لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (10)

في قلوب المنافقين مرض الشك ، ويزيدهم الله مرضاً بتوهمهم أنهم نجوا بما لبَّسوا على المسلمين ، ثم لهم عذاب أليم مؤلم ، يَخْلُص وجعه إليهم في المآل . ( وفي ) الإشارة يحصل لمن خلط قصده بحظِّه ، وشاب إرادته بهواه ( أن ) يتقدم في الإرادة بِقَدَم ، ويتأخر بالحظوظ ومتابعة النَفْس بأخرى ، فهو لا مريدٌ صادقٌ ولا عاقلٌ متثبت . ولو أن المنافقين أخلصوا في عقائدهم لأَمِنوا في الآخرة من العقوبة كما أَمِنوا في الدنيا من نحو بذلك الجزية وغير ذلك مما هو صفة أهل الشرك والذمة ، كذلك لو صدق المريد في إرادته لوصل بقلبه إلى حقائق الوصلة ، ولأدركته بركات الصدق فيما رامه من الظفر بالبُغية ، ولكن حاله كما قيل :

فما ثبتنا فيثبت لنا عدل بلا حنف *** ولو خلصنا تخلصنا من المحن

وإن من سقمت عبادته حيل بينه وبين درجات الجنات ، ومن سقمت إرادته حيل بينه وبين مواصلات القُرْبِ والمناجاة . وأمَّا من ركن إلى الدنيا واتَّبع الهوى فسكونُهم إلى دار الغرور سقم لقلوبهم ، والزيادة في علتهم تكون بزيادة حرصهم ؛ كلما وجدوا منها شيئاً - عَجَّلَ لهم العقوبة عليه - يتضاعف حرصهم على ما لم يجدوه .

ثم من العقوبات العاجلة لهم تشتتُ همومهم ثم تَبَغض عيشهم فيبغون بها عن مولاهم ، ولم يكن لهم استمتاع ولا راحة فيما آثروه من متابعة هواهم ، وهذا جزاء من أعرض عن صحبة مولاه ، وفي معناه قيل :

تبدلت فتبدلنا واحسرتا *** لمن ابتغى عوضاً ليسلو فلم يجد

والإشارة في العذاب الأليم بما كانوا يكذبون إنما هي الحسرة يوم الكشف إذا رأوا أشكالهم الذين صدقوا كيف وصلوا ، ورأَوْا أنفسهم كيف خسروا .