التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ} (7)

وقوله - سبحانه - : { هُمُ الذين يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله حتى يَنفَضُّواْ . . } كلام مستأنف جار مجرى التعليل لفسقهم ، وحكاية لجانب من أقوالهم الفاسدة . . . والقائل هو عبد الله بن أبى ، كما جاء فى روايات أسباب النزول لهذه الآيات ، والتى سبق أن ذكرنا بعضها .

ونسب - سبحانه - القول إليهم جميعا ، لأنهم رضوا به ، وقبلوه منه .

ومرادهم بمن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المهاجرون الذين تركوا ديارهم فى مكة ، واستقروا بالمدينة .

أى : إن هؤلاء المنافقين لن يغفر الله - تعالى - لهم ، لأنهم فسقوا عن أمره ، ومن مظاهر فسوقهم وفجورهم ، أنهم أيدوا زعيمهم فة النفاق ، عندما قال لهم : لا تنفقوا على من عند رسول الله من فقراء المهاجرين ، ولا تقدموا لأحد منهم عونا أو مساعدة ، حتى ينفضوا من حوله . أى : حتى يتفرقوا من حوله . يقال : انفض القوم : إذا فنيت أزوادهم يقال : نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفض ، إذا انتهى زاده وليس مرادهم حتى ينفضوا ويتفرقوا عنه ، فإذا فعلوا ذلك فانفقوا عليهم . وإنما مرادهم ، استمروا على عدم مساعدتكم لهم ، حتى يتركوا المدينة ، وتكون مسكنا لكم وحدكم .

وقوله - سبحانه - : { وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ } .

والخزائن : جمع خزينة ، وهى ما يخزن فيها المال والطعام وما يشبههما ، والمراد بها أرزاق العباد التى يمنحها الله - تعالى - لعباده .

أى : ولله - تعالى - وحده لا لأحد غيره ، ملك أرزاق العباد جميعا : فيعطى من يشاء ، ويمنع من يشاء ، ولكن المنافقين لا يفقهون ذلك ولا يدركونه ، لجهلهم بقدرة الله - تعالى - ، ولاستيلاء الجحود والضلال على نفوسهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ} (7)

5

ويحكي طرفا من فسقهم ، الذي استوجب قضاء الله فيهم :

( هم الذين يقولون : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) . .

وهي قولة يتجلى فيها خبث الطبع ، ولؤم النحيزة . وهي خطة التجويع التي يبدو أن خصوم الحق والإيمان يتواصون بها على اختلاف الزمان والمكان ، في حرب العقيدة ومناهضة الأديان . ذلك أنهم لخسة مشاعرهم يسحبون لقمة العيش هي كل شيء في الحياة كما هي في حسهم فيحاربون بها المؤمنين .

إنها خطة قريش وهي تقاطع بني هاشم في الشعب لينفضوا عن نصرة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويسلموه للمشركين !

وهي خطة المنافقين كما تحكيها هذه الآية لينفض أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عنه تحت وطأة الضيق والجوع !

وهي خطة الشيوعيين في حرمان المتدينين في بلادهم من بطاقات التموين ، ليموتوا جوعا أو يكفروا بالله ، ويتركوا الصلاة !

وهي خطة غيرهم ممن يحاربون الدعوة إلى الله وحركة البعث الإسلامي في بلاد الإسلام ، بالحصار والتجويع ومحاولة سد أسباب العمل والارتزاق . .

وهكذا يتوافى على هذه الوسيلة الخسيسة كل خصوم الإيمان ، من قديم الزمان ، إلى هذا الزمان . . ناسين الحقيقة البسيطة التي يذكرهم القرآن بها قبل ختام هذه الآية :

( ولله خزائن السماوات والأرض . ولكن المنافقين لا يفقهون ) . .

ومن خزائن الله في السماوات والأرض يرتزق هؤلاء الذين يحاولون أن يتحكموا في أرزاق المؤمنين ، فليسوا هم الذين يخلقون رزق أنفسهم . فما أغباهم وأقل فقههم وهم يحاولون قطع الرزق عن الآخرين !

وهكذا يثبت الله المؤمنين ويقوي قلوبهم على مواجهة هذه الخطة اللئيمة والوسيلة الخسيسة ، التي يلجأ أعداء الله إليها في حربهم . ويطمئنهم إلى أن خزائن الله في السماوات والأرض هي خزائن الأرزاق للجميع . والذي يعطي أعداءه لا ينسى أولياءه . فقد شاءت رحمته ألا يأخذ حتى أعداءه من عباده بالتجويع وقطع الأرزاق . وقد علم أنهم لا يرزقون أنفسهم كثيرا ولا قليلا لو قطع عنهم الأرزاق ! وهو أكرم أن يكل عباده - ولو كانوا أعداءه - إلى ما يعجزون عنه البتة . فالتجويع خطة لا يفكر فيها إلا أخس الأخساء وألأم اللؤماء !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىَ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللّهِ حَتّىَ يَنفَضّواْ وَلِلّهِ خَزَآئِنُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلََكِنّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } .

