التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (10)

ثم بين - سبحانه - العلة في خداعهم لله وللمؤمنين فقال : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } .

والمرض : العلة في البدن ونقيضه الصحة ، وقد يستعمل على وجه الاستعارة فيما يعرض للمرء فيخل بكمال نفسه ، كسوء العقيدة والحسد ، والبغضاء والنفاق ، وهو المراد هنا .

وسمي ما هم فيه من نفاق وكفر مرضا ، لكونه مانعا لهم من إدراك الفضائل . كما أن مرض الأبدان يمنعها من التصرف الكامل .

وجعل القرآن قلوبهم ظرفا للمرض ، للإٍشعار بأنه تمكن منها تمكناً شديداً كما يتمكن الظرف من المظروف فيه .

ثم أخبر- سبحانه- بأنهم بسبب سوء أعمالهم قد زادهم الله ضلالا وخسراً فقال : { فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً } . لأنهم استمروا في نفاقهم وشكهم ، ومن سنة الله أن المريض إذا لم يعالج مرضه زاد لا محالة مرضه ، إذ المرض ينشئ المرض ، والانحراف يبدأ يسيراً ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد . والمعنى : أن هؤلاء المنافقين قد زادهم رجساً على رجسهم ، ومرضا على مرضهم ، وحسدا على حسدهم ، لأنهم عموا وصموا عن الحق ، ولأنهم كانوا يحزنون لأي نعمة تنزل بالمؤمنين . كما قال - تعالى : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } ثم بين - سبحانه - سوء عاقبتهم فقال : { وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } .

{ أَلِيمٌ } أي : مؤلم وموجع وجعاً شديدا . من ألم - كفرح - فهو ألم ، وآلمه يؤلمه إيلاما ، أي : أوجعه إيجاعاً شديدا .

والكذب : الإِخبار عن الشيء بخلاف الواقع . ولقد كان المنافقون كاذبين في قولهم " آمنا بالله وباليوم الآخر " وهم غير مؤمنين ، وجعلت الآية الكريمة العذاب الأليم مرتبا على كذبهم مع أنهم كفرة ، والكفر أكبر معصية من الكذب ، للإشعار بقبح الكذب ، وللتنفير منه بأبلغ وجه ، فهؤلاء المنافقون قد جمعوا الخستين ، الكفر الذي توعد الله مرتكبه بالعذاب العظيم ، والكذب الذي توعد الله مقترفة بالعقاب الأليم .

وعبر بقوله : { كَانُوا يَكْذِبُون } لإفادة تجدد الكذب وحدوثه منهم حيناً بعد حين ، وأن هذه الصفة هي أخص صفاتهم ، وأبرز جرائمهم .