التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

{ لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ } والضمير فى { ظُهُورِهِ } يعود إلى { مَا } فى قوله { مَا تَرْكَبُونَ } وجاء مفردا رعاية للفظ { مَا } وجمع الظهور لأن المراد بالمركوب جنسه .

والاستواء : الاستعلاء على الشئ ، والتمكن منه ، أى : سخر لكم من السفن والأنعام ما تركبونه ، ولتسعلوا على ظهروه استلاء المالك على مملوكه .

{ ثُمَّ تَذْكُرُواْ } بعد كل هذا التمكن والاستعلاء { نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ } أى : على تلك السفن والأنعام التى تركبونها .

والضمير فى { عَلَيْهِ } يعود - أيضا - الى { مَا } فى قوله { مَا تَرْكَبُونَ } باعتبار لفظ { وَتَقُولُواْ } على سبيل الشكر لله - تعالى - والاعتراف بفضله { سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا } .

أى : وتقولوا : جل شأن الله ، وتنزه عن الشريك والمثيل ، فهو الذى سخر لنا هذا المركوب من الفلك والأنعام ، وجعله منقادا لنا ، طائعا لأمرنا .

{ وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أى : والحال أننا ما كنا لهذا المركوب الصعب بقادرين على التمكن منه ، لولا أن الله - تعالى - سخره لنا ، وجعله منقادا لأمرنا .

فقوله : { مُقْرِنِينَ } أى : مطيقين وقادرين وضابطين ، من أقرن الشئ ، إذا أطاقه وقدر عليه ، حتى لكأنه صار له قرنا ، أى : مثله فى الشدة والقوة .

والمقصود : ما كنا بقادرين أو بمطيقين لتذليل هذه السفن والأنعام ، لولا أن الله - تعالى - قد جعلها مناقدة لنا ، ومسخرة لخدمتنا .

ولا يخفى أن الجمل أقوى من الإِنسانن وأن البحر لو لم يذلله - سبحانه - لنا ، لما قدرت السفن على الجرى فيه .

قال القرطبى : قوله : { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أى : مطيقين . . أو ضابطين وفى أصله قولان : أحدهما : أنه مأخوذ من الإِقران ، يقال : أقرن يقرن إقرانا إذا أطاق . وأقرنت كذا : أطقته وحكمته ، كأنه جعله فى قرَن - أى : حبل - فأوثقه به وشده .

والثانى : أنه مأخوذ من المقارنة ، وهو أن يقرن بعضها ببعض فى السير يقال : قرنت كذا بكذا إذا ربطته به ، وجعلته قرينه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

يذكر الناس بهذه الإشارة بنعمة الله عليهم في اصطفائهم بخلافة هذه الأرض ، وبما سخر لهم فيها من قوى وطاقات . ثم يوجههم إلى الأدب الواجب في شكر هذه النعمة وشكر هذا الاصطفاء ؛ وتذكر المنعم كلما عرضت النعمة ، لتبقى القلوب موصولة بالله عند كل حركة في الحياة :

( لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) . . فما نحن بقادرين على مقابلة نعمته بنعمة مثلها ، وما نملك إلا الشكر نقابل به هذا الإنعام .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { لِتَسْتَوُواْ عَلَىَ ظُهُورِهِ ثُمّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هََذَا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنّآ إِلَىَ رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : كي تستووا على ظهور ما تركبون .

واختلف أهل العربية في وجه توحيد الهاء في قوله : على ظُهُورِهِ وتذكيرها ، فقال بعض نحويّي البصرة : تذكيره يعود على ما تركبون ، وما هو مذكر ، كما يقال : عندي من النساء من يوافقك ويسرّك ، وقد تذكّر الأنعام وتؤنث . وقد قال في موضع آخر : مِمّا في بُطُونِهِ وقال في موضع آخر : بُطُونِها . وقال بعض نحويّي الكوفة : أضيفت الظهور إلى الواحد ، لأن ذلك الواحد في معنى جمع بمنزلة الجند والجيش . قال : فإن قيل : فهلا قلت : لتستووا على ظهره ، فجعلت الظهر واحدا إذا أضفته إلى واحد . قلت : إن الواحد فيه معنى الجمع ، فردّت الظهور إلى المعنى ، ولم يقل ظهره ، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد . وكذلك تقول : قد كثر نساء الجند ، وقلت : ورفع الجند أعينه ولم يقل عينه . قال : وكذلك كلّ ما أضفت إليه من الأسماء الموصوفة ، فأخرجها على الجمع ، وإذا أضفت إليه اسما في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده ، مثل قولك : رفع العسكر صوتَه ، وأصواته أجود وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلاّ الصورة في الواحد .

وقال آخر منهم : قيل : لتستووا على ظهره ، لأنه وصف للفلك ، ولكنه وحد الهاء ، لأن الفلك بتأويل جمع ، فجمع الظهور ووحد الهاء ، لأن أفعال كل واحد تأويله الجمع توحد وتجمع مثل : الجند منهزم ومنهزمون ، فإذا جاءت الأسماء خرج على الأسماء لا غير ، فقلت : الجند رجال ، فلذلك جمعت الظهور ووحدت الهاء ، ولو كان مثل الصوت وأشباهه جاز الجند رافع صوته وأصواته .

قوله : ثُمّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبّكُمْ يقول تعالى ذكره : ثم تذكروا نعمة ربكم التي أنعمها عليكم بتسخيره ذلك لكم مراكب في البرّ والبحر إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ فتعظموه وتمجدوه ، وتقولوا تنزيها لله الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه من هذه الفلك والأنعام ، مما يصفه به المشركون ، وتشرك معه في العبادة من الأوثان والأصنام وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب وعبيد بن إسماعيل الهباري ، قالا : حدثنا المحاربيّ ، عن عاصم الأحول ، عن أبي هاشم عن أبي مجلّز ، قال : ركبت دابة ، فقلت : سُبْحانَ الّذي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، فسمعني رجل من أهل البيت قال أبو كُرَيب والهباريّ : قال المحاربيّ : فسمعت سفيان يقول : هو الحسن بن عليّ رضوان الله تعالى عليهما ، فقال : أهكذا أمرت ؟ قال : قلت : كيف أقول ؟ قال : تقول الحمد لله الذي هدانا الإسلام ، الحمد لله الذي منّ علينا بمحمد عليه الصلاة والسلام ، الحمد لله الذي جعلنا في خير أمة أُخرجت للناس ، فإذا أنت قد ذكرت نعما عظاما ، ثم تقول بعد ذلك سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإنّا إلى رَبّنا لَمُنْقَلِبُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن أبي مجلّز ، أن الحسن بن عليّ رضي الله عنه ، رأى رجلاً ركب دابة ، فقال : الحمد لله الذي سخر لنا هذا ، ثم ذكر نحوه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لِتَسْتَوُوا على ظُهُورِهِ ثُمّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك تقولون : بِسْمِ الله مَجْراها وَمُرْساها ، إنّ رَبّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ، وإذا ركبتم الإبل قلتم : سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وإنّا إلى رَبنَا لمُنْقَلِبُونَ ويعلمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعا تقولون : اللهمّ أنزلنا منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان إذا ركب قال : اللهمّ هذا من منّك وفضلك ، ثم يقول : سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإنّا إلى رَبّنَا لمُنْقَلِبُونَ .

وقوله : وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وما كنا له مُطِيقين ولا ضابطين ، من قولهم : قد أقرنت لهذا : إذا صرت له قرنا وأطقته ، وفلان مقرن لفلان : أي ضابط له مُطِيق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ يقول : مُطِيقين .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عَزّ وَجَلّ : مُقْرِنِينَ قال : الإبل والخيل والبغال والحمير .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ : أي مطيقين ، لا والله لا في الأيدي ولا في القوّة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال : في القوّة .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال : مطيقين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله جلّ ثناؤه : سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال : لسنا له مطيقين ، قال : لا نطيقها إلاّ بك ، لولا أنت ما قوينا عليها ولا أطقناها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

ولذلك قال :{ لتستووا على ظهوره } أي ظهور ما تركبون وجمعه للمعنى . { ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه } تذكروها بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها . { وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } مطيقين من أقرن الشيء إذا أطاقه ، وأصله وجد قرينته إذ الصعب لا يكون قرينة الضعيف . وقرئ بالتشديد والمعنى واحد . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال : بسم الله ، فإذا استوى على الدابة قال : الحمد لله على كل حال { سبحان الذي سخر لنا هذا } إلى قوله : { وإنا إلى ربنا لمنقلبون } أي راجعون ، واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله تعالى ، أو لأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله تعالى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

والاستواء الاعتِلاء . والظهورُ : جمع ظَهر ، والظهر من علائق الأنعام لا من علائق الفلك ، فهذا أيضاً من التغليب . والمعنى : على ظهوره وفي بطونه . فضمير { ظهوره } عائد إلى { ما } الموصولة الصادق بالفلك والأنعام كما هو قضية البيان ، على أن السفائن العظيمة تكون لها ظهور ، وهي أعاليها المجعولة كالسطوح لِتقي الراكبين المطر وشدة الحر والقرّ . ولذلك فجمع الظهور من جمع المشترك والتعدية بحرففِ { على } بنيت على أن للسفينة ظهراً قال تعالى : { فإذا استويتَ أنت ومن معك على الفلك } [ المؤمنون : 28 ] .

وقد جُعل قوله : { لتستووا على ظهوره } توطئة وتمهيداً للإشارةِ إلى ذكر نعمة الله في قوله : { ثم تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه } أي حينئذٍ ، فإن ذكر النعمة في حال التلبّس بمنافعها أوقع في النفس وأدعَى للشكر عليها . وأجدر بعدم الذهول عنها ، أي جعل لكم ذلك نعمة لتشعروا بها فتشكروه عليها ، فالذكر هنا هو التذكر بالفكر لا الذكر باللسان .

وهذا تعريض بالمشركين إذ تقلبوا في نعم الله وشكروا غيره إذ اتخذوا له شركاء في الإلهية وهم لم يشاركوه في الأنعام . وذكْرُ النعمة كناية عن شكرها لأن شكر المنعِم لازم للإنعام عرفاً فلا يَصرف عنه إلاّ نسيانُه فإذا ذكره شكر النعمة .

وعطف على { تذكروا نعمة ربّكم } قوله : { وتقولوا سبحان الذي سخّر لنا هذا } ، أي لتشكروا الله في نفوسكم وتُعلِنوا بالشكر بألسنتكم ، فلقنهم صيغةَ شكر عناية به كما لقّنهم صيغة الحمد في سورة الفاتحة وصيغةَ الدعاء في آخر سورة البقرة .

وافتتح هذا الشكر اللّساني بالتسبيح لأنه جامع للثناء إذ التسبيح تنزيه الله عما لا يليق ، فهو يدلّ على التنزيه عن النقائص بالصريح ويدلّ ضمناً على إثبات الكمالات لله في المقام الخطابي . واستحضار الجلالة بطريق الموصولية لما يؤذن به الموصول من علة التسبيح حتى يصير الحمد الذي أفادهُ التسبيح شكراً لتعليله بأنه في مقابلة التسخير لنا . واسم الإشارة موجه إلى المركوب حينما يقول الراكب هذه المقالة من دابّة أو سفينة .

والتسخير : التذييل والتطويع . وتسخير الله الدواب هو خلقه إيّاها قابلة للترويض فاهمة لمراد الرّاكب ، وتسخير الفلك حاصل بمجموع خلق البحر صالحاً لسبح السفن على مائه ، وخلق الرياح تهبّ فتدفع السفن على الماء ، وخلق حيلة الإنسان لصنع الفلك ، ورصد مهابّ الرياح ، ووضع القلوع والمجاذيف ، ولولا ذلك لكانت قوة الإنسان دون أن تبلغ استخدام هذه الأشياء القوية . ولهذا عقب بقوله : { وما كنّا له مُقْرِنين } أي مطيقين ، أي بمجرد القوة الجسدية ، أي لولا التسخير المذكور ، فجملة { وما كُنَّا له مقرنين } في موضع الحال من ضمير { لنا } أي سخرها لنا في حال ضعفنا بأن كان تسخيره قائماً مقام القوة .

والمُقرن : المطيق ، يقال : أقرن ، إذا أطاق ، قال عمرو بن معديكرب :

لقد علم القبائل ما عُقَيل *** لنا فِي النائبات بمُقْرِنينا

وخُتم هذا الشكر والثناء بالاعتراف بأن مرجعنا إلى الله ، أي بعد الموت بالبعث للحساب والجزاء ، وهذا إدماج لتلقينهم الإقرار بالبعث .

وفيه تعريض بسؤال إرجاع المسافر إلى أهله فإن الذي يقدر على إرجاع الأموات إلى الحياة بعد الموت يُرْجَى لإرجاع المسافر سالماً إلى أهله .