فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ} (10)

المرض : كل ما يخرج به الإنسان عن حدّ الصحة ، من علة أو نفاق أو تقصير في أمر ، قاله ابن فارس . وقيل : هو الألم ، فيكون على هذا مستعاراً للفساد الذي في عقائدهم إما شكاً ونفاقاً ، أو جحداً وتكذيباً ، وتقديم الخبر للإشعار بأن المرض مختص بها ، مبالغة في تعلق هذا الداء بتلك القلوب ، لما كانوا عليه من شدّة الحسد ، وفرط العداوة . والمراد بقوله { فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا } الإخبار بأنهم كذلك بما يتجدد لرسول الله صلى الله عليه وسلم من النعم ، ويتكرّر له من منن الله الدنيوية والدينية . ويحتمل أن يكون دعاء عليهم بزيادة الشك وترادف الحسرة وفرط النفاق . والأليم المؤلم أي : الموجع ، و«ما » في قوله : { بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } مصدرية أي : بتكذيبهم وهو : قولهم { آمنا بالله وباليوم الآخر } [ البقرة : 8 ] والقراء مجمعون على فتح الراء من قوله { مرض } ، إلا ما رواه الأصمعيّ عن أبي عمرو أنه : قرأ بإسكان الراء ، وقرأ حمزة وعاصم ، والكسائي { يَكْذِبُونَ } بالتخفيف ، والباقون بالتشديد .

وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : { فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } قال : شكّ { فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا } قال : شكاً . وأخرج عنه ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله { فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } قال : النفاق { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قال : نكال موجع { بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } قال : يبدّلون ويحرفون . وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثل ما قاله ابن عباس أوّلاً . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : كل شيء في القرآن أليم ، فهو الموجع . وأخرج أيضاً عن أبي العالية مثله . وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله أيضاً . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } أي : ريبة وشكّ في أمر الله { فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا } ريبة وشكاً { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } قال : إياكم والكذب فإنه باب النفاق . وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : هذا مرض في الدين ، وليس مرضاً في الأجساد وهم المنافقون . والمرض : الشك الذي دخل في الإسلام . وروي عن عكرمة وطاوس أن المرض : الرياء .