يقول تعالى ذكره هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ يعني الذين يقولون لأصحابهم لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْد رَسُولِ اللّهِ من أصحابه المهاجرين حتى يَنْفَضّوا يقول : حتى يتفرّقوا عنه .

وقوله : ولِلّهِ خَزَائِنُ السّمَوَاتِ والأْرضِ يقول : ولله جميع ما في السموات والأرض من شيء وبيده مفاتيح خزائن ذلك ، لا يقدر أحد أن يعطي أحدا شيئا إلا بمشيته وَلَكِنّ المُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ أن ذلك كذلك ، فلذلك يقولون : لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضّوا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا قال : لا تطعموا محمد وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة ، فيتركوا نبيهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا قرأها إلى آخر الاَية ، وهذا قول عبد الله بن أُبي لأصحابه المنافقين لا تنفقوا على محمد وأصحابه حتى يَدَعوه ، فإنكم لولا أنكم تنفقون عليهم لتركوه وَأجلوا عنه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا إن عبد الله بن أُبي ابن سلول قال لأصحابه ، لا تنفقوا على من عند رسول الله ، فأنكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضوا .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حتى يَنْفَضّوا يعني الرّفد والمعونة ، وليس يعني الزكاة المفروضة والذين قالوا هذا هم المنافقون .

حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا الأعمش عن عمرو بن مُرّة ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى ، عن زيد بن أرقم ، قال : لما قال ابن أُبي ما قال ، أخبرت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فجاء فحلف ، فجعل الناس يقولون لي تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب ؟ حتى جلستُ في البيت مخافة إذا رأوني قالوا : هذا الذي يكذب ، حتى أُنزل : هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ} (7)

وقوله تعالى : { هم الذين } أشار عبد الله بن أبي ومن قال بقوله ، قاله علي بن سليمان{[11118]} ثم سفه تعالى أحلامهم في أن ظنوا إنفاقهم هو سبب رزق المهاجرين ونسوا أن جريان الرزق بيد الله تعالى ، إذا انسد باب انفتح غيره ، وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي{[11119]} : «حتى يُنفِضْوا » بضم الياء وتخفيف الفاء ، يقال : «أنفَضَ » الرجل إذا فني طعامه فنفض وعاءه والخزائن موضع الإعداد ، ونجد القرآن قد نطق في غير موضع بالخزائن ونجد في الحديث : «خزنة الريح »{[11120]} وفي القرآن : { من جبال فيها من برد }{[11121]} [ النور : 43 ] ، فجائز أن تكون هذه عبارة عن القدرة وأن هذه الأشياء إيجادها عند ظهورها جائز . وهو الأظهر . إن منها أشياء مخلوقة موجودة يصرفها الله تعالى حيث شاء ، وظواهر ألفاظ الشريعة تعطي هذا . ومعناه في التفسير قال : عتت على الخزان{[11122]} ، وفي الحديث : «ما انفتح من خزائن الربح على قوم عاد إلا قدر حلقة الخاتم ، ولو انفتح مقدار منخر الثور لهلكت الدنيا »{[11123]}

، وقال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل ، فقرأ : { ولله خزائن السماوات والأرض } ، وقال الجنيد : { خزائن } السماء : الغيوب ، و { خزائن } الأرض : القلوب .


[11118]:قال عنه في التقريب:"شامي مجهول، من الطبقة السابعة".
[11119]:هو الفضل بن عيسى بن أبان الرقاي، أبو عيسى البصري الواعظ، منكر الحديث، ورمي بالقدر، من الطبقة السادسة.
[11120]:التعبير بلفظ"خزنة" كثير في الحديث الشريف، ومنه ما رواه أحمد في مسنده(2-366) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من أنفق زوجا-أو قال زوجين- من ماله،- أراه قال: في سبيل الله-دعته خزنة الجنة: يا مسلم، هذا خير هلم إليه)، وما رواه أيضا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال:(خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال: أنا محمد النبي الأمي، قالها ثلاث مرات- ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش...) الخ، أما ما أشار إليه ابن عطية فلم أقف عليه بهذا اللفظ، لكنه ورد بلفظ (خزائن) في الحديث الذي سيذكره المؤلف بعد هذا مباشرة.
[11121]:من الآية (43) من سورة (النور).
[11122]:في بعض النسخ:"ومعنا في التفسير...الخ"، وعلى كل فالتعبير قلق مما يدل على أن فيه تحريفا من النساخ.
[11123]:أخرج ابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما فتح الله على عاد من الريح التي هلكوا فيها إلا مثل الخاتم...) الحديث. وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الريح مسجنة في الأرض الثانية فلما أراد الله أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا، قال: أي رب، أرسل عليهم من الريح قدر منخر ثور؟ قال له الجبار: لا، إذا تكفأ الأرض ومن عليها، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم، فهي التي قال الله:{ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم}.