إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَهُمۡ يَصۡطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَٰلِحًا غَيۡرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} (37)

{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } يستغيثُون . والاصطراخُ افتعالٌ من الصُّراخِ استُعمل في الاستغاثةِ لجهد المستغيثِ صوتَه { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ } بإضمارِ القولِ وتقييدِ العملِ الصَّالحِ بالوصفِ المذكورِ للتَّحسرِ على ما عملوه من غيرِ الصَّالحِ والاعترافِ به والإشعارِ بأنَّ استخراجَهم لتلافيهِ وأنَّهم كانُوا يحسبونه صالحاً والآنَ تبيَّن خلافُه . وقولُه تعالى { أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } جوابٌ من جهتِه تعالى وتوبيخٌ لهم . والهمزةُ للإنكارِ والنَّفيِ والواوُ للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقامُ . ومَا نكرةٌ موصوفةٌ أي ألم نمهلْكُم أو ألم نؤخرْكُم ولم نعمْركُم عمراً يتذكَّرُ فيه من تذكَّر أي يتمكَّنُ فيه المتذكرُ من التَّذكُّرِ والتَّفكُّرِ . قيل هو أربعون سنةً وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما ستُّون سنة ورُوي ذلك عن : علي رضي الله عنه وهو العُمر الذي أعذرَ الله فيه إلى ابنِ آدَم قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( أعذرَ الله إلى امرئٍ أخَّر أجلَه حتَّى بلغَ ستِّين سنة{[679]} ) . وقولُه تعالى : { وَجَاءكُمُ النذير } عطفٌ على الجملةِ الاستفهاميةِ لأنَّها في معنى قد عمَّرناكم كما في قوله تعالى : { ألم نشرحْ لك صدرَك . ووضعنا } [ سورة الشرح ، الآية1و2 ] الخ لأنَّه في معنى قد شرحنا الخ والمرادُ بالنَّذيرِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أو ما معه من القُرآن وقيل : العقلُ وقيل : الشَّيبُ وقيل : موتُ الأقاربِ . والاقتصارُ على ذكرِ النَّذيرِ لأنَّه الذي يقتضيهِ المقامُ . والفاءُ في قوله تعالى : { فذوقُوا } لترتيبِ الأمرِ بالذَّوقِ على ما قبلها التَّعميرِ ومجيءِ النَّذيرِ . وفي قولِه تعالى : { فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ } للتَّعليلِ .


[679]:أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب (5).