التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (29)

ومضت السنوات العشر ، التى قضاها موسى أجيرا عند الشيخ الكبير فى مدين ، ووفى كل واحد منهما بما وعد به صاحبه ، وتزوج موسى بإحدى ابنتى الشيخ الكبير ، وقرر الرجوع بأهله إلى مصر ، فماذا حدث له فى طريق عودته ؟ يحكى لنا القرآن الكريم بأسلوبه البديع ما حدث لموسى - عليه السلام - بعد ذلك فيقول : { فَلَمَّا قضى . . . . } .

المراد بالأجل فى قوله - تعالى - : { فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل . . } المدة التى قضاها موسى أجيرا عند الشيخ الكبير ، بجهة مدين .

والمعنى : ومكث موسى عشر سنين فى مدين ، فلما قضاها وتزوج بإحدى ابنتى الشيخ الكبير ، استأذن منه { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } أى وسار بزوجته متجها إلى مصر ليرى أقاربه وذوى رحمه ، أو إلى مكان آخر قيل : هو بيت المقدس .

{ آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً } ولفظ { آنَسَ } من الإيناس ، وهو إبصار الشىء ورؤيته بوضوح لا التباس معه ، حتى لكأنه يحسه بجانب رؤيته له .

أى : وخلال سيره بأهله إلى مصر ، رأى بوضوح و جلاء { مِن جَانِبِ الطور نَاراً } .

أى : رأى من الجهة التى تلى جبل الطور نارا عظيمة .

قال الآلوسى : " استظهر بعضهم أن المبصر كان ورا حقيقة ، إلا أنه عبر عنه بالنار ، اعتبارا لاعتقاد موسى - عليه السلام - ، وقال بعضهم : كان المبصر فى صور النار الحقيقية ، وأما حقيقته ، فوراء طور العقل ، إلا أن موسى - عليه السلام - ظنه النار المعروفة " .

وقوله - سبحانه - { قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً . . } حكاية لما قاله موسى - عليه السلام - لزوجته ومن معها عندما أبصر النار .

أى : عندما ابصر موسى النار بوضوح وجلاء { قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا } فى مكانكم { إني آنَسْتُ نَاراً } على مقربة منى وسأذهب إليها .

{ لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } ينفعنا فى مسيرتنا ، { أَوْ } أقتطع لكم منها { جَذْوَةٍ مِّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } .

قال الجلم : قرأ حمزة : { أَوْ جُذْوَةٍ } بضم الجيم . وقرأ عامص بالفتح ، وقرأ الباقون بالكسر ، وهى لغات فى العود الذى فى رأسه نار ، هذا هو المشهور . وقيده بعضهم فقال : فى رأسه نار من غير لهب ، وقد ورد ما يقتضى اللهب فيه ، وقيلأ : الجذوة العود الغليظ سواء أكان فى رأسه نار أم لم يكن . وليس المراد هنا إلا ما فى رأسه نار .

وقوله : { تَصْطَلُونَ } من الاصطلاء بمعنى الاقتراب من النار للاستدفاء بها من البرد . والطاء فيه مبدلة من تاء الافتعال .

أى : قال موسى لأهله امكثوا فى مكانكم حتى أرجع إليكم ، فإنى أبصرت نارا سأذهب إليها ، لعلى آتيكم من جهتها بخبر يفيدنا فى رحلتنا ، أو أقتطع لكم منها قطعة من الجمر ، كى تستدفئوا بها من البرد .

قال ابن كثير ما ملخصه : وكان ذلك بعدما قضى موسى الأجل الذى كان بينه وبين صهره فى رعاية الغنم ، وسار بأهله . قيل : قاصدا بلاد مصر بعد أن طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ، ومعه زوجته ، فأضل الطريق ، وكانت ليلة شاتية . ونزل منزلا بين شعاب وجبال ، فى برد وشتاء ، وسحاب وظلام وضباب وجعل يقدح بزند معه ليورى نارا - أى : ليخرج نارا - كما جرت العادة به ، فجعل لا يقدح شيئا ، ولا يخرج منه شرر ولا شىء ، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (29)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا قَضَىَ مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطّورِ نَاراً قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوَاْ إِنّيَ آنَسْتُ نَاراً لّعَلّيَ آتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مّنَ النّارِ لَعَلّكُمْ تَصْطَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فلما وفّى موسى صاحبه الأجل الذي فارقه عليه ، عند إنكاحه إياه ابنته ، وذكر أن الذي وفّاه من الأجلين ، أتمهما وأكملهما ، وذلك العشر الحجج ، على أن بعض أهل العلم قد روى عنه أنه قال : زاد مع العشر عَشْرا أخرى . ذكر من قال : الذي قضى من ذلك هو الحِجَج العَشْر :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألت ابن عباس : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قال : خيرهما وأوفاهما .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس سئل : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قال : أتمهما وأخيَرَهما .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا موسى بن عُبيدة ، عن أخيه ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : قضى موسى آخر الأجلين .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عبيدة ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرِمة ، سئل ابن عباس : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قال : أتمهما وأوفاهما .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن حكيم بن جُبَير ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال يهودي بالكوفة وأنا أتجهّز للحجّ : إني أراك رجلاً تتتبع العلم ، أخبرني أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قلت : لا أعلم ، وأنا الاَن قادم على حَبْر العرب ، يعني ابن عباس ، فسائله عن ذلك فلما قدِمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك وأخبرته بقول اليهوديّ ، فقال ابن عباس : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن النبيّ إذا وعد لم يخلِف ، قال سعيد : فقدمت العراق فلقيت اليهودي ، فأخبرته ، فقال : صدق ، وما أنزل على موسى هذا ، والله العالم .

قال : ثنا يزيد ، قال : حدثنا الأصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : سألني رجل من أهل النصرانية : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قلت : لا أعلم ، وأنا يومئذٍ لا أعلم ، فلقيت ابن عباس ، فذكرت له الذي سألني عنه النصراني ، فقال : أما كنت تعلم أن ثمانيا واجب عليه ، لم يكن نبيّ الله نقص منها شيئا ، وتعلم أن الله كان قاضيا عن موسى عِدَته التي وعده ، فإنه قضى عشر سنين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَلَمّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ قال : حدّث ابن عباس ، قال : رعى عليه نبيّ الله أكثرها وأطيبها .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ، قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قال : «أوْفاهُما وأتَمّهُما » .

حدثنا أحمد بن محمد الطوسي ، قال : حدثنا الحميدي أبو بكر بن عبد الله بن الزّبير ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «سألْتُ جَبْرَائِيلَ : أيّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى ؟ قال : أتَمّهُما وأكمَلَهُما » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال مجاهد : إن النبيّ صلى الله عليه وسلم سأل جبرائيل : «أيّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى ؟ قال سَوْفَ أسأَلُ إسْرَافِيلَ ، فَسألَهُ فَقالَ : سَوْفَ أسأَلُ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى ، فَسأَلَهُ ، فَقالَ : أبَرّهُما وأوْفاهُما » . ذكر من قال : قضى العَشْر الحِجَج وزاد على العشْر عشرا أخرى :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَلَمّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ قال : عشر سنين ، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد قَضَى موسَى الأجَلَ عشر سنين ، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنا أبي ، عن قَتادة ، قال : حدثنا أنس ، قال : لما دعا نبيّ الله موسى صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما ، قال له صاحبه : كلّ شاة ولدت على غير لونها فلك ولد ، فعمد ، فرفع خيالاً على الماء ، فلما رأت الخيال ، فزعت ، فجالت جولة فولدن كلهنّ بُلقا ، إلاّ شاة واحدة ، فذهب بأولادهنّ ذلك العام .

وقوله : وَسارَ بأهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطورِ نارا يقول تعالى ذكره : فَلَمّا قَضَى موسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأهْلِهِ شاخصا بهم إلى منزله من مصر آنَسَ مِنْ جانِبِ الطّورِ يعني بقوله : آنس : أبصر وأحسّ كما قال العجّاج :

آنَسَ خِرْبانَ فَضَاءٍ فانْكَدَرْ *** دَانَى جَناحَيْهِ مِنَ الطّورِ فَمَرّ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . وقد ذكرناالرواية بذلك فيما مضى قبل ، غير أنا نذكر ههنا بعض ما لم نذكر قبل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة آنَسَ مِنْ جانِبِ الطّورِ نارا قالَ لأَهْلِهِ : امْكُثُوا إنّي آنَسْتُ نارا : أي أحسست نارا .

وقد بيّنا معنى الطور فيما مضى بشواهده ، وما فيه من الرواية عن أهل التأويل .

وقوله : لأَهْلِهِ امْكُثُوا إنّي آنَسْتُ نارا يقول : قال موسى لأهله : تمهّلوا وانتظروا : إنّي أبصرت نارا لَعَلّي آتِيكُمْ مِنْها يعني من النار بِخَبرٍ أو جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ يقول : أو آتيكم بقطعة غليظة من الحطب فيها النار ، وهي مثل الجِذْمة من أصل الشجرة ومنه قول ابن مقبل :

باتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا *** جَزْلَ الجِذَا غيرَ خَوّارٍ وَلا دَعِرِ

وفي الجِذوة لغات للعرب ثلاث : جِذوة بكسر الجيم ، وبها قرأت قرّاء الحجاز والبصرة وبعض أهل الكوفة ، وهي أشهر اللغات الثلاث فيها : وجَذوة بفتج الجيم ، وبها قرأ أيضا بعض قرّاء الكوفة . وهذه اللغات الثلاث وإن كنّ مشهورات في كلام العرب ، فالقراءة بأشهرها أعجب إليّ ، وإن لم أنكر قراءة من قرأ بغير الأشهر منهنّ . وبنحو الذي قلنا في معنى الجَذوة قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية عن علي ، عن ابن عباس ، قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ يقول شهاب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة أوْ جَذْوَةٍ والجذوة : أصل شجرة فيها نار .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، قوله إنّي آنَسْتُ نارا لَعَلّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال : أصل الشجرة في طَرَفها النار ، فذلك قوله أوْ جَذْوَةٍ قال : السّعف فيه النار . قال مَعْمر ، وقال قتادة أوْ جَذْوَةٍ : أو شُعلة من النار .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال : أصل شجرة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال : أصل شجرة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال : الجَذوة : العود من الحطب الذي فيه النار ، ذلك الجذوة .

وقوله : لَعَلّكُمْ تَصْطَلُونَ يقول : لعلكم تسخَنون بها من البرد ، وكان في شتاء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (29)

{ فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله } بامرأته . روي أنه قضى أقصى الأجلين ومكث بعد ذلك عنده عشرا أخرى ثم عزم على الرجوع . { آنس من جانب الطور نارا } أبصر من الجهة التي تلي الطور . { قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر } بخبر الطريق . { أو جذوة } عود غليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن

قال باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ***جزال الجذى غير خوار ولا دعر

وقال آخر :

وألقى على قبس من النار جذوة *** شديدا عليه حرها والتهابها

ولذلك بينه بقوله : { من النار } وقرأ عاصم بالفتح وحمزة بالضم وكلها لغات .

{ لعلكم تصطلون } تستدفئون بها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (29)

لم يذكر القرآن أي الأجلين قضى موسى إذ لا يتعلق بتعيينه غرض في سياق القصة . وعن ابن عباس « قضى أوفاهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل » أي أن رسول الله المستقبل لا يصدر من مثله إلا الوفاء التام ، وورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث ضعيفة الأسانيد أنه سئل عن ذلك فأجاب بمثل ما قال ابن عباس . والأهل من إطلاقه الزوجة كما في الحديث : " والله ما علمت على أهلي إلا خيراً " .

وفي سفر الخروج : أنه استأذن صهره في الذهاب إلى مصر لافتقاد أخته وآله . وبقية القصة تقدمت في سورة [ النمل : 7 ] إلا زيادة قوله : { آنس من جانب الطور ناراً } وذلك مساوٍ لقوله هنا ( إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً .

والجذوة مثلث الجيم ، وقرىء بالوجوه الثلاثة ، فالجمهور بكسر الجيم ، وعاصم بفتح الجيم وحمزة وخلف بضمها ، وهي العود الغليظ . قيل مطلقاً وقيل المشتعل وهو الذي في « القاموس » . فإن كان الأول فوصف الجذوة بأنها من النار وصف مخصص ، وإن كان الثاني فهو وصف كاشف ، و { من } على الأول بيانية وعلى الثاني تبعيضية .