رسول الله ما هذا الاجتهاد، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وأخرج مثله ابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرج مثله ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن الحسن رضي الله عنه، وكذلك أخرج مثله أبو يعلى، وابن عساكر، عن أنس رضي الله عنه، وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ وأخرجه مسلم في الصحيح من رواية عبد الله بن وهب.
[10399]:سقطت هذه العبارة التي بين العلامتين[….] من بعض النسخ.