والمرض حالة توجب وقوع الخلل في الأفعال الصادرة عن موضوعها ، واستعمال المرض في القلب يجوز أن يكون حقيقة بأن يراد الألم كما تقول : في جوفه مرض . ومجازاً بأن يستعار لبعض أعراض القلب كسوء الاعتقاد والغل والحسد والميل إلى المعاصي ، فإن صدورهم كانت تغلي على الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين غلاً وحنقاً { وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } [ آل عمران : 119 ] وناهيك بما كان من ابن أبي ، وقول سعد بن عبادة لرسول له صلى الله عليه وسلم اعف عنه يا رسول الله واصفح ، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك ، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يعصبوه بالعصابة -وذلك شيء منظوم بالجواهر شبه التاج- أي يجعلوه ملكاً ، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه شرق بذلك . أو يراد ما يداخل قلوبهم من الضعف والخور لأنهم كانوا يطمعون أن ريح الإسلام تهب حيناً ثم تركد ، فكانت تقوى قلوبهم بذلك الطمع . فلما شاهدوا شوكة المسلمين وإعلاء كلمة الحق وما قذف الله في قلوبهم من الرعب ضعفت جبناً وخوراً . ومعنى زيادة الله إياهم مرضاً أنه كلما أنزل على رسوله الوحي فكفروا به ازدادوا كفراً إلى كفرهم ، فأسند الفعل إلى المسبب له كما أسند إلى السورة في قوله { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] وهذا كما قال الحكيم : البدن الغير النقي كلما فدوته زدته شراً . وكلما زاد رسوله نصرة وتبسطاً ازدادوا حسداً وبغضاً . ويحتمل أن يراد بزيادة المرض الطبع ، ويحتمل أن يقال : الغل والحسد قد يفضي إلى تغير مزاج القلب ويؤدي إلى تلف صاحبه كقوله :
اصبر على مضض الحسو *** د فإن صبرك قاتله
النار تأكل نفسها *** إن لم تجد ما تأكله
فإفضاء صاحبه إلى الهلاك هو المعني بالزيادة . والأليم الوجيع . ووصف العذاب به على طريقة قولهم " جد جده " والألم بالحقيقة للمؤلم كما أن الجد للجاد . والمراد بكذبهم قولهم { آمنا بالله وباليوم الآخر } . وفي ترتب الوعيد على الكذب دليل على قبح الكذب وسماجته . وما يروى عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه كذب ثلاث كذبات أحدها قوله { إني سقيم } [ الصافات : 89 ] وثانيها قوله لسارة حين أراد أن يغصبها ظالم " إنها أختي " وثالثها قوله { بل فعله كبيرهم هذا } [ الأنبياء : 63 ] فالمراد التعريض " إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب " ولكن لما كانت صورته صورة الكذب سمي به . والكذب الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به ، وقد يعتبر فيه علم المخبر بكون المخبر عنه مخالفاً للخبر ، والصدق نقيضه . وقراءة من قرأ { يكذبون } بالتشديد إما من كذبه الذي هو نقيض صدقه ، وإما من كذب الذي هو مبالغة في كذب كما بولغ في صدق فقيل " صدق " نحو : بان الشيء وبين الشيء ومنه قوله :
قد بين الصبح لذي عينين *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أو بمعنى الكثرة نحو " موتت البهائم " ، أو من قولهم " كذب الوحشي إذا جرى شوطاً ثم وقف لينظر ما وراءه " لأن المنافق متوقف متردد في أمره مذبذب بين ذلك . وقال صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة " وما في قوله { بما كانوا } مصدرية أي بكذبهم ، وكان مقحمة لتفيد الثبوت والدوام أي بسبب أن هذا شأنهم وهجيراهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.