فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (10)

{ مرض } حالة توجب وقوع الخلل في الأفعال الصادرة عن موضوعها .

{ فزادهم الله مرضا } كلما أنزل من وحي الله تعالى شيئا فكفروا به وازدادوا كفرا .

{ أليم } وجيع { يكذبون } فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم .

لما فسدت طويتهم زادهم الله فسادا : فكأن المرض هنا علة في الدين ولا تستلزم بالضرورة أن تكون علة حسية في العضلة الصنوبرية التي في أيسر التجويف الصدري ، والمعروف بالقلب ؛ ومن عدل الله وفضله أن كلماته- وكلها صدق وعدل- تزيد العقلاء المهتدين تبصرا وهداية ، وتزيد الضالين حسرة وخسارا : { . . فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون . وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم . . }{[135]} : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا }{[136]} ؛ { وإنه لتذكرة للمتقين . وإنا لنعلم أن منكم مكذبين . وإنه لحسرة على الكافرين . وإنه لحق اليقين }{[137]} . { ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } ولهؤلاء المخادعين عذاب موجع أشد الوجع : بالغ النهاية في الألم : { . . قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم . يصهر به ما في بطونهم والجلود . لهم مقاطع من حديد }{[138]} : وذلك بكذبهم على ربهم وقولهم آمنا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، وإن كذبا على الله ليس ككذب على غيره : { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة . . }{[139]} -المنافق هو الذي لا يطابق ظاهره باطنه سواء كان ما في باطنه ما يضاد ظاهره أو كان خاليا عما يشعر به ظاهره . . . ولغلظ كفر المنافقين قال الله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار . . }{[140]} : ووصف حال الكفار في آيتين ، وحال المنافقين في ثلاث عشرة آية نعى عليهم فيها خبثهم ونكرهم ، وفضحهم وسفههم ، واستجهلهم واستهزأ بهم وتهكم بفعلهم ، . . ودعاهم صما وبكما ، وضرب الأمثال الشنيعة ؛ قصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة الذين كفروا . . . والضمير العائد إلى من يكون موحدا تارة باعتبار اللفظ ، نحو : { ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة . . }{[141]} ومجموعا أخرى باعتبار المعنى مثل : { ومنهم من يَسْتَمِعُونَ إليك . . }{[142]} ، وقد اجتمع الاعتبار في الآية في { يقول } و{ منا } وإنما اختص بالذكر الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر لأنهما قطرا الإيمان ومن أحاط بهما فقد حاز الإيمان بحذافيره ، وفي تكرير الباء إيذان بأنهم ادعوا كل واحد من الإيمانيين على صفة الصحة والاستحكام ؛ فلما أتوا بالجملة الفعلية ليكون معناها : أحدثنا الدخول في الإيمان لتروج دعواهم الكاذبة جاء بالجملة الاسمية ليفيد نفي ما انتحلوا إثباته لأنفسهم على سبيل البث والقطع ، وأنهم ليس لهم استئهال أن يكونوا طائفة من طوائف المؤمنين ، فكان هذا أوكد وأبلغ من أن يقال : إنهم لم يؤمنوا ونظير الآية قوله تعالى : { يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها . . }{[143]}-


[135]:سورة التوبة من الآيتين 124- 125.
[136]:سورة الإسراء الآية 82.
[137]:سورة الحاقة الآيات 48- 51.
[138]:سورة الحج من الآية 19 و الآيتان 20- 21.
[139]:سورة الزمر من الآية 60.
[140]:سورة النساء من الآية145.
[141]:سورة الأنعام من الآية 25.
[142]:سورة يونس من الآية 42.
[143]:سورة المائدة من الآية 37.