التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

وقوله - تعالى - : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ } بيان لما يجأرون به إلى ربهم وهم ملقون فى نار جهنم .

ويصطرخون ، بمعنى يستغيثون ويضجون بالدعاء رافعين أصواتهم ، افتعال من الصراخ ، وهو الصياح الشديد المصحوب بالتعب والمشقة ، ويستعمل كثيراً فى العويل والاستغاثة . وأصله يصترخون ، فأبدلت التاء طاء .

وجملة { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا . . . } مقول لقول محذوف .

أى : وهم بعد أن ألقى بهم فى نار جهنم ، أخذوا يستغيثون ويضجعون بالدعاء والعويل ويقولون : يا ريبنا أخرجنا من هذه النار ، وأعدنا إلى الحياة الدنيا ، لكى نؤمن بك وبرسولك ، ونعمل أعمالاً صالحة أخرى ترضيك ، غير التى كنا نعملها فى الدنيا .

وقولهم هذا يدل على شدة حسرتهم ، وعلى اعترافهم بجرمهم ، وبسوء أعمالهم التى كانوا يعملونها فى الدنيا .

وهنا يأتيهم من ربهم الرد الذى يخزيهم فيقول - سبحانه - { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النذير . . . } .

والاستفهام للتوبيخ والتقريع ، والكلام على إضمار القول ، وقوله { نُعَمِّرْكُمْ } من التعمير الإِبقاء والإِمهال فى الحياة الدانيا إلى الوقت الذى كان يمكنهم فيه الإِقلاع عن الكفر إلى الإِيمان .

و { مَّا } فى قوله { يَتَذَكَّرُ فِيهِ } نكرة موصوفة بمعنى مدة . والضمير فى قوله { فِيهِ } يعود إلى عمرهم الذى قضوه فى الدنيا .

والمعنى : أن هؤلاء الكافرين عندما يقولون بحسرة وضراعة : يا ربنا أخرجنا من النار وأعدنا إلى الدنيا لنعمل عملاً صالحاً غير الذى كنا نعمله فيها ، يرد عليهم ربهم بقوله لهم على سبيل الزجر والتأنيب : أو لم نمهلكم فى الحياة الدنيا ، ونعطيكم العمر والوقت الذى كنتم تتمكنون فيه من التذكر والاعتبار واتباع طريق الحق ، وفضلاً عن كل ذلك فقد جاءكم النذير الذى ينذركم بسوء عاقبة إصراركم على كفركم ، ولكنكم كذبتموه وأعرضتم عن دعوته .

والمراد بالنذير : جنسه فيتناول كل رسول أرسله الله - تعالى - إلى قومه ، فكذبوه ولم يستجيبوا لدعوته ، وعلى رأس هؤلاء المنذرين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والفاء فى قوله - تعالى - { فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجئ النذير .

أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لكم ، فاخسأوا فى جهنم ، واتركوا الصراخ والعويل ، وذوقوا عذبها الذى كنتم تكذبون به فى الدنيا ، فليس للمصرين على كفرهم من نصير ينصرهم ، أو يدفع عنهم شيئاً من العذاب الذى يستحقونه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

وقوله : وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبّنا أخْرِجْنا نَعْمَلْ صَالِحا غيرَ الّذِي كُنّا نعملُ يقول تعالى ذكره : هؤلاء الكفار يستغيثون ، ويضجون في النار ، يقولون : يا ربنا أخرجنا نعمل صالحا : أي نعمل بطاعتك غَيرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ قبلُ من معاصيك . وقوله : يَصْطَرخُونَ يفتعلون من الصّراخ ، حوّلتْ تاؤها طاء لقرب مخرجها من الصاد لما ثَقُلت .

وقوله : أوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكّرَ اختلف أهل التأويل في مبلغ ذلك ، فقال بعضهم : ذلك أربعون سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيم ، عن مجاهد ، قال : سمعت ابن عباس يقول : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم أوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكّرَ : أربعون سنة .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق أنه كان يقول : إذا بلغ أحدكم أربعين سنة ، فليأخذ حِذْره من الله .

وقال آخرون : بل ذلك ستون سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن خُثَيْم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أو لَمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكّرَ قال : ستون سنة .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : العمر الذي أعذر الله فيه لابن آدم ستون سنة .

حدثنا عليّ بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي كديك ، عن إبراهيم بن الفضل ، عن أبي حسين المكيّ ، عن عطاء بن أبي رَباح ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ نُودِيَ : أيْنَ أبْناءُ السّتّينَ ، وَهُوَ العُمُرُ الّذِي قالَ اللّهُ : أوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكّرَ وَجاءَكُمُ النّذِيرُ » .

حدثني أحمد بن الفرج الحِمْصِيّ ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، قال : حدثنا مُطَرّف بن مازن الكنانيّ ، قال : ثني معمر بن راشد ، قال : سمعت محمد بن عبد الرحمن الغفاريّ يقول : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ أَعْذَرَ اللّهُ إلى صَاحِبِ السّتّينَ سَنَةً والسّبْعِينَ » .

حدثنا أبو صالح الفزاري ، قال : حدثنا محمد بن سوار ، قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاريّ الإسكندريّ ، قال : حدثنا أبو حازم ، عن سعيد المقبريّ ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عَمّرَهُ اللّهُ سِتّينَ سَنَةً فَقَدْ أعْذَرَ إلَيْهِ فِي العُمْرِ » .

حدثنا محمد بن سوار ، قال : حدثنا أسد بن حميد ، عن سعيد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عليّ رضي الله عنه ، في قوله : أوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكّرَ وَجاءَكُمُ النّذِيرُ قال : العمر الذي عمركم الله به ستون سنة .

وأشبه القولين بتأويل الاَية إذ كان الخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرا في إسناده بعض من يَجِب التثبت في نقله ، قول من قال ذلك أربعون سنة ، لأن في الأربعين يتناهى عقل الإنسان وفهمه ، وما قبل ذلك وما بعده منتقَص عن كماله في حال الأربعين .

وقوله : وَجاءَكُمُ النّذيرُ اختلف أهل التأويل في معنى النذير ، فقال بعضهم : عنى به محمدا صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَجاءَكُمُ النّذِيرُ قال : النذير : النبيّ . وقرأ : هذا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأُولى .

وقيل : عَنَى به الشيب . فتأويل الكلام إذن : أو لم نعمركم يا معشر المشركين بالله من قُرَيش من السنين ، ما يتذكر فيه من تذكر ، من ذوي الألباب والعقول ، واتعظ منهم من اتعظ ، وتاب من تاب ، وجاءكم من الله منذر يُنذركم ما أنتم فيه اليوم من عذاب الله ، فلم تتذكّروا مواعظ الله ، ولم تقبلوا من نذير الله الذي جاءكم ما أتاكم به من عند ربكم .

يقول تعالى ذكره : فَذُوقُوا نار عذاب جهنم الذي قد صَلِيتموه أيها الكافرون بالله فَمَا للظّالِمِينَ مِنْ نَصِير يقول : فما للكافرين الذين ظلموا أنفسهم فأكسَبُوها غضب الله بكفرهم بالله في الدنيا من نصير ينصرهم من الله ليستنقذهم من عقابه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

{ وهم يصطرخون فيها } يستغيثون يفتعلون من الصراخ وهو الصياح استعمل في الاستغاثة لجهر المستغيث صوته . { ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل } بإضمار القول وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح والاعتراف به ، والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه وأنهم كانوا يحسبون انه صالح والآن تحقق لهم خلافه . { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير } جواب من الله وتوبيخ لهم و { ما يتذكر } فيه متناول كل عمر يمكن المكلف فيه من التفكر والتذكر ، وقيل ما بين العشرين إلى الستين . وعنه الصلاة والسلام " العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة " . والعطف على معنى { أو لم نعمركم } فإنه للتقرير كأنه قال : عمرناكم وجاءكم النذير وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو الكتاب ، وقيل العقل أو الشيب أو موت الأقارب . { فذوقوا فما للظالمين من نصير } يدفع العذاب عنهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

و { يصطرخون } يفتعلون من الصراخ أصله يصترخون فأبدلت التاء طاء لقرب مخرج الطاء من الصاد ، وفي الكلام محذوف تقديره يقولون { ربنا } وطلبوا الرجوع إلى الدنيا في مقالتهم هذه فالتقدير فيقال لهم { أو لم نعمركم } على جهة التوقيف والتوبيخ ، و { ما } في قوله { ما يتذكر } ظرفية ، واختلف الناس في المدة التي هي حد للتذكير{[9740]} ، فقال الحسن بن أبي الحسن : البلوغ ، يريد أنه أول حال التذكير ، وقال قتادة : ثمان عشرة سنة ، وقالت فرقة : عشرون سنة ، وحكى الزجاج : سبع عشرة سنة ، وقال ابن عباس : أربعون سنة ، وهذا قول حسن ، ورويت فيه آثار ، وروي أن العبد إذا بلغ أربعين سنة ولم يتب مسح الشيطان على وجهه وقال بابي وجه لا يفلح ، وقال مسروق بن الأجدع : من بلغ أربعين سنة فليأخذ حذره من الله ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكنْ . . . له دون ما يأتي حياءٌ ولا ستر

فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى . . . وإن جر أسْباب الحياة له الدهر{[9741]}

وقد قال قوم : الحد خمسون سنة وقد قال الشاعر : [ الوافر ]

أخو الخمسين مجتمع أشدي . . . ونجدني مداومة الشؤون{[9742]}

وقال الآخر : [ الطويل ]

وإن امرأً قد سار خمسين حجة . . . إلى منهل من ورده لقريب{[9743]}

وقال ابن عباس أيضاً وغيره : الحد في ذلك ستون وهي من الأعذار ، وهذا أيضاً قول حسن متجه ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«إذا كان يوم القيامة نودي أين أبناء الستين » وهو العمر الذي قال الله فيه :{ أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر }{[9744]} ، وقال صلى الله عليه وسلم : «عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر »{[9745]} ، وقرأ جمهور الناس «ما يتذكر فيه من تذكر » ، وقرأ الأعمش «ما يذكر فيه من أذكر »{[9746]} .

و { النذير } في قول الجمهور الأنبياء وكل نبي نذير أمته ومعاصره ، ومحمد صلى الله عليه وسلم نذير العالم في غابر الزمان ، وقال الطبري وقيل { النذير } الشيب وهذا قول حسن ، إلا أن الحجة إنما تقوم بالنذارة الشرعية وباقي الآية بين .


[9740]:في بعض النسخ: التي هي حد للتذكير، وهذا يتفق مع تعبير ابن عطية بعد ذلك في نقله عن العلماء:"الحد هو كذا".
[9741]:وفى الأربعين: أكملها واتمها. لا تنفس عليه: لا تحسده عليه، وارتأى: اعتقد في الأمر رأيا، يقول: إذا بلغ الإنسان الأربعين ولم يخجل من الأعمال القبيحة التي يرتكبها فاتركه وشانه، ولا تحسده على ما يراه ويعتقده وإن مدّ له الدهر في أسباب الغنى والجه.
[9742]:الأشد: مبلغ الرجال الحُنكة والمعرفة، قال تعالى:{حتى إذا بلغ أشده}، قال أبو عبيدة: واحدها شد في القياس، وقال سيبويه: واحدتها شدة كنعمة وأنعم، وقيل: هو جمع لا واحد له. والنجد: الشجاع يعين المحتاج ويساعده، والمراد هنا أنه إذا بلغ الخمسين فقد بلغ مبلغ المعرفة والحنكة، ووصل إلى الخبرة التي تساعده على حسن التصرف في مواجهة المشكلات.
[9743]:الحِجة: السنة، والمنهل في الأصل: المورد، أيك الموضع الذي فيه المشرب، والمراد بالورد هنا نهاية الأجل، يقول: إذا عاش المرء خمسين سنة فقد صار قريبا من النهاية، وسيشرب من كأسها سريعا.
[9744]:أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول"، والبيهقي في سننه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظه كما ذكره الإمام السيوطي في (الدر المنثور):(قيل أين أبناء الستين؟) بدلا من:(نودي: أين ابن الستين). هذا وقد اختار القرطبي القول الذي يجعل الأربعين حد التذكير، قال:" لأن في الأربعين يتناهى عقل الإنسان وفهمه، وما قبل ذلك وما بعده منتقص عن كماله في حال الأربعين". وقال القرطبي:"ولهذا القول وجه، وهو صحيح؛ والحجة له قوله تعالى:{حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة}، وقال مالك:"أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا والعلم ويخالطون الناس، حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس واشتغلوا بالقيامة حتى يأتيهم الموت".
[9745]:أخرجه الرامهرمزي في الأمثال، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد ذكر السيوطي في آخره في الدر المنثور تكملة تقول:(يريد{أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر}، وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أعذر الله إلى امرئ أخّر عمره حتى بلغ الستين). ذكر ذلك في الدر المنثور. قال الخطابي:" أعذر إليه" أي بلغ به أقصى العذر، والمعنى أن من عمره الله ستين سنة لم يبق له عذر، لأن الستين سن الإنابة والخشوع.
[9746]:أي: بالإدغام واجتلاب همزة الوصل ملفوظا بها في الدرج. قاله في البحر المحيط.