التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ يَعِبَادِ الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ رَبّكُمْ لِلّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هََذِهِ الدّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةٌ إِنّمَا يُوَفّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لعبادي الذين آمنوا : يا عِبادِ الّذِينَ آمَنُوا بالله ، وصدقوا رسوله اتّقُوا رَبّكُمْ بطاعته واجتناب معاصيه لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدّنيْا حَسَنَةٌ .

ثم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : للذين أطاعوا الله حسنة في هذه الدنيا وقال «في » من صلة حسنة ، وجعل معنى الحسنة : الصحة والعافية . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدّنيْا حَسَنَةٌ قال : العافية والصحة .

وقال آخرون «في » من صلة أحسنوا ، ومعنى الحسنة : الجنة .

وقوله : وأرْضُ اللّهُ وَاسِعَةٌ يقول تعالى ذكره : وأرض الله فسيحة واسعة ، فهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام ، كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأرْضُ اللّهِ وَاسعَةٌ فهاجروا واعتزلوا الأوثان .

وقوله : إنّمَا يُوَفّى الصّابُرُونَ أجْرَهُمْ بغَيرِ حسابٍ يقول تعالى ذكره : إنما يعطي الله أهل الصبر على ما لقوا فيه في الدنيا أجرهم في الاَخرة بغير حساب يقول : ثوابهم بغير حساب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّما يُوَفّى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بغَيْرِ حسابٍ لا والله ما هنا كُم مِكيال ولا ميزان .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إنّما يُوَفّى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بَغْيرِ حسابٍ قال : في الجنة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

{ قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم } بلزوم طاعته . { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } أي للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة . وقيل معناه للذين أحسنوا حسنة في الدنيا هي الصحة والعافية ، وفي هذه بيان لمكان { حسنة } . { وأرض الله واسعة } فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان في وطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن منه . { إنما يوفي الصابرون } على مشاق الطاعات من احتمال البلاء ومهاجرة الأوطان لها . { أجرهم بغير حساب } أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب ، وفي الحديث إنه " ينصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون بها أجورهم ، ولا ينصب لأهل البلاء بل يصب عليهم الأجر صبا حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

وقرأ جمهور القراء : «قل يا عبادي » بفتح الياء . وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش : «يا عبادي » بياء ساكنة . وقرأ أبو عمرو أيضاً وعاصم والأعمش وابن كثير : «يا عباد » بغير ياء في الوصل .

ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة . ووعد تعالى بقوله : { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } ويحتمل أن يكون قوله : { في هذه الدنيا } ، متعلقاً ب { أحسنوا } ، فكأنه يريد أن الذين يحسنون في الدنيا لهم حسنة في الآخرة وهي الجنة والنعيم ، قاله مقاتل ، ويحتمل أن يريد : أن الذين يحسنون لهم حسنة في الدنيا وهي العاقبة والظهور وولاية الله تعالى ، قاله السدي . وكان قياس قوله أن يكون في هذه الدنيا متأخراً ويجوز تقديمه ، والأول أرجح أن الحسنة هي في الآخرة . { وأرض الله } يريد بها البلاد المجاورة التي تقتضيها القصة التي في الكلام فيها ، وهذا حض على الهجرة ، ولذلك وصف الله الأرض بالسعة . وقال قوم : أراد ب «الأرض » هنا الجنة ، وفي هذا القول تحكم لا دليل عليه .

ثم وعد تعالى على الصبر على المكاره والخروج عن الوطن ونصرة الدين وجميع الطاعات : بأن الأجر يوفى { بغير حساب } ، وهذا يحتمل معنيين ، أحدهما : أن الصابر يوفى أجره ثم لا يحاسب عن نعيم ولا يتابع بذنوب ، فيقع { الصابرون } في هذه الآية على الجماعة التي ذكرها النبي عليه السلام أنها تدخل الجنة دون حساب في قوله : «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون وجوههم على صورة القمر ليلة البدر » الحديث على اختلاف ترتيباته . والمعنى الثاني : أن أجور الصابرين توفى بغير حصر ولا وعد ، بل جزافاً ، وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى ، ومنه قول الشاعر [ طويس المغني ] : [ الكامل ]

ما تمنعي يقضى فقد تعطينه*** في النوم غير مسرد محسوب

وإلى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين حتى قال قتادة : ليس ثم والله مكيال ولا ميزان ، وفي بعض الحديث أنه لما نزلت : { والله يضاعف لمن يشاء } البقرة : 261 ، قال النبي عليه السلام : اللهم زد أمتي فنزلت بعد ذلك : { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } [ البقرة : 245 ] ، فقال : اللهم زد أمتي حتى أنزلت : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } فقال : رضيت يا رب .