بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

ثم أخبر عن حالهم فيها فقال عز وجل : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } أي : يستغيثون . يقال : صرخ يصرخ إذا أغاث واستغاث وهو من الأضداد . ويستعمل للإغاثة والاستغاثة ، لأن كل واحد منهما يصلح وهو افتعال من الصراخ . يعني : يدعون في النار ويقولون : { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ } يعني : نعمل غير الشرك وغير المعصية . يقول الله تعالى : { أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ } يعني : أولم نعطكم من العمر والمهلة في الدنيا { مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } يعني : يتعظ فيه من أراد أن يتعظ .

وروى مجاهد عن ابن عباس في قوله { أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ } قال : العمر ستون سنة { وَجَاءكُمُ النذير } يعني : الشيب والهرم . وروي أن إبراهيم الخليل أول من رأى الشيب ، فقال : يا رب ما هذا ؟ فقال : هذا وقار في الدنيا ، ونور في الآخرة . فقال : يا رب زدني وقاراً . ويقال : { أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ } يعني : أولم نعطكم ، ونطول أعماركم و { مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ من تذكر } أي : مقدار ما يتعظ فيه من يتعظ .

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لَقَدَ أَعْذَرَ الله إلَى عَبْدٍ أحْيَاهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً أزَالَ عُذْرَهُ » { وَجَاءكُمُ النذير } أي : الرسول { فَذُوقُواْ } العذاب في النار { فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ } يعني : ما للمشركين من مانع من عذاب الله عز وجل .