أما إذا كانت الدولة للمؤمنين ، وظفروا بالغنائم ، فهنا يتمنى المنافقون أن لو كانوا معم لينالوا بعض هذه الغنائم ، واستمع إلى القرآن وهو يحكى عنهم ذلك فيقول : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } .
أى : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ } يا معشر المؤمنين { فَضْلٌ مِنَ الله } كفتح وغنيمة ونصر وظفر { لَيَقُولَنَّ } هذا المنافق على سبيل الندامة والحسرة والتهالك على حطام الدنيا ، حالة كونه { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } ليقولن : { ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ } عندما خرجوا للجهاد { فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } بأن أحصل كما حصلوا على الغنائم الكثيرة .
وهذا - كما يقول ابن جرير - خبر من الله - تعالى - ذكره عن هؤلاء المنافقين ، أن شهودهم الحرب مع المسلمين - إن شهدوها - إنما هو لطلب الغنيمة وإن تخالفوا عنها فللشك الذى فى قلوبهم ، وأنهم لا يرجون لحضورها ثوابا ، ولا يخافون بالتخلف عنها من الله عقابا .
وفى نسبة الفضل إلى الله فى قوله { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله } دون إصابة المصيبة تعليم لحسن الأدب مع الله - تعالى - وإن كان سبحانه - هو الخالق لكل شئ ، فهو الذى يمنح الفضل لمن يشاء وهو الذى يمنعه عمن يشاء .
وقوله { كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ } جملة معترضة بين فعل القول الذى هو { لَيَقُولَنَّ } وبين المقول الذى هو { ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ } .
وقد جئ بها على سبيل التهكم والسخرية والتعجب من حال المنافقين ، لأنهم كان فى إمكانهم أن يخرجوا مع المؤمنين للقتال ، وأن ينالوا نصيبهم من الغنائم التى حصل عليها المؤمنون ، ولكنهم لم يخرجوا لسوء نواياهم ، فلما أظهروا التحسر لعدم الخروج بعد أن رأوا الغنائم فى أيدى المؤمنين كان تحسرهم فى غير موضعه ؛ لأن الذى يتحسر على فوات شئ عادة هو من لا علم له به أو بأسبابه ، أما المنافقون فبسبب مخالطتهم وصحبتهم للمؤمنين كانوا على علم بقتال المؤمنين لأعدائهم ، وكان فى إمكانهم أن يخرجوا معهم .
فكأن الله تعالى يقول للمؤمنين : انظروا وتعجبوا من شأن هؤلاء المنافقين إنهم عندما أصابتكم مصيبة فرحوا ، وعندما انتصرتم وأصبتم الغنائم تحسروا وتمنوا أن لو كانوا معكم حتى لكأنهم لا علم لهم بالقتال الذى دار بينكم وبين أعدائكم ، وحتى لكأنهم لا مخالطة ولا صحبة بينكم وبينهم مع أن علمهم بالقتال حاصل ، ومخالطتهم لكم حاصلة فلم يتحسرون ؟ إن قولهم : { ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } ليدعوا إلى التعجب من أحوالهم ، والتحقير لسلوكهم ، والدعوة عليهم بأن يزدادوا حسرة على حسرتهم .
وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد أمرت المؤمنين بحسن الاستعداد للقاء أعدائهم فى كل وقت ، وكشفت لهم عن رذائل المنافقين الذين إذا أصابت المؤمنين مصيبة فرحوا لها ، وإذا أصابهم فضل من الله تحسروا وحزنوا ، وفى هذا الكشف فضيحة للمنافقين ، وتحذير للمؤمنين من شرورهم .
{ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنّ كَأَن لّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدّةٌ يَلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } . .
يقول جلّ ثناؤه : { وَلَئِنْ أصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ } : ولئن أظفركم الله بعدوّكم ، فأصبتم منهم غنيمة¹ { لَيَقُولَنّ } هذا المبطىء المسلمين عن الجهاد معكم في سبيل الله المنافق { كأنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَودّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفُوزَ } بما أصيب معهم من الغنيمة { فَوْزا عَظِيما } . وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أن شهودهم الحرب مع المسلمين إن شهدوها لطلب الغنيمة ، وإن تخلفوا عنها فللشكّ الذي في قوبلهم ، وأنهم لا يرجون لحضورها ثوابا ولا يخافون بالتخلف عنها من الله عقابا . وكان قتادة وابن جريج يقولان : إنما قال من قال من المنافقين إذا كان الظفر للمسلمين : يا ليتني كنت معهم ، حسدا منهم لهم .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلَئِنْ أصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ لَيَقُولَنّ كأنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فأفُوزَ فَوْزا عَظِيما } قال : قول حاسد .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَلَئِنْ أصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ } قال : ظهور المسلمين على عدوّهم ، فأصابوا الغنيمة { لَيَقُولَنّ } { يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفُوزَ فَوْزا عَظِيما } قال : قول الحاسد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.