التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩} (15)

ثم بين - سبحانه - أن هذا الكون كله خاضع له - عز وجل - فقال : { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بالغدو والآصال } .

والمراد بالسجود له - سبحانه - : الانقياد والخضوع لعظمته .

وظلالهم : جمع ظل وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور .

والغدو : جمع غدوة وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس .

والآصال : جمع أصيل وهو ما بين العصروغروب الشمس .

والمعنى : ولله - تعالى - وحده يخضع وينقاد جميع من في السموات والأرض من الملائكة والإِنس والجن وغيرهم .

وقوله { طَوْعاً وَكَرْهاً } منصوبان على الحال من " من " ، أى : أن جميعهم يسجدون لله ، وينقادون لعظمته ، حال كونهم طائعين وراضين بهذا السجود والانقياد ، وحال كونهم كارهين وغير راضين به ، لأنهم لا يستطيعون الخروج على حكمه لا في الإِيجاد ولا في الإِعدام ولا في الصحة ولا في الأرض ، ولا في الغنىن ولا في الفقر . . فهم خاضعون لأمره شاءوا أم أبوا .

وسيتوى في هذا الخضوع المؤمن والكافر ، إلا أن المؤمن خاضع عن طواعية بذاته وبظاهره وبباطنه لله - تعالى - .

أما الكافر فهو خاضع لله - تعالى - بذاته ، ومتمرد وجاحد وفاسق عن أمر ربه بظاهره ، والضمير في قوله - سبحانه - { وَظِلالُهُم } يعود على { مَن فِي السماوات والأرض } .

أى : والله - تعالى - يخضع من في السموات والأرض طوعا وكرها ويخضع له - أيضا - بالغدو والآصال ظلال من له ظل منهم ، لأن هذه الظلال لا زمة لأصحابها والكل تحت قهره ومشيئته في الامتداد والتقلص والحركة والسكون .

قال - تعالى - { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ اليمين والشمآئل سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } وقال تعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ثم وجه - سبحانه - عن طريق نبيه - صلى الله عليه وسلم - أسئلة تهكمية إلى هؤلاء المشركين المجادلين في ذات الله - تعالى - وفى صفاته ، وساق لهم أمثلة للحق والباطل ،

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَللّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ } .

يقول تعالى ذكره : فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له ، فللّه يسجد من في السموات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعا ، فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كَرْها حين يكرهون على السجود . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها فأما المؤمن فيسجد طائعا ، وأما الكافر فيسجد كارها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، قال : كان ربيع بن خيثم إذا تلا هذه الآية : ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها قال : بلى يا رباه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها قال : من دخل طائعا هذا طوعا ، وكرها من لم ير يدخل إلاّ بالسيف .

وقوله : وَظِلالُهُمْ بالغُدُوّ والاَصَالِ يقول : ويسجد أيضا ظلال كلّ من سجد لله طوعا وكرها بالغدوات والعشايا ، وذلك أن ظل كلّ شخص فإنه يفىء بالعشيّ كما قال جلّ ثناؤه : أوَ لمْ يَرَوْا إلى ما خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَقَيّأ ظِلالُهُ عَنِ اليَمِينِ والشّمائِلِ سُجّدا لِلّهِ وَهُمْ داخِرُونَ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَظِلالُهُمْ بالغُدُوّ والاَصالِ يعني : حين يفىء ظلّ أحدهم عن يمينه أو شماله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، قال في تفسير مجاهد : ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ في السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها وَظِلالُهُمْ بالغُدُوّ والاَصَالِ قال : ظلّ المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ، وظلّ الكافر يسجد طوعا وهو كاره .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَظِلالُهُمْ بالغُدُوّ والاَصَالِ قال : ذكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له ، وقرأ : سُجّدا لِلّهِ وهم دَاخِرُونَ قال : تلك الظلال تسجد لله . والاَصال : جمع أُصُل ، والأصُلُ : جمع أصيل ، وا لأصيل : هو العشيّ ، وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس قال أبو ذؤَيب :

لَعَمْرِيَ لأَنْتَ البَيْتُ أُكْرِمُ أهْلَهُ *** وأقْعُدُ في أفْيائِهِ بالأصَائِلِ