فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } من الصراخ وهو الصياح ، أي وهم يستغيثون في النار رافعين أصواتهم والصارخ المستغيث : { رَبَّنَا } أي يقولون ربنا ، أو قائلين ربنا وقال مقاتل : إنهم ينادون ربنا .

{ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ } عملا { صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } من الشرك والمعاصي فنجعل الإيمان منا بدل ما كنا عليه من الكفر ، والطاعة بدل المعصية ، قيل وزيادة قوله غير الذي كنا نعمل للتحسر على ما عملوه من غير الأعمال الصالحة مع الاعتراف منهم بأن أعمالهم في الدنيا كانت غير صالحة فأجاب الله عليهم بقوله :

{ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، والواو للعطف على مقدر كما في نظائره وما نكرة موصوفة أي أو لم نعمركم عمرا يتمكن من التذكر فيه من تذكر ، فقيل : هو ستون سنة وقيل : أربعون وقيل : ثماني عشرة سنة ، قال بالأول : جماعة من الصحابة . ومنهم ابن عباس وبالثاني : الحسن ومسروق وغيرهما ، وبالثالث : عطاء وقتادة .

أخرج ابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : ( أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) ، وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي . وفيه مقال .

وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعذر الله إلى امرئ أخر عمره حتى بلغ ستين سنة ) ، وعن سهل بن سعيد مرفوعا نحوه أخرجه عبد بن حميد والطبراني والحاكم ، وعن علي بن أبي طالب قال : العمر الذي غيرهم الله به ستون سنة .

وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وابن المنذر والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك ) . قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وعن ابن عباس في هذه الآية : هو ست وأربعون سنة ، وعنه قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله : أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ؟ أربعون سنة .

{ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ } قال الواحدي قال جمهور المفسرين : هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع والحسن بن الفضل والفراء وابن جرير : هو الشيب ويكون معناه على هذا القول : أو لم نعمركم حتى شبتم وقيل هو القرآن ، وقيل الحمى قال الأزهري معناه أن الحمى رسول الموت أي كأنها تشعر بقدومه وتنذر بمجيئه والشيب نذير أيضا ، لأنه يأتي في سن الاكتهال ، وهو علامة لمفارقة سن الصبا الذي هو سن اللهو واللعب ، وقيل : هو موت الأهل والأقارب ، وقيل : هو كمال العقل ، وقيل : البلوغ .

{ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } الفاء لترتيب الأمر بالذوق على ما قبلها من التعمير ، ومجيء النذير ، وفي ( فما ) للتعليل أي فذوقوا عذاب جهنم لأنكم لا تعتبروا ولم تتعظوا فما لكم ناصر يمنعكم من عذاب الله ، ويحول بينكم وبينه قال مقاتل : فذوقوا فما للمشركين من مانع يمنعهم .