ثم صور - سبحانه - حرصهم على صرف الناس عن دعوة الحق . تصويرا بديعا ، فقال : { وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا وَاْصْبِرُواْ على آلِهَتِكُمْ } ، أى : وانطلق الأشراف فى قريش عن مجلس أبى طالب ، بعد أن سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما أغضبهم وخيب آمالهم . انطلقوا يقولون : أن امشوا فى طريقهم التى كان عليها آباؤكم واصبروا على عبادة آلهتكم مهما هوَّن محمد صلى الله عليه وسلم من شأنها ، ومهما نهى عن عبادتها .
{ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ } أى : إن هذا الذى يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من عبادة الله - تعالى - وحده وترك عبادة آلهتنا لشئ يراد من جهته هو ، وهو مصمم عليه كل التصميم ، ونحن من جانبنا يجب أن نقابل تصميمه على دعوته ، بتصميم منا على عبادة آلهتنا .
وعلى هذا المعنى تكون الإِشارة هنا عائدة إلى ما يدعوهم إليه النبى صلى الله عليه وسلم من عبادة الله وحده .
ويصح أن تكون الإِشارة إلى دينهم هم ، فيكون المعنى : إن هذا الدين الذى نحن عليه لشئ يراد لنا ، وقد وجدنا عليه آباءنا ، وما دام الأمر كذلك فلن نتركه مهما كرَّهنَا فيه محمد صلى الله عليه وسلم .
قال الآلوسى : قوله : { إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ } تعليل للأمر بالصبر ، والإِشارة إلى ما وقع وشاهدوه من أمر النبى صلى الله عليه وسلم وتصلبه فى أمر التوحيد ، ونفى ألوهية آلهتهم . . أى : إن هذا لشئ عظيم يراد به من جهته صلى الله عليه وسلم إمضاؤه وتنفيذه . فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله إلى إرادتكم ، واصبرو على عبادة آلهتكم . وقيل : إن هذا الأمر لشئ من نوائب الدهر يراد بنا ، فلا حيلة إلا تجرع مرارة الصبر . وقيل : إن هذا - أى : دينكم - يُطلب لينتزع منكم ويطرح ويراد إبطاله . .
كما يصور طريقتهم في مقاومة هذه الحقيقة في نفوس الجماهير ، وتثبيتهم على ما هم عليه من عقيدة موروثة متهافتة . وإيهامهم أن وراء الدعوة الجديدة خبيئاً غير ظاهرها ؛ وأنهم هم الكبراء العليمون ببواطن الأمور ، مدركون لما وراء هذه الدعوة من خبيء ! ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ) . . فليس هو الدين ، وليست هي العقيدة ، إنما هو شيء آخر يراد من وراء هذه الدعوة . شيء ينبغي أن تدعه الجماهير لأربابه ، ولمن يحسنون فهم المخبآت وإدراك المناورات ! وتنصرف هي إلى عادتها الموروثة ، وآلهتها المعروفة ، ولا تعني نفسها بما وراء المناورة الجديدة ! فهناك أربابها الكفيلون بمقاومتها . فلتطمئن الجماهير ، فالكبراء ساهرون على مصالحهم وعقائدهم وآلهتهم !
إنها الطريقة المألوفة المكرورة التي يصرف بها الطغاة جماهيرهم عن الاهتمام بالشؤون العامة ، والبحث وراء الحقيقة ، وتدبر ما يواجههم من حقائق خطرة . ذلك أن اشتغال الجماهير بمعرفة الحقائق بأنفسهم خطر على الطغاة ، وخطر على الكبراء ، وكشف للأباطيل التي يغرقون فيها الجماهير . وهم لا يعيشون إلا بإغراق الجماهير في الأباطيل !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَانطَلَقَ الْمَلاُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىَ آلِهَتِكُمْ إِنّ هََذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } :
يقول تعالى ذكره : وانطلق الأشراف من هؤلاء الكافرين من قريش ، القائلين : أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلها وَاحِدا بأنِ امضُوا فاصبروا على دينكم وعبادة آلهتكم . فأن من قوله : أن امْشُوا في موضع نصب يتعلق انطلقوا بها ، كأنه قيل : انطلقوا مشيا ، ومضيا على دينكم . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «وَانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُمْ يَمْشُونَ أنِ اصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ » . وذُكر أن قائل ذلك كان عُقْبة ابن أبي مُعِيط . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : ( وَانْطَلَق المَلأُ مِنْهُمْ ) ، قال : عقبة بن أبي معيط .
وقوله : إنّ هَذَا لَشْيءٌ يُرَادُ : أي إن هذا القول الذي يقول محمد ، ويدعونا إليه ، من قول لا إله إلا الله ، شيء يريده منا محمد يطلب به الاستعلاء علينا ، وأن نكون له فيه أتباعا ولسنا مجيبيه إلى ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.