فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } من الصراخ ، وهو الصياح ، أي وهم يستغيثون في النار رافعين أصواتهم ، والصارخ : المستغيث ، ومنه قول الشاعر :

كنا إذا ما أتانا صارخ فزع *** كان الصارخ له قرع الطنابيب

{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذى كُنَّا نَعْمَلُ } أي وهم فيها يصطرخون يقولون : { ربنا } إلخ . قال مقاتل : هو أنهم ينادون : { ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل } من الشرك والمعاصي ، فنجعل الإيمان منا بدل ما كنا عليه من الكفر ، والطاعة بدل المعصية ، وانتصاب { صالحاً } على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي عملاً صالحاً ، أو صفة لموصوف محذوف ، أي نعمل شيئاً صالحاً . قيل : وزيادة قوله : { غَيْرَ الذى كُنَّا نَعْمَلُ } للتحسر على ما عملوه من غير الأعمال الصالحة مع الاعتراف منهم بأن أعمالهم في الدنيا كانت غير صالحة ، فأجاب الله سبحانه عليهم بقوله : { أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } والاستفهام للتقريع ، والتوبيخ ، والواو للعطف على مقدّر كما في نظائره ، وما نكرة موصوفة ، أي أو لم نعمّركم عمراً يتمكن من التذكر فيه من تذكر . فقيل : هو ستون سنة . وقيل : أربعون . وقيل : ثماني عشرة سنة . قال بالأوّل جماعة من الصحابة ، وبالثاني الحسن ، ومسروق ، وغيرهما . وبالثالث عطاء ، وقتادة . وقرأ الأعمش : " ما يذكر " بالإدغام { وَجَاءكُمُ النذير } قال الواحدي : قال جمهور المفسرين : هو النبي صلى الله عليه وسلم . وقال عكرمة ، وسفيان بن عيينة ، ووكيع ، والحسن بن الفضل ، والفرّاء ، وابن جرير هو : الشيب ، ويكون معناه على هذا القول : أو لم نعمّركم حتى شبتم . وقيل : هو القرآن ، وقيل : الحمى . قال الأزهري : معناه أن الحمى رسول الموت ، أي كأنها تشعر بقدومه ، وتنذر بمجيئه ، والشيب نذير أيضاً ، لأنه يأتي في سنّ الاكتهال ، وهو علامة لمفارقة سنّ الصبا الذي هو سنّ اللهو واللعب . وقيل : هو موت الأهل والأقارب .

وقيل : هو كمال العقل . وقيل : البلوغ { فَذُوقُواْ فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ } أي فذوقوا عذاب جهنم ، لأنكم لم تعتبروا ، ولم تتعظوا ، فما لكم ناصر يمنعكم من عذاب الله ، ويحول بينكم وبينه . قال مقاتل ، فذوقوا العذاب ، فما للمشركين من مانع يمنعهم .

/خ